ترجمة وتحرير نون بوست
في منتصف فبراير الجاري قامت شركة إعمار الإماراتية بالتعاقد مع وزارة الدفاع المصرية لبناء “إعمار سكوير”، وهو مشروع متعدد الاستخدامات هدفه الأساسي توفير القدره على التسوق في الهواء الطلق في واحدة من أجمل ضواحي القاهرة الجديدة كجزء من مشروع أب تاون كايرو.
إعمار هي الشركة الأم لأطول مبنى في العالم (برج خليفة)، ووزارة الدفاع المصرية هي أكبر مالك أراضي في مصر، والأراضي التي تستخدمها إعمار في مشاريعها الضخمة كانت سابقا ملك الجيش المصري، لكنها صارت ملك إعمار رغم أنها لم تكن متاحة سابقا للبيع.
في السنوات التي سبقت الثورة كان النظام السابق قد بدأ في تصعيد عدد من رجال الأعمال ليكونوا واجهة النظام الجديدة ووجهته أيضا، ووضع النظام رؤية عُرفت باسم القاهرة 2050 وكان من شأن تلك الرؤية أن تطرد الآلاف من الأسر المصرية جماعيا بهدف تحويل قطاعات كبيرة من المدينة إلى عدد من المجمعات السكنية وملاعب الغولف ومراكز التسوق، للطبقة العليا في مصر التي لا تشكل أكثر من 1٪ من المصريين. كانت الأموال والاستثمارات لهذه المشاريع تأتي من الكويت والسعودية والإمارات. لقد كان النظام مستعدا تماما لتحويل القاهرة إلى “دبي” أخرى.
توقفت تلك المشاريع بعد الثورة المصرية في يناير 2011، وبعد وصول الإخوان المسلمين للسلطة مدعومة من قطر بدا أن هناك صراعا خفيا على الاسثمارات في مصر بين المال القطري والمال السعودي-الإماراتي-الكويتي، وبعد الانقلاب العسكري عادت تلك المشاريع إلى مسارها الصحيح، بما في ذلك مشروع مثلث ماسبيرو (الذي سيطرد الآلاف من أهالي منطقة رملة بولاق وبولاق أبوالعلا من منازلهم، وبعد أن رفضت المحكمة الترحيل القسري للسكان إبان عهد مرسي، أعلنت محافظة القاهرة بعد أسابيع من فض اعتصام مؤيدي مرسي عن طعنها على حكم القضاء وإصرارها على طرد السكان لصالح المستثمرين الخليجيين) ومشروع أب تاون كايرو.
لماذا يُعتبر ذلك الخبر مهما؟ أولا: هذه ليست سوقا مفتوحة! فعندما نقول أن العسكر هم أكبر مالك للأرض في مصر، بالإضافة لعدم وجود رقابة مدنية، هذا يجعل الصفقات المباشرة غير شفافة! لا يمكن لمستثمر مصري أن يفعل ذلك، ولم تكن تلك الأراضي للبيع بالأساس!
ورغم أن الحكومة تقول إن هذا الأمر سيوفر المزيد من فرص العمل وسيساهم في “بناء مصر”، إلا أن الواقع يختلف كثيرا عن ذلك!
فما يحدث هو أن الحكومة توفر المزيد من الفرص لرأس المال (المشترين) ليكون محجوزا في مجمعات سكنية ببوابات ضخمة، لن يضغطوا على الحكومة المصرية لطلب الخدمات ولا غيرها، لكنهم سيتعاملون مع شركات خاصة ستوفر لهم ذلك!
والسبب الثاني هو أن تلك القرارات والصفقات ليست ديمقراطية، ولا ثورية بالقطع!
الصفقة التي وقعها الجيش ضم فيها وزارة الإسكان، وزارة التنمية المحلية، وزارة الاستثمار ومحافظة القاهرة! كل مؤسسات الدولة تشارك في تطوير واحد من المجمعات السكنية الأكثر تميزا والذي لن يخدم سوى نسبة ضئيلة للغاية من السكان (ربما يكون العديد منهم غير مصريين)، في مقابل التخلي عن غالبية سكان المدينة!
هذا التعاون يعني فيما يعني أن تسمح مؤسسات الدولة لشركة إعمار الإماراتية لبناء طريق خاص بها لربط آب تاون كايرو، وإعمار سكوير بشبكة الطرق في القاهرة، وهذا الطريق يتطلب تجهيز منطقة الجبل الأحمر ما حدا بوزارة الدفاع أن تعلن عن نيتها “إزالة عوائق مشروع إعمار سكوير بالمقطم”، نحن نتحدث هنا غالبا عن مئات العائلات من السكان الذين يقعون على مسار الطريق المزمع بناءها!
