رؤية 2030: نقمة أم نعمة على السعوديين؟

en-arabie-saoudite-sous-pretexte-de-developpement-economique-on-reprime-un-peu-plus

ترجمة وتحرير نون بوست

سطر ولي عهد المملكة العربية السعودية برنامجا طموحا ليعد البلاد لمرحلة جديدة تتخلى فيها المملكة عن استغلالها لعائدات النفط بشكل كامل. ويندرج هذا البرنامج ضمن “رؤية سنة 2030”. لكن لسائل أن يسأل ما ثمن هذه الرؤية؟

في الواقع، تهدف “رؤية سنة 2030” التي بعثها ولي العهد محمد بن سلمان ذو 31 ربيعا إلى تنويع وخصخصة ودفع الاقتصاد السعودي نحو الانفتاح بعيدا عن الاعتماد الكلي على استغلال عائدات النفط. وفي سياق متصل، أكدت  المملكة، التي يتزعمها العاهل سلمان بن عبد العزيز آل سعود منذ سنة 2015، أنها تعمل على تحويل جزرها المتناثرة في البحر الأحمر إلى منتجعات سياحية فاخرة. ويضاف هذا المشروع الضخم، الذي أعلن عنه يوم الثلاثاء، إلى مشروع آخر يتمثل في إنشاء مدينة ترفيهية تمسح قرابة 334 كلم مربع. علاوة على ذلك، من المقرر دفع الاستثمارات في مجال السينما والإعلام. وتعد هذه المشاريع بمثابة نقطة تحول كبرى في تاريخ المملكة. ولكن يبقى السؤال قائما: ما الذي تخفيه هذه الدعوة للانفتاح؟ 

مخطط للمستقبل وللشباب؟

من جهتها، ذكرت الصحفية، كلارنس رودريغيز، صاحبة كتاب “السعودية 30، تعهدات الشباب السعودي”، الصادر بتاريخ 5 تشرين الأول/ أكتوبر، أنه “ليس من الممكن تغيير شعب بأسره إلى مجتمع علماني خلال عشر سنوات، حيث يتمثل المشكل  في العقول المريضة في البلاد”. وأضافت هذه المراسلة التي قضت 12 سنة في الرياض “في  حال نجح بن سلمان في بلوغ المرحلة الثانية من رؤيته مع حلول سنة 2030، ف فذلك  يعد في حد ذاته إنجازا”.

بفضل، أو نتيجة للأزمة الاقتصادية يمكن للمرأة السعودية أن تتحرر… وأول حق يمكن أن تتمتع به هو التخلص من وصاية الرجل، ومن ثم الحق في قيادة السيارة

في سياق مغاير، تعتمد الاستجابة لحاجيات الشباب السعودي بالأساس على توفير “الملايين” من مواطن الشغل، خاصة وأن 75 بالمائة من السعوديين أعمارهم دون الثلاثين سنة، في حين يعاني ثلثهم من البطالة. وفي ظل التشجيع على “الانفتاح الثقافي”، ستتضاعف فرص العمل بالنسبة للشباب.

وفي هذا السياق، أشارت كلارنس رودريغيز إلى أن “أروقة الفن تنتشر في البلاد كما تنتشرالفطريات، مع العلم أن مثل هذه المراكز كانت ممنوعة سابقا…وفي الأثناء، يستغل الشباب السعودي شبكات التواصل الاجتماعي على اعتبارها نافذة على العالم.. إضافة إلى ذلك، يدرس أغلبهم في دول أجنبية، قبل أن يعودوا إلى المملكة متشبعين بثقافة مختلفة تماما عما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم مما يساهم في الرقي بالمجتمع السعودي ككل”.

