لم يُدل المسؤولون في الإمارات بتصريحات صريحة حول الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإماراتي بسبب المقاطعة التجارية مع الدوحة، بعد فرض كل أشكال الحصار عليها من قبل الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في 5 من يونيو/حزيران الماضي.
ولكن بعد مرور أكثر من 60 يومًا على بدء الحصار، بدأت الآثار السلبية تظهر على اقتصاد الإمارات بشكل ضئيل قد لا يحرك المسؤولين الآن، ولكن مع استمرار الحصار لأمد طويل من جهة وانتهاز الدوحة لفرصة تحويل الأزمة إلى منحة قد تجبر الإمارات وبالأخص دبي على الخروج عن صمتها وتدارك الموقف بأي شكل كان.
أولى الخسائر في أبو ظبي
تراجعت حركة المسافرين عن مطار أبو ظبي في شهر يونيو/حزيران الماضي على أساس سنوي بنسبة 5.3% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي 2016، وأعلنت شركة مطارات أبو ظبي وهي شركة مملوكة للحكومة، أمس الإثنين في بيان لها أن المطار تعامل مع 1.763 مليون مسافر خلال يونيو/حزيران الماضي، مسجلًا انخفاضًا في حركة المرور مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.
الرئيس التنفيذي للعمليات بالإنابة في الشركة، أحمد الشامسي، أرجع الانخفاض إلى عدة عوامل منها توقف بعض الرحلات بسبب بعض الأحداث الإقليمية، بدون ذكر ماهية تلك الأحداث وأنها تعود إلى فرض الحصار على قطر وإغلاق المجال الجوي الإماراتي أمام شركة الطيران القطرية، وأضاف الشامسي وفق البيان “التراجع يعود أيضًا إلى تشغيل شركات الطيران لرحلاتها الآن بشكل مباشر، فقط من وإلى أبوظبي بدون رحلات عبور”.
تمد قطر الإمارات بنحو ملياري قدم مكعب من الغاز يوميًا بسعر رخيص، وأغلب تلك الكمية تلبي نحو 30% من احتياجات الإمارات من الطاقة.
إلا أن إغلاق الإمارات لمجالها الجوي أمام الشركة القطرية للطيران لن يستمر بعد الآن، إذ تم اختراقه عبر تفعيل مسار مهم للطيران القطري عبر المياه المسؤولة عنها الإمارات في الخليج العربي، بحسب البيان المنشور في حساب الهيئة العامة للطيران المدني في قطر، يأتي هذا النجاح بناءً على ما انتهى إليه الاجتماع الاستثنائي للمنظمة الدولية للطيران المدني “إيكوا” الأسبوع الماضي واستعرض الآثار السلبية للحصار المفروض على مجال الطيران والسلامة الجوية.
مطار أبو ظبي الدولي
ونقل البيان عن رئيس الهيئة العامة للطيران المدني في قطر، عبدالله بن ناصر السبيعي قوله إن أغلب المسارات التي طلبتها دولة قطر من المنظمة الدولية للطيران المدني تم تشغيلها، سواء في الخليج العربي أو بحر العرب أو خليج عُمان.
ومن شأن فتح المسارات الجوية أمام خطوط الطيران القطرية أن يخفف عليها جزء من المعاناة والتكاليف عبر المسارات البديلة التي سلكتها في الشهرين الماضيين، كما أن المسارات الجديدة التي تم اعتمادها تعطي المزيد من الراحة وتحقيق الأمن والسلامة الجوية للطائرات المستخدمة لها بحسب السبيعي، وتعد هذه الخطوة بحد ذاتها أول نجاح لقطر لاختراق الحصار المفروض عليها وتجنب السلبيات الآتية منه، ونجاح دولي عبر إقناع “الإيكوا” بسلبيات الحصار سعت له عبر طرق دبلوماسية من خلال رفع شكوى لمنظمة الطيران الدولية.
