ترجمة وتحرير نون بوست
لا يحتاج بيل غيتس إلى ضبط نظاراته الطبية لتكون له رؤية واضحة واستشرافية…فهذا الرجل يسجل اسمه كسيد للعالم في مجال المعلوماتية.
28 آب/ أغسطس من سنة 1997
عانت شركة “أبل” الواقعة في منطقة “وادي السيليكون” من عدة صعوبات تواصلت لعقد من الزمن، قبل أن تتحالف مع غريمها التقليدي عملاق المعلوماتية العالمي، شركة مايكروسوفت. وقد سبق هذا التحالف تشويق مليء بالأحداث، وهو ما يحبذه الأمريكيون.
المعجبون بشركة “أبل” ضد الاتفاق
خلال شهر آب/ أغسطس من سنة 1997، أعلن بيل غيتس، رئيس شركة مايكروسوفت، عن شرائه لأسهم تابعة لشركة أبل بقيمة 150 مليون دولار. ولكن، هل يعكس الهدف من هذه الصفقة ما تصوره مؤسس شركة أبل ستيف جوبز منذ 12 سنة مضت؟ ويتمثل هذا الاتفاق في تمكين مايكروسوفت من نظام ولوج للإنترنت، فيما يلتزم بيل غيتس بتزويد مستعملي الحواسيب المصنعة في شركة أبل ببرمجيات مكتبية صادرة بتاريخ 98. وللإشارة، لم يرحب محبو أبل بهذا الاتفاق، حيث اعتبره بعضهم بمثابة التهكم على الشركة.
يتجاوز التحالف بين أبل ومايكروسوفت مفهوم الاتفاق العادي، بل هو عبارة عن مرحلة جديدة تكتب في صفحات التاريخ المشترك لمؤسسيها
استثمر بيل غيتس مبلغا “متواضعا” قدره 150 مليون دولار في شركة أبل، بعد أن قدمت هذه الأخيرة عدة تنازلات تفسح المجال أمام غيتس نحو دعم هيمنته على إنتاج الأنظمة المعلوماتية في العالم. في المقابل، وافقت شركة أبل على تعزيز حواسيبها بأنظمة إنترنت من شركة مايكروسوفت دون التعامل مع شركة “نتسكايب”. وبالتالي، مكن هذا الاتفاق شركة أبل من تعزيز حواسيبها ببرمجية اللغة “مايكروسوفت جافا”.
أسطورتان حيتان
يتجاوز التحالف بين أبل ومايكروسوفت مفهوم الاتفاق العادي، بل هو عبارة عن مرحلة جديدة تكتب في صفحات التاريخ المشترك لمؤسسيها، ليصبحا بذلك أسطورتين حيتين. فالأسطورة الأولي تتمثل في شخص ستيف جوبز، حيث تتجاوز طموحات هذا المخترع على تغيير العالم قدرته على ترجمتها إلى واقع. أما الأسطورة الثانية، فهو بيل غيتس، حيث يمتاز هذا الرجل بنظرة ممنهجة وبذكاء استثنائي عزز من جهوده نحو تطوير الزمن المعاصر.
وتجدر الإشارة إلى أن الغريمين قد ولدا في نفس السنة تحديدا سنة 1955. ويعد ستيف جوبز أحد الذين واكبوا عملية التطور التي طرأت على العالم. وخلال سنة 1972، هب بين أسوار جامعة “بالو ألتو” بولاية كاليفورنيا عطر ثورة في المعلوماتية انطلقت منذ الستينات.
وفي ذلك الوقت، كان ستيف جوبز يبلغ من العمر 20 سنة، كما كانت تربطه علاقة عابرة بالمغنية جوان بيز، وقد أهدت له مغنية أخرى تدعى “إلا فيتزجيرالد” أغنية بمناسبة عيد ميلاده الثلاثين. وإذا طرحنا على ستيف جوبز سؤالا عن علاقة منطقة وادي السيليكون بالتاريخ البشري، يرد علينا في إجابة يجمع فيها بين اختراع “المعالج الدقيق”، والمناشير السياسية وعلم البيئة التي ظهرت خلال السبعينيات.
