ليس هناك شك أن المسلسلات البريطانية مختلفة للغاية عن المسلسلات الأمريكية، فالمسلسلات البريطانية تمتاز بقصر حلقاتها، فهم يهتمون أكثر بالقصة وتكثيف الأحداث وجودة الحلقات، على العكس من المسلسلات الأمريكية الطويلة التي يهتم كتابها بإنتاج أكبر عدد من الحلقات في وقت قصير، مع الاهتمام بمظهر الشخصيات لا القصة نفسها، مما ينتج العديد من المسلسلات القبيحة ذات القصص المستهلكة.
كذلك القضايا التي يتعامل معها التليفزيون البريطاني مختلفة عن التليفزيون الأمريكي، لهذا سنجد الكثير من المسلسلات الناجحة في بريطانيا مجرد محاولة “أمركتها” يعتبر ضربًا من الجنون.
رُغم وجود عدد من المسلسلات الأمريكية – المأخوذة عن أخرى بريطانية – ناجحة مثل The Office، هناك الكثير من الأعمال البريطانية الكوميدية العظيمة التي فشل حس الدعابة الأمريكي المتفائل في نقل كوميديتها السوداء بشكل ناجح.
سنحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على 6 محاولات غير ناجحة لإعادة إنتاج بعض المسلسلات التي لاقت نجاحًا كبيرًا خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وتلقفها عدد من المنتجين الأمريكيين لإعادة إنتاجها بنكهة أمريكية، ولكن البرق لا يضرب المكان نفسه مرتين، فإليكم القائمة التي تثبت ذلك:
Men behaving badly (رجال يتصرفون بشكل سيئ)
من أنجح المسلسلات البريطانية الكوميدية القصيرة، كتبه سيمون ني، ومن بطولة مارتن كلونيس ونيل موريسي.
تدور أحداث هذه السلسلة من الكوميديا عن رجلين يتشاركان المنزل نفسه وهما توني وغاري، يقضيان أوقاتهما في شرب البيرة في حانة محلية أو في المنزل فوق أريكة مريحة ويتبادلان الأحاديث عن الكثير من الأشياء الطريفة.
حاولت استوديوهات NBC سنة 1996 إعادة إنتاج المسلسل البريطاني الناجح Men behaving badly، الذي استمر لست مواسم بواقع 42 حلقة، من 18 من فبراير عام 1992 إلى 28 من ديسمبر عام 1998.
لم تستمر النسخة الأمريكية أكثر من موسم واحد وست حلقات من الموسم الثاني قبل أن يُلغى المسلسل لضعف نسب المشاهدة، فلم تستطع النسخة الأمريكية الاحتفاظ بالكوميديا البريطانية الحادة، فتحول المسلسل لمجرد مسلسل أمريكي آخر عن رجلين كسولين يحاولان النجاح في حياة المواعدة.
Gracepoint (جريسبوينت)
لنكن عادلين فإن شركة Fox للإنتاج بذلت كل ما في وسعها ألا تغير أي شيء في تلك النسخة الأمريكية من المسلسل البريطاني الناجح (برودشارش) Broadchurch .
في إعادة إنتاج المسلسل الذي يحكي عن جريمة قتل لطفل تزلزل أركان مدينة صغيرة، ويتولى التحقيق محقق له ماضٍ غامض، انتقل حديثًا لتلك المدينة، نجد أن شركة Fox أعادت تصوير المسلسل ناسخة كل المشاهد من النسخة البريطانية دون أي تعديل، حتى دور المحقق استخدموا الممثل نفسه من النسخة البريطانية دافيد تاننت المشهور بأدائه لـ Doctor Who
كانت تلك أكبر مشكلة في تلك النسخة، فالنسخة البريطانية متوفرة للجمهور الأمريكي بالأحداث نفسها، وزوايا التصوير نفسها، وحتى بالممثل الرئيسي نفسه! الذي عانى في النسخة الأمريكية في محاولة لاصطناع اللهجة الأمريكية، مما دفع الجمهور للبقاء مع النسخة الأصلية التي كانت تعرض في الوقت نفسه، وما تزال تعرض حتى الآن في موسمها الثالث.
Life on Mars (الحياة على المريخ)
في عام 2006 استقبل الجمهور البريطاني دراما بوليسية غير معتادة، فهي تحكي عن محقق في عام 2006 تعرض لحادث سيارة ليصحو ويجد نفسه معلقًا في عام 1973.
وتدور أحداث المسلسل عن حله لجرائم مختلفة والاعتياد على أساليب التحقيق القديمة، وفي الوقت نفسه معرفة أسباب رجوعه بالزمن، ومحاولة العودة إلى زمنه.
حاول استوديو ABC إعادة إنتاج تلك الدراما المبتكرة في عام 2008، وبالفعل استطاعوا جذب الجمهور الأمريكي في الموسم الأول، ولكن الجمهور قرر سريعًا الانتقال للنسخة البريطانية الأصلية لاستكمال بقية الأحداث، قبل انتهاء الموسم الأول من النسخة الأمريكية، مما تسبب في هبوط نسبة المشاهدة بشكل كبير، ولم تُجدد النسخة الأمريكية لموسم ثانٍ.
The inbetweeners (شباب في المنتصف)
من روائع الكوميديا الشبابية البريطانية، من تأليف ديمون بيسلي وإيان موريس، وبطولة سيمون بيرد وجو توماس وجيمس باكلي وبليك هاريسون وبليندا ستيوارت ويلسون.
