في القرن الواحد والعشرين، لم يعد من الممكن أن يقول أحد إننا نعيش في عالم الرجال، لأن المرأة استطاعت أن تكون شريكة للرجل في المنزل وداخل بيئة العمل أيضًا مع غياب كامل للهوية الجنسية التي كانت مسبقًا تقيد المرأة في نطاقات معينة، لكن بدأت الفجوة الرقمية بين النساء والرجال بالظهور في وادي السيليكون منذ عام 2014، عندما نشرت جوجل أرقامًا عن التنوع الجندري لموظفيها مقارنة مع الشركات الأخرى وكانت هذه الخطوة جاذبة للكثير من الأعين على هذه المسألة، وبعد أن نشر مهندس برمجيات في شركة جوجل مقالاً استفز الجمهور القارئ وأثار العديد من التساؤلات عن هذا الموضوع.
كتب مهندس البرمجيات الذي لم تحدد هويته في المقال المنشور أن الوسط التكنولوجي “ليس المكان المناسب” للمرأة، وقال إنه من الأفضل أن تبحث شركات التكنولوجيا عن التنوع الأيديولوجي بدلًا من التنوع الاجتماعي خاصةً أن “الفروقات الجينية” أو “العوامل الوراثية” لا تساعد المرأة على أن تكون جزءًا من هذه المنظومة، إذ كتب ضمن مقاله “تختلف إمكانيات وقدرات المرأة عن الرجل وسبب هذه الاختلافات العوامل البيولوجية التي تفسر لنا لماذا لا نرى نساء قياديات في مناصب قيادية أو تكنولوجية”.
تفاعل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مع هذا المنشور بكثير من الغضب والاستياء، إذ اعتبره بعض النقاد دليلاً واضحًا على التمييز الجنسي ضد النساء في وادي السيليكون، ففي دراسة نُشرت على موقع “ذا اليفينت إن ذا فالي” استطلاع رأي لأكثر من 200 امرأة عملن في وادي السيليكون، وقالت الكثيرات منهن إنهن يشعرن باستبعادهن من مناصبهن في مجال التكنولوجيا بسبب جنسهن، وقد كانت نسبتهم 66%.
كما تقول مسؤولة التوظيف في ليف كابريسر هيمان والمحامية، كيلي ديرمودي، إنها تتلقى مكالمات أسبوعية من نساء تعرضن للتمييز والتهميش في مجال التكنولوجيا ويرغبن بمقاضاة الشركة الموظِفة، وتذكر ديرمودي أنها تعمل الآن على قضية لثلاث نساء تعرضن للعنصرية الجنسية من قبل شركة مايكروسوفت التي لم تدفع لهن أجور متساوية مقارنة مع زملائهن من الرجال، إضافة إلى عدم حصولهن على أي ترقيات أو كفاءات، في المقابل ترفض شركة التكنولوجيا العملاقة هذا الادعاء.
تحاول النساء تغيير مجرى الأمور داخل شركات التكنولوجيا، لكنهن غالبًا ما يستسلمن ويقررن أن يصنعوا التغيير خارج هذا المجال
على الرغم من ارتفاع نسبة المرأة المستخدمة للتكنولوجيا وأدواتها وتطبيقاتها، فإن عدد النساء يتدنى من الناحية العملية في الوسط التكنولوجي، ويعلق النقاد على هذا الخصوص بأن شركات التكنولوجيا العملاقة لم تبن قوة عاملة على أساس المواهب الموجودة وأنها تحتفظ بالمناصب الإدارية والقيادية للرجال.
ويعلق المحامي فاندرميدن لوليس على هذا الموضوع قائلًا: “تحاول النساء تغيير مجرى الأمور داخل شركات التكنولوجيا، لكنهن غالبًا ما يستسلمن ويقررن أن يصنعوا التغيير خارج هذا المجال”، ويضيف “على الشركات الاعتراف بوجود مشكلة داخل مكاتبها لتواجهها وتعمل على إيجاد حل لها، وإلا سوف تستمر النساء في الخروج من أبواب شركات التكنولوجيا”، كما أنه اعتبر قضية عدم المساواة بين الجنسين مسألة تعبر عن أخلاقيات العمل في هذه الشركات التكنولوجية العملاقة.
مؤشر آخر على قلة عدد النساء في مجال التكنولوجيا، في مقال نشره موقع “يو إس إيه توداي” يقول إن 7 من كل 10 موظفين في شركات التكنولوجيا الكبرى مثل جوجل وفيسبوك من الرجال، وتشكل النساء نسبة 20% أو أقل من الموظفين، كما أن وجود المرأة في المراكز المهنية الإدارية أو التنفيذية قليل جدًا، إضافة إلى قلة التمويل التي تمنح للنساء للاستثمار في مجال التكنولوجيا.
بجانب هذه الحقائق والأرقام، تحذر هذه الدراسة من الفجوة بين الجنسين في هذا المجال، لأن هذا انعكاسًا للقالب النمطي الذي يحصر المرأة في بيئات عمل معينة ويشعرهن بأنه غير مرحب بهن في هذا المجال بالأخص.
بعدما تلقى هذا المنشور عددًا كبيرًا من التعليقات الناقدة لوجهة نظر مهندس البرمجيات في جوجل، والتي قالت إن هذا الرأي يعبر عن الخلفية الثقافية للشركة نفسها، ردت جوجل بدورها على ردود الفعل المنزعجة نافية الرواية المتداولة على مواقع الإنترنت وأكدت أن الشركة تتبع سياسة التنوع الجندري وأن الأساس في اختيار الموظفين وترقيتهم هو موهبتهم وكفاءتهم ولا مبدأ غير ذلك، كما قالت الشركة إنها قد لا توافق الشركة على آراء موظفيها لكنها لا تملك الحق في تقييد حرياتهم في التعبير عن أفكارهم.
إذ قال نائب الرئيس الجديد في جوجل “جزء من بيئة جوجل العامة وسياستها هو تعزيز ثقافة تبادل وجهات النظر بما فيها وجهات النظر المخالفة لسياسة الشركة نفسها”، بجانب نائب رئيس مجلس الإدارة دانيال براون الذي علق على مقال المهندي وقال: “هذه الافتراضات المنشورة عن التحيز الجنسي غير صحيحة”.
جوجل ليست المساحة المناسبة للموظفين لأن يعبروا عن آرائهم ومشاعرهم، فهي ليست البيئة المناسبة لمشاركة وجهات النظر
ويذكر أن جوجل تمول الكثير من المبادرات التي تهدف لتمكين المرأة من العمل في هذا المجال، وكانت تقوم بإجراء ندوات تعريفية وتشجيعية لدراسة التكنولوجيا حتى تحقق التنوع الجنسي الذي هو جزء من سياسة الشركة على حد وصفها.
وبهذا الخصوص، نشرت الكاتبة إليسا شيفينكسي، مدونة تقول فيها إن قانون الحقوق المدنية يحظر التمييز في العمل على أساس العرق واللون والدين والجنس والأصل القومي، وذكرت أن التوظيف يكون على أساس المؤهلات التقنية والمهنية للأشخاص، وردًا على المنشور قالت شيفينسكي “جوجل ليست المساحة المناسبة للموظفين لأن يعبروا عن آرائهم ومشاعرهم، فهي ليست البيئة المناسبة لمشاركة وجهات النظر”، وأشارت إلى أن المهندس الذي نشر الموضوع يفتقر إلى بعد النظر فيبدو أنه لا يفهم عواقب ما كتبه سواء لنفسه أو للآخرين.