إدارة مرحلة ما بعد النفط

في لقاء صحفي خلال شهر نيسانأبريل من سنة 2016، ذكر ولي العهد السعودي، في إطار حديثه عن رؤيته، أعتقد أنه بداية من هذه اللحظة إلى حدود سنة 2020، وفي حال توقف إنتاج النفطبإمكاننا الصمود والبقاء على قيد الحياة”. والجدير بالذكر أن سعر خام برنت قد سجل تراجعا منذ شهر تموز/ يوليو سنة 2014، بلغ أكثر من 65 بالمائة، حيث انخفض سعر البرميل من 110 دولار إلى 35 دولار. وفي مواجهة انهيار الأسعار، قررت منظمة “أوبك” الحفاظ على  نسق الإنتاج نفسه. ولكن، منذ ثلاثة سنوات تشهد الأسعار ركودا مستمرا.

وفي السياق نفسه، نشرت شركة “كامكو”، ورقة بحثية في شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2016، أكدت من خلالها أن العجز السعودي قد بلغ 84 مليار دولار أي ما يعادل 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في الوقت الذي كانت فيه المملكة تتمتع بفائض على مستوى  الميزانية.

من جهتها، أشارت الأستاذة مضاوي الرشيد إلى أنه “من الصعب دفع عجلة الانفتاح في غضونسنوات قليلة في ظل اقتصاد مرتكز منذ الأزل على عائدات النفط … أعتقد أن فكرة إدارة الاقتصاد السعودي مع حلول سنة 2020 دون الاستعانة بعائدات النفط، ليست سوى ضربا من الخيال”.

في حال أقررنا بأن رؤية سنة 2030 تعمل على تحديث البلاد، فهل تهدف أيضا إلى تعديل النظام؟ في الحقيقة، يبدو أن النظام السياسي خارج هذه الرؤية

في سياق مغاير، ترسخ رؤية سنة 2030 تدابير غير مسبوقة لتعزيز الميزانية، على غرار فرض ما يسمى “بضريبة الخطايا” على مستهلكي الدخان والصودا، خاصة وأن الشباب السعودي ليس بمنأى عن آفة داء السكري والتدخين. وفي هذا الصدد، أكدت مضاوي الرشيد أن “هذه التدابير تزامنت مع تراجع العاهل سلمان خلال شهر نيسان/ أبريل الفارط عن قراره القاضي بفرض تخفيضات هامة في الميزانية، على غرار إلغاء “البدلات”، وهي عبارة عن امتيازات تشكل ما بين 20 إلى 40 بالمائة من  مداخيل العمال”. وأضافت الأستاذة الرشيد أن السعوديين لا يريدون دفع فواتير الكهرباء، مع العلمأن 70 بالمائة من الشعب السعودي يقطنون في منازل مؤجرة في بلد يعرف بالثراء الفاحش”.

“في سبيل التنمية، السعودية تمارس القمع السياسي”

بغض النظر عن التقدم الذي تدعو إليه رؤية سنة 2030، إلا أن هذا المخطط يعد أيضا بمثابة ذريعة”يلتمسها النظام لتبرير ممارساته القمعية في حق معارضيه. فمنذ ثلاثة أسابيع، هاجمت بعض القوات السعودية معارضين للنظام في محافظة القطيف، وتحديدا في بلدة “العوامية” التي ترزح تحتالحصار منذ ثلاثة أشهر. وقد خلف هذا الهجوم سبعة قتلى بينهم خمسة مواطنين شيعيين فضلا عنضابطين سعوديين.

وفي هذا الإطار، أفادت مضاوي الرشيد صاحبة كتاب “تاريخ المملكة العربية السعودية” وأستاذة علم الأنثروبولوجيا الديني، في قسم اللاهوت والدراسات الدينية في كلية كينجز بجامعة لندن، أنه “منذ سنة 2011، لم نستطع أن نفهم بالضبط ما الذي يحدث في محافظة القطيف، خاصة وأن الصحفيين المستقلين والأجانب منعوا من دخول هذه المحافظة… وقد تم تداول شهادتين متضاربتين فيما يتعلقبحيثيات ما وقع في القطيف. وتتمثل الأولى في أن الحكومة تطارد إرهابيين مسلحين، أما الثانية،فتحيل إلى استنكار المعارضة الشيعية على خلفية الأسلوب القمعي الذي انتهجته السلطات لتنفيذ ذلك”.