تدور أحداث المسلسل حول أربعة أصدقاء غريبي الأطوار في سن المراهقة، وما يتعرضون له من مشاكل.
من أهم أسباب فشل نسخة MTV الأمريكية من مسلسل The inbetweeners افتقاده لأي تواصل بين أفراد فريق العمل، بالإضافة إلى أن الرقابة الأمريكية على التلفاز منعتهم من تقديم المستوى نفسه من الكوميديا التي لا تعرف حدود على التلفاز البريطاني.
استمر عرض النسخة الأمريكية 12 حلقة فقط، بينما أصلها البريطاني استمر لثلاثة مواسم (2008 – 2010) بواقع 6 حلقات للموسم الواحد.
The IT Crowd (طاقم الدعم التقني)
محاولة أخرى لأمركة مسلسل بريطاني مع الاستعانة بأحد أبطال النسخة الأصلية.
The IT Crowd كان ولا يزال من أكثر الكوميديات البريطانية شعبية في العالم كله، رغم أنه لم يستمر لأكثر من أربعة مواسم (2006 – 2010).
تدور أحداث The IT Crowd في إطار من الكوميديا الساخرة، فقد عرض المسلسل على شبكة “تشانيل فور” لأول مرة في 3 من فبراير 2004، والمسلسل من تأليف جرهام لينهان، وبطولة النجم كريس أوداود وريتشارد أيودي وكاثرين باركنسون ومات بيري.
استمر عرض المسلسل لمدة أربعة مواسم بواقع 6 حلقات لكل موسم (2006 -2010)، ثم اختتم المسلسل بحلقة خاصة عُرضت في 27 من سبتمبر 2013.
تدور أحداث المسلسل في مكاتب لندن التابعة لشركة “رينهولم” للصناعات الخيالية، يسلط المسلسل الضوء على ثلاثة موظفين من قسم تكنولوجيا المعلومات وهم:
– كريس أوداود في دور روي تينيمان:
وهو فني حاسب آلي حاد اللسان من آيرلندا، وغالبًا ما يظهر روي أنه يبذل ما في وسعه لإلهاء زملائه عن العمل، ودائمًا ما يصاب أو يقع في الحرج.
– ريتشارد أيودي في دور موريس موس:
وهو عبقري في الحاسب الآلي إلا أنه فاشل في التواصل الاجتماعي، فيجد صعوبة بالغة في التواصل مع البشر أو أي شيء بلا وحدة مفاتيح.
– كاثرين باركنسون في دور جين باربر:
رئيسة القسم أو مديرة العلاقات العامة التي لا تفقه شيئًا عن القسم.
لماذا لم تنجح إذًا النسخة الأمريكية رغم كل ذلك في الحصول حتى على موسم واحد؟
الحلقة التجريبية من النسخة الأمريكية رُفضت، وحين سُربت تلك الحلقة للجمهور على الإنترنت كان السبب جليًّا، فرغم وجود ريتشارد أيودي من النسخة الأصلية، فإن دور روي في هذه النسخة كان يؤديه جول ماكيل الذي كان اختيارًا في غاية السوء لتمثيل شخصية الـGeek، فطريقة تمثيل جول ماكيل تفعم بالغرور والاعتزاز بالذات، لكننا لا نحزن كثيرًا فقد حصل بعدها جول ماكيل على دوره الرائع في “Community”.
1- Spaced (سباسيد)
يعتبر Spaced من أهم وأنجح المسلسلات البريطانية، كتبه الممثل سيمون بيج الشهير بأدواره الكوميدية وبكتابته وتمثيله للجزء الثالث لفيلم Startrek، وقد أخرج المسلسل إدجار رايت المخرج الشهير لثلاثية: Three Flavours Cornetto؛ فإذا كنت من محبي هذه الثلاثية فستقع في غرام هذا المسلسل بكل تأكيد.
استمر عرض النسخة البريطانية من سبتمبر 1999 وحتى أبريل 2001، في أكتوبر 2007 أعلنت شركة Fox إنتاج حلقة تجريبية للنسخة الأمريكية من المسلسل البريطاني الشهير Spaced، مما أخلف العديد من الاعتراضات من محبي النسخة البريطانية للمسلسل.
تحدث مخرج النسخة البريطانية إدجار رايت عن رأيه في المحاولة الأمريكية قائلًا إن هذا مستحيل بسبب الحبكة الأساسية، التي تتحدث عن مجموعة من الأشخاص في لندن يسخرون من أشياء تحدث في الأفلام الأمريكية، فلذلك كل شيء سيفقد معناه إذا تحول لنسخة أمريكية.
وهذا بالفعل ما حدث، فلم تحظ الحلقة التجريبية بقبول الجمهور، ولذلك قرروا إيقاف المشروع.
المشكلة الدائمة التي تواجه الصناع الأمريكيين مع إعادة إنتاج الكوميديا البريطانية، اعتماد الكوميديانات البريطانيين على الكوميديا الجافة المأساوية، التي لا تتناسب كثيرًا مع المشاهد الأمريكي العادي المتفائل الذي يحلم بتحقيق حلمه الأمريكي، وهذا ما جعل تلك المسلسلات تفشل فشلًا كبيرًا.