بعد اتفاق الأطراف الدولية على تثبيت هدنة شاملة في العديد من المناطق السورية المحررة، وذلك بعد اجتماعات أستانة 4 مطلع شهر أيار/مايو 2017، والتي أفضت إلى التوقيع على مذكرة تفاهم تقضي بإنشاء مناطق لخفض التصعيد في رقعة واسعة جنوب سوريا وشمالها، بعد كل ذلك توقفت العمليات العسكرية بين المعارضة وقوات النظام بشكل شبه تام، مما أفسح المجال لتصاعد الحراك السياسي المدني، وبروز حركات وهيئات سياسية جديدة تعمل على تحريك الشارع السوري وفق رؤيتها السياسية الخاصة.
ففي مدينة إدلب، المدينة الوحيدة التي تقع تحت سيطرة المعارضة بشكل كامل، أطلت علينا ما تسمى الهيئة السياسية في إدلب والتي تشكلت أواخر عام 2016، من مجموعة من الناشطين السياسيين والثوريين والتي تهدف لأن تكون واجهة سياسية تمثل الثورة في إدلب والصوت المعبر عنها في الداخل السوري.
وقد برزت نشاطات الهيئة السياسية بعد اتفاق تخفيض التصعيد والذي شمل محافظة إدلب، وذلك من خلال إصدار عدد من البيانات السياسية المتعلقة بالشأن السوري، كما شاركت في بعض الفعاليات الثورية والمظاهرات السلمية التي خرجت ضد نظام الأسد في المحافظة.
هدوء الجبهات أدى إلى تزايد النشاط السياسي الحركي في المناطق السورية المحررة
وفي 28 من تموز/يوليو 2017، أعلن مجموعة من الناشطين والمثقفين في محافظة حلب تشكيل “الهيئة السياسية لقوى الثورة في حلب” وذلك في نسخة مشابهة للهيئة السياسية في إدلب، وحسب بيان التشكيل فإن الهيئة التزمت بمبادئ الثورة وأكدت على هدف إسقاط النظام ودعت لتمكين أهل الاختصاص والخبرة من السوريين في عملية بناء سوريا الجديدة.
والمدقق في هذه الهيئات يراها عبارة عن مكاتب سياسية أو تجمع لبعض الشخصيات المعدودة ولم ترق لمستوى التكتل أو الحزب السياسي، ولم تطرح نفسها كأحزاب سياسية تحاول أن تستقطب أعضاءً ونشطاءً جددًا، كما لم تطرح رؤية سياسية واضحة ومفصلة، مما جعلها ضعيفة التأثير على الشارع والرأي العام الثوري في سوريا.
ومؤخرًا تم في 5 من آب/أغسطس 2017، إعلان كتلة سياسية جديدة في مدينة كفرناها في ريف حلب الغربي، تحت اسم “كتلة سوريا الحرة” والتي اتخذت لها شعار “حرية – عدالة – بناء” وهي حركة سياسية جديدة هدفها إسقاط النظام وتوحيد قوى الثورة السورية وتصحيح مسار الثورة مع تأكيدها الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية والممتلكات العامة والعمل على بناء سوريا الحديثة بمشاركة جميع السوريين.
ووضعت الكتلة شروطًا لضم الأعضاء الجدد لكيانها، أهمها أن يكون الشخص سوريًا ويعمل في الثورة لمدة 5 سنوات وألا يكون منتميًا لحزب أو تكتل ثاني.
ولعل كتلة سوريا الحرة محاولة من بعض الناشطين للعمل على تصحيح مسار الثورة السورية، والتي عانت من عقبات ومطبات كثيرة وتدخلات خارجية أدت لتفاقم الأوضاع وزيادة معاناة الناس دون أن يحقق الثوار أهدافهم التي خرجوا من أجلها.
تشكيل الهيئة السياسية لقوى الثورة بحلب كواجهة سياسية في محافظة حلب
أما فيما يخص الحركات الإسلامية، فإن الحركة الأبرز والأكثر انتشارًا في العالم والتي لها جذور قديمة في سوريا، ألا وهي حركة الإخوان المسلمين، كانت من الحركات الغائبة عن الساحة السياسية منذ انطلاقة الثورة السورية وحتى بعد هدوء الأوضاع العسكرية، لم يظهر الإخوان ولم ينطلقوا بأي تشكيل أو حزب سياسي يمثلهم في الداخل السوري.