فضلا عن ذلك، كتبت مضاوي الرشيد على حسابها في موقع تويتر أن “السعودية علقت على أحداث القطيف من خلال تصريح رسمي، قائلة إن عمليات قصف المناطق الشيعية تندرج ضمن خطة لتحويل هذه المناطق إلى وجهات سياحية”. وأضافت الأستاذة الرشيد أن المملكة تعمل بصفة رسمية على معالجة “المشاكل السياسية” قبل الخوض في برنامجها التنموي المتمثل في “رؤية سنة 2030”. ومنهذا المنطلق، وكخطوة أولى في إطار هذا البرنامج، قام النظام السعودي بتطهير “حي مسلح”. فضلاعن ذلك، يريد النظام السعودي أن يثبت لحلفائه أنه هنالك دائما ما يسمى “بالطابور الخامس”. بعبارةأوضح، يعمل النظام على أن لا يسمح لأحد بالتطاول عليه أو المساس به”.

أي مستقبل لحقوق المرأة ؟

وفقا لخبير من الأمم المتحدة، يمكن لرؤية سنة 2030 أن تلعب دور المحفز لتجسيد حقوق المرأة في السعودية على أرض الواقع”. من جهتها، ذكرت الصحفية كلارنس رودريغيز أنه “بفضل، أو نتيجة للأزمة الاقتصادية يمكن للمرأة السعودية أن تتحرر… وأول حق يمكن أن تتمتع به هو التخلص من وصاية الرجل، ومن ثم الحق في قيادة السيارة”.

في سياق مغاير، ترسخ رؤية سنة 2030 تدابير غير مسبوقة لتعزيز الميزانية، على غرار فرض ما يسمى “بضريبة الخطايا” على مستهلكي الدخان والصودا، خاصة وأن الشباب السعودي ليس بمنأى عن آفة داء السكري والتدخين

وأضافت رودريغيز، قائلة: “أذكر عندما قدمت للمملكة سنة 2005، لم يكن وقتها للمرأة الحق في العمل كما هو الوضع الآن، حيث كان دورها المهني ينحصر فقط في قطاع التعليم أو في قطاع الصحة… أما في الوقت الراهن، تشغل النساء العديد من المناصب الأخرى، على غرار المحاماة، وإدارة التسويق، كما أن بعضهن سيدات أعمال”.

 هل يمكن اعتبار هذه الرؤية بمثابة انفتاح سياسي أيضا؟

في حال أقررنا بأن رؤية سنة 2030 تعمل على تحديث البلاد، فهل تهدف أيضا إلى تعديل النظام؟ في الحقيقة، يبدو أن النظام السياسي خارج هذه الرؤية. وللتوضيح أكثر، أفاد الباحث، باسكال مينوري، صاحب كتاب “اللغز السعودي: السعوديون والعالم، 1744-2003″، أن “الممارسات القمعية قد تضاعفت في المملكة منذ الثورة الإيرانية سنة 1979، حيث قام النظام باضطهاد الأقليات المعارضة، معتمدا ذلك كوسيلة لإثبات استبداده  والحافظ على مساره”.

من جانبها، قالت مضاوي الرشيد إن “المشكل الذي تعاني منه المملكة يتمثل في غياب مؤسسات لتمثيل النساء والرجال، وبما أنه لا يوجد برلمان منتخب، فبالتالي، لا وجود لممثلين عن الشعب. علاوة على ذلك، تم حظر تأسيس نقابات وأحزاب سياسية في السعودية منذ سنة 1932”. وأردفت الأستاذة الرشيد “ليس هناك أية علاقة بين رؤية سنة 2030 وبين تحقيق الديمقراطية في السعودية، فهذه الرؤية لا تعد سوى مخطط اقتصادي يستثني المشاكل السياسية في البلاد”.

المصدر: جورنال دو ديمانش