وزارة الدفاع ستخلي هؤلاء الفقراء قسريا، هذه ليست أول مرة، لقد استخدم الجيش القوة المميتة مرات عديدة لطرد السكان عنوة ولصالح شبكات مصالح صغيرة وخاصة وغير مصرية في أحيان كثيرة.
لماذا هذا الاهتمام من قبل مؤسسات الدولة لخدمة أقلية الأقلية بالتعاون مع السلطة السياسية والعسكرية في حين تغض تلك المؤسسات الطرف عن احتياجات أغلبية السكان في مصر؟؟ وكيف انتقلت مصر من “تحرير سكوير” (ميدان التحرير) إلى “إعمار سكوير”؟
في مصر تعبر المساحات الحضرية ليس فقط عن المدينة لكن أيضا عن أشكال جديدة من التمثيل الديمقراطي. فالاحتجاجات التي تجري في مصر والإضطرابات السياسية التي تلت يناير 2011 تسلط الضوء على فضاءات الحياة اليومية وكيف تحولت الأماكن إلى مواقع للمقاومة والثورة والتحول السياسي. ورغم كل التغيرات التي حدثت في مصر إلا أن الهدف الأساسي ظل ثابتا: إعادة بناء الديمقراطية من أسفل إلى أعلى.
لم تناقَش الثورة المصرية كنضال بين الطبقات، أو كحركة تسعى لإعادة تشكيل المدينة في صورة اجتماعية مختلفة عن تلك التي قدمتها القوى المدعومة من الرأسمال الخليجي. لقد تم تشكيل المدينة من قبل تحالف السلطة ورأس المال بوسائل أظهرت التباين الشديد بين إهمال الدولة تجاه الأغلبية وتنازلاتها ودعمها للأفراد والجمعيات والشركات المرتبطة بأجهزة الدولة العسكرية والشرطية.
هذه الصورة تم تداولها في وسائل الإعلام وتظهر الجدار العازل بين أب تاون كايرو عن محيطه من المناطق التي يقطنها سكان أدنى في الطبقات الاجتماعية، قارن المصريون هذا الجدار بالجدار العازل في فلسطين المحتلة.
لقد حان الوقت ليعرف المصريون أن شكل المدينة وتركيبتها هي نتيجة طبيعية للعلاقات بين النظام الحاكم والهياكل الاقتصادية والسياسية في المدن. ولذلك فقد فقدت المدن دورها الحيوي كمكان لغالبية السكان، وبدلا من ذلك -منذ السبعينات في الواقع- انخفضت قدرة الدولة على تقديم الخدمات وخلق نظم فعالة لإدارة المناطق الحضرية لكنها استمرت في إنتاج خطط للتوسع العمراني حيث يمكن أن يوضع رأس المال لإنتاج بيئات حضرية جديدة تسمح لرأس المال الخاص بالنمو!
وخلال تلك الفترة، حرص الجيش على حماية مكتسباته الاقتصادية إلى حد القرار الرئاسي الصادر عام 1997 بإعطاء الجيش كافة الأراضي غير المأهولة في مصر جاعلا إياه أكبر مالك أرض في مصر. الأرض هي فقط واحدة من مقدرات البلاد التي يحتكرها الجيش.
الجيش كمؤسسة يمكن القول أنه المستفيد الأول من الوضع السياسي والاقتصادي الراهن في البلاد، فبالإضافة إلى الأرض، يمتلك الجيش مواد البناء التي تستخدم في كل شيء من الشقق الفاخرة إلى المجمعات السكنية المغلقة! كما أن الجيش لديه الحق في استغلال قوة هائلة من العمالة غير المأجورة عبر نظام التجنيد الإلزامي فيما يشبه السخرة للمجندين القادمين من أفقر مناطق البلاد. يستخدم الجيش هؤلاء المجندين في العمل في مواقع البناء وفي المصانع لإنتاج مواد البناء!
لقد صار مديرو الإمبراطورية الاقتصادية المملوكة للجيش أو القادة العسكريون متواطئون تماما في قمع العمال وانتهاك حقوقهم، وهذا سيؤدي إلى العديد من المواجهات “المكانية” العنيفة في المناطق التي يحتك فيها السكان مع الجنود والمجندين والمحتجين!