تتواصل للشهر الثاني على التوالي معاناة أهالي مدينة درنة الليبية جراء الحصار المفروض عليها من قبل “قوات الكرامة” التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر الذي لا يعترف بشرعية حكومة الوفاق الوطني، خاصة عقب إغلاقها جميع الطرق المؤدية للمدينة، وهو ما دفع بالأهالي إلى طلب النجدة والمساعدة من المجتمع الدولي وحكومة بلادهم.
كارثة إنسانية
في الوقت الذي تسعى فيه العديد من الأطراف الليبية والدولية لوضع حد للأزمة التي تضرب هذا البلد العربي منذ سنوات عدة، تعمل القوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر على تشديد الحصار على أهالي درنة الذين أخرجوا في وقت سابق تنظيم داعش من مدينتهم دون مساعدة أي أحد لهم.
وعلى إثر إسقاط إحدى طائراته المقاتلة في نهاية يوليو الماضي، مما أدى إلى مقتل الطيار على يد مسلحي مجلس شورى مجاهدي درنة، شدد حفتر وقواته الحصار على المدينة وأغلقوا المنافذ الشرقية والغربية والجنوبية كافة حول المدينة بسواتر ترابية حتى إشعار جديد، فلا إمكانية للدخول والخروج من هناك إلا النازحين فيسمح لهم بالمغادرة في بعض الأحيان.
المستشفيات في المدينة من جهتها تواجه نقصًا حادًا في الأكسجين والدواء، مما يعرض المرضى للخطر
وأغلقت محطات التزود بالوقود منذ 8 أشهر، مما أدى إلى غلق معظم المخابز أبوابها بسبب نقص الوقود، كما تمنع قوات حفتر وصول المواد الغذائية وأسطوانات غاز الطهي ووقود السيارات والمواد النفطية اللازمة لتشغيل المحطة البخارية الوحيدة في المدينة.
المستشفيات في المدينة من جهتها تواجه نقصًا حادًا في الأكسجين والدواء، مما يعرض المرضى للخطر، حيث أعلن في وقت سابق مستشفى الهريش الصحي بالمدينة نفاد الأكسجين بأقسام العمليات وحضانات الاطفال وذلك بسبب غلق المنافذ الشرقية والغربية للمدينة.
قطع إمدادات النفط عن المدينة
وأدى عدم توفر الوقود إلى توقف سيارات الإسعاف وتعذر وصول العاملين بالقطاع الصحي إلى أعمالهم للقيام بواجباتهم تجاه المواطن، إلى جانب صعوبة تنقل المرضى لأي مرافق صحية لتلقي العلاج، وعدم توفر الوقود لمولدات الكهرباء، مما جعل مدير الخدمات الصحية في مدينة درنة، شعيب أبوفجرة، يحذر من وقوع كارثة إنسانية بسبب نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية.
إلى جانب هذا الحصار المفروض عليها ما فتئت قوات حفتر تشن غارات جوية بين الحين والآخر بالمشاركة مع السلاح الجوي المصري على المدينة التي تقع شرق البلاد وسقوط ضحايا (قتلى وجرحى) وتسجيل خسائر مادية كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة هناك.
قلق أممي
أمام تواصل الحصار المفروض على المدينة من قبل قوات حفتر، أعربت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في ليبيا ماريا ريبيرو، عن قلقها إزاء التقارير التي تفيد بوجود نقص حاد في الضروريات الأساسية بما فيها الإمدادات الطبية المنقذة للحياة، منبهة إلى أن ذلك يؤثر سلبًا على الوضع الصحي للناس وعلى رفاههم، وسينجم عنه ظروف إنسانية خطيرة إذا ما طال أمده.
وحثت ماريا ريبيرو جميع الأطراف على السماح بإيصال الإمدادات الإنسانية إلى مدينة درنة، معربة عن قلقها بشأن وصول المساعدات الإنسانية للمدينة بشكل آمن بغية ضمان الحصول على الخدمات الأساسية وخاصة في مجال الصحة، وطالبتهم باحترام القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان لضمان حماية المدنيين، بحسب بيان وزعته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أول أمس الأحد.