وعلى العكس تماما، قضى بيل غيتس اللمحات المضيئة من طفولته برفقة الحواسيب. وقد أثر ذلك على والدته التي لم تخف قلقها من انعزال طفلها لوقت طويل وهو “يفكر”، لذلك قررت اصطحاب وليام غيتس (الاسم الثاني لبيل غيتس) إلى طبيب نفساني لكي يحاول تعليم الطفل كيف يحب العالم الذي يعيش فيه. علاوة على ذلك، كان زملاء ستيف جوبز يلقبونه “بالوحش الفاسد” نظرا لأنه كان يمتاز بالغطرسة والتعصب.
رباطة الجأش في مقابل الدقة في التحليل
هناك جانب مثير للانتباه في شخصية ستيف جوبز، فهو يتميز برباطة جأش ومشاعر هادئة جعلت منه مختلفا تماما عن منافسه بيل غيتس. فبيل غيتس يمتاز بالدقة في التحليل، ومع ذلك فإن هذه الدقة لا تخفي تعطش غيتس لخوض غمار المنافسات، كما أنها لا تخفي أيضا غرائزه المفترسة. وفي الوقت الذي وصل فيه بيل غيتس إلى اتفاق مع العملاق الأمريكي “آي بي إم” ليجعل من الحاسوب المحمول أداة صناعية بأتم معنى الكلمة، أصبح ستيف جوبز وحاسوبه “ماكنتوش” بمثابة وعاء كبير من الهواء النقي وملاذ للمعتزلين.
الاتفاق بين الشركيتين لا يضمن بصفة مؤكدة عودة الأرباح من جديد لشركة أبل. لكنه يمكن أن يساهم في مشاركة أبل في اتخاذ القرارات الإستراتيجية
وفي سياق آخر، علقت شركة مايكروسوفت آمالها المستقبلية على تطوير نظام ويندوز، ومنذ ذلك الحين، توترت العلاقات بين أبل ومايكروسوفت مما أدى أيضا إلى تباين الفوارق بين كل من ستيف جوبز وبيل غيتس. والجدير بالذكر أن ستيف جوبز أصبح مليونيرا ولم يكن عمره آنذاك يتجاوز 25 سنة، حيث كانت اختراعاته في المعلوماتية بمثابة ثورة صناعية ثانية سنة 1985. ومع بلوغه سن 30 أصبح سيد عصره.
وفي شأن ذي صلة، عاش مجلس إدارة شركة ستيف جوبز على وقع انقلاب داخلي تسبب في طرد المؤسس المشارك لشركة أبل. وقد ترك هذا الشريك مكتبه بحزن شديد لكنه تلقى تعويضا بنحو 150 مليون دولار. وقد مر ستيف جوبز بمرحلة صعبة من حياته تزامنت مع إطلاق شركة الحواسيب ” نكست”.
بعد ذلك، رحل جوبز عن منطقة وادي السيليكون نحو هوليوود أين أسس استوديوهات “بيكسار”. وخلال سنة 1997، اقتربت شركة أبل من الركود، ولكي تنقذ نفسها، عملت الشركة بسرعة على إعادة اختراع تطبيقات جديدة. وفي ذلك الوقت لم تجد الشركة سوى ستيف جوبز ليساعدها.
الأمر سهل كأنك تُجري مكالمة هاتفية
مع بداية صيف سنة 1997، أعادت شركة أبل الاتصال بستيف جوبز لينقذها. وبدوره استنجد جوبز بصديقه ومنافسه القديم بيل غيتس. وبالفعل، اتصل به على أمل أن يقنعه بضرورة أن تتعاون كل من شركتي أبل ومايكروسوفت مع بعضهما البعض. لكن كان هناك عائق وجب حله أولا، والمتمثل في الأحكام الصادرة في خصوص قضية الملكية الفكرية. ومباشرة، أجاب جوبز منافسه “سنحل ذلك سويا”. وفعلا، حل الطرفان عن طريق بعض المكالمات الهاتفية خلافات ظلت عشر سنوات على طاولة القضاء بين أبل ومايكروسوفت.
وحسب موقع “زي دي نيت” الأمريكي، فإن “الاتفاق بين الشركيتين لا يضمن بصفة مؤكدة عودة الأرباح من جديد لشركة أبل. لكنه يمكن أن يساهم في مشاركة أبل في اتخاذ القرارات الإستراتيجية، التي تصدرها إدارة الشركة المصنعة. وقد نجحت الشركتان في تنويع منتجاتهما في مجال الأنظمة المعلوماتية سنة 2000 على غرار، “آي ماك” و”ماك أو إس إكس”.
المصدر: باري ماتش