ولعل السبب الأهم في غياب الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي ضمن المناطق السورية المحررة، أن أهم كوادرهم تم تهجيرها منذ زمن بعيد من قبل نظام الأسد وتعيش في دول المهجر الغربية منها أو العربية، مما جعل الأمر من الصعوبة بمكان أن يؤسس الإخوان تشكيلًا سياسيًا يكون فاعلًا على الأرض ومؤثرًا في الرأي العام.
لذلك عمل الإخوان على الانخراط في تشكيل الائتلاف السوري المعارض وكانوا أحد أبرز المؤسسين له، في محاولة منهم للعمل من الخارج وتهيئة قاعدة لهم من خلال دعم عدد كبير من الفصائل المسلحة على الأرض، ليتمكنوا في نهاية المطاف من دخول سوريا كجزء من الحكومة السورية الجديدة، عندها قد يعملون على تشكيل حزب سياسي لهم، على غرار ما فعله إخوان مصر بعد سقوط حكم مبارك والانفتاح السياسي.
أما الجماعة الإسلامية الثانية والتي لها جذور أيضًا في سوريا، هي حزب التحرير الإسلامي والذي بدأ نشاطه في سوريا أواسط الستينيات من القرن الماضي في العاصمة السورية دمشق، وانتشر بعدها إلى المحافظات السورية كافة حتى وصل إلى الشمال، وكان له نشاط بارز في مدينة حلب وريفها.
وقد ظهر نشاط حزب التحرير في المناطق المحررة بعد دخول المعارضة مدينة حلب نهاية عام 2012، حيث برز نشاطه في الشمال السوري من خلال العديد من المظاهرات التي دعم فيها قوات المعارضة في حربها ضد النظام، مطالبًا بإقامة نظام حكم إسلامي بديلًا عن نظام الأسد العلماني برأيه.
حزب التحرير الإسلامي الأكثر تنظيمًا وقدرة على استقطاب الشباب السوري
وقد ازداد نشاط الحزب مع بداية عام 2017، حيث تفاجأت الأوساط الإعلامية بظهور عدة تسجيلات نشرت على اليوتيوب لمدن وبلدات في ريف حلب وإدلب، يعلن فيها عدد من الوجهاء والمثقفين تأييدهم للحزب بل اتخاذه قيادة سياسية لهم في خضم الثورة ضد نظام بشار الأسد.
ولعل حزب التحرير ذو التوجه الإسلامي، هو الأكثر تنظيمًا الآن مقارنة بالهيئات والأحزاب أو التكتلات الناشئة في المناطق المحررة، بل الأكثر قدرة على استقطاب الشباب السوري والذي أصبح شيئًا فشيئًا يتجه نحو العمل السياسي في ظل جمود جبهات القتال والتزام الفصائل كافة بهدن أقل ما يقال إنها مفروضة من الخارج خلافًا لتطلعات كثير ممن حملوا السلاح والذين رفضوا أن يلقوه وما زال مطلب إسقاط النظام في دمشق حاضرًا في أذهانهم.
ومع تطبيق اتفاق تخفيض التصعيد اتخذ الحزب موقفًا رافضًا لهذا الاتفاق، داعيًا لمواصلة القتال ضد النظام وتوحيد الفصائل المقاتلة تحت قيادته السياسية رافضًا التدخلات السياسية الخارجية، والتي يرى أن هدفها إنهاء الحالة الثورية والدفع باتجاه مصالحات مع النظام.
هذا وقد تشهد الساحة السورية في القريب العاجل مزيدًا من التشكيلات السياسية، والتي بوجودها ستبرز أجواءٌ جديدةٌ من الصراع الفكري أو الأيديولوجي بين تلك التكتلات التي ستحاول استقطاب المثقفين والمفكرين في سعيها لكسب الرأي العام وتطبيق رؤيتها في شكل نظام الحكم وبناء الدولة السورية الجديدة.