إلا أن هذه الحركة قد لا تؤثر على حركة المسافرين في مطار أبوظبي بتحسين أعداد المسافرين في المطار، فأبوظبي لم تعلن عن إعادة العلاقة مع الدوحة كما كانت في المجال الجوي لتستقبل طائرات الخطوط القطرية في مطاراتها، لذا فإن خسارة أبوظبي الناجمة عن قطع العلاقة مع الدوحة ستستمر.
أرجع الرئيس التنفيذي للعمليات بالإنابة في مطار أبو ظبي الانخفاض إلى عدة عوامل منها توقف بعض الرحلات بسبب بعض الأحداث الإقليمية.
في مجال الطاقة هناك تهديد حقيقي قد يؤدي إلى أثر كبير في حال قطعت قطر إمدادات الغاز إلى الإمارات، فهناك خط أنابيب تحت سطح البحر تديره شركة “دولفين للطاقة” يمتد على مسافة 364 كيلومترًا من “راس لفان” في قطر إلى أبو ظبي في الإمارات، ويحمل خط الأنابيب ذاك نحو ملياري قدم مكعب من الغاز يوميًا، وأغلب تلك الكمية تلبي نحو 30% من احتياجات الإمارات من الطاقة، وتعد شروط العقد بين البلدين في هذا السياق سرية، فيما يشير محللي صناعة الغاز أن الإمارات تدفع أقل بكثير من سعر السوق الحالي.
حتى الآن،ليس هناك ما يشير إلى أن قطر ستقطع هذا التدفق الحيوي للطاقة عن الإمارات، حيث صدرت تصريحات عدة من مسؤولين قطريين عن عدم قطع الغاز إلى الإمارات، رغم أنها تُبقي خياراتها مفتوحة، لكن إذا قررت قطر قطع صادرات الغاز عن الإمارات ستواجه عندها أبوظبي تحد في توفير 30% من حاجتها من الغاز من السوق العالمي وبسعر أعلى من الذي كانت تحصل عليه من قطر.
وفي قطاع الشركات تكبدت شركة الخليج للسكر، أكبر مصفاة للسكر في العالم الموجودة في الإمارات، خسائر كبيرة من جراء الحصار، بعد توقف تصدير السكر الأبيض إلى قطر، وهناك شركة دريك آند سكل العالمية، التي تتخذ من دبي مقرًا لها، لديها نحو 500 مليون درهم (136 مليون دولار) من المشاريع في قطر، بينها عقد بقيمة 343 مليون درهم لبناء المرحلة الأولى من مترو الدوحة المقرر أن يكتمل بحلول عام 2020.
وهناك شركات تطوير عقاري تواجه مشاكل في استكمال أعمالها في قطر، مثل أرابتك القابضة الإماراتية التي تمتلك مشروعين مشتركين في قطر، في انتظار القضايا القانونية والمستحقات، كما بدأت شركة داماك العقارية – دبي الشهر الماضي في بناء برج سكني فاخر مكون من 31 طابقًا، كما تقوم بتطوير مبنيين شاهقين آخرين في قطر.
في قطاع الشركات الإماراتية تكبدت شركة الخليج للسكر، أكبر مصفاة للسكر في العالم الموجودة في الإمارات، خسائر كبيرة من جراء الحصار، بعد توقف تصدير السكر الأبيض إلى قطر.
وفي قطاع البنوك هناك بنك “فيرست أبوظبي” وبنك الإمارات دبي الوطني، اللذان قد يواجهان تباطؤًا في مشاريع الأعمال القادمة من قطر، بسبب ما قد يصيب الودائع والقروض التي تعود لقطريين، لأن العملاء القطريين أو المقيمين في قطر قد يسحبون الودائع من هذين المصرفين، نتيجة عدم اليقين من القرارات الحكومية بشأن تجميد الحسابات وإجراءات أخرى.
ماذا عن دبي؟
إمارة دبي التي سعت خلال الأعوام الماضية أن تكون مركزًا ماليًا في المنطقة عبر حزمة من الخدمات المالية واللوجستية التي تقدمها تغري بها الشركات والمصارف العالمية