جرائم حرب
من جهته اعتبر المجلس المحلي لمدينة درنة أن ما يحدث للمدينة يرتقي إلى جرائم الحرب والإبادة، وأعلن المجلس في بيان له صدر السبت الماضي رفضه لإغلاق جميع منافذ درنة قائلًا: “الجيش يضرب حصارًا خانقًا عليها ويمنع إدخال جميع سبل العيش والاحتياجات الإنسانية إليها”.
وأضاف المجلس المحلي أن هذا الحصار يهدد بوقوع كارثة إنسانية وبيئية في المدينة التي حاربت تنظيم الدولة واستطاعت الانتصار عليه وفق البيان، وذكر البيان “في الوقت الذي باركنا فيه جهود المجلس الأعلى للمصالحة في تهيئة الأجواء لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، تفاجأنا بالأحداث التي تمثلت في الاعتداء على رجال المجلس بالإضافة إلى تكثيف الغارات الجوية على المدينة في الآونة الأخيرة، وكأن الأمر يهدف إلى إفشال جهود المجلس الأعلى للمصالحة”.
حذرت حكومة الوفاق من تأثير الحصار على تماسك العلاقات الاجتماعية بين سكان درنة وسكان المناطق المجاورة في الشرق الليبي
وحمّل المجلس المحلي لدرنة المسؤولية كاملة للمجلس الرئاسي وحكومته ولمجلس النواب والحكومة المؤقتة في طبرق، معتبرًا السكوت من قبل هذه الجهات مشاركة في العقاب الجماعي المفروض على درنة، وناشد المجلس جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومندوب الأمين العام للأمم المتحدة لدي ليبيا غسان سلامة بالتدخل الفوري لرفع الظلم الواقع على مدينة درنة شرق ليبيا.
إلى جانب ذلك طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان قوات حفتر فك الحصار عن مدينة درنة وضمان وصول الاحتياجات الإنسانية والطبية لسكان المدينة، ورفضت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في بيان صحفي سياسية التجويع وحرمان السكان في مدينة درنة على مدار ما يقارب من نصف عام، من الغذاء والمواد الطبية والاحتياجات الأساسية وعدم تزويدهم بالحاجات الضرورية.
وشددت اللجنة بأن مبدأ حماية المدنيين وعدم اعتبارهم محلًا لأي هجوم خلال العمليات العسكرية يعد أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، وهذا يتضمن حظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية والطبية.
حكومة الوفاق تحذر من تفاقم الوضع في درنة
في نفس السياق حذرت حكومة الوفاق من تأثير الحصار على تماسك العلاقات الاجتماعية بين سكان درنة وسكان المناطق المجاورة في الشرق الليبي، في إشارة إلى الحساسية القبلية في المنطقة، واستنكر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية ما آلت إليه الأوضاع في درنة نتيجة الحصار المفروض عليه، وما نتج عن ذلك من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على الحالة المعيشية لسكان المدينة وتردي الوضع الإنساني فيها.
وأكد المجلس في بيان صحفي، أمس الإثنين، ضرورة رفع المعاناة عن أهل درنة، وطالب جميع الأطراف المعنية بضرورة رفع الحصار عن المدينة، والتنسيق مع الأعيان والحكماء لوضع حد لهذه المعاناة والاحتكام للعقل والمصالحة وفصل احتياجات المواطنين وخدماتهم عن المواجهات والنزاع.
كما دعا المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأطراف السياسية والمنظمات الإنسانية في ليبيا إلى إبعاد شبح الخطر عن مدينة درنة وفتح باب الحوار والتفاهم بما يضمن الحقوق لكل الأطراف، مشيرًا إلى أنه يتابع بقلق شديد الأحداث الطارئة في مدينة درنة وينتابه شعور بألم المعاناة التي يكابدها الأبرياء والشرفاء والقصر في هذه المدينة التي تعتبر ركنًا من أركان الوطن الكريم (…) ويؤلم المجلس الأعلى عدم قدرة الجهود المبذولة لقرابة عام في الوصول إلى حوار شفاف يجنب المدينة غوائل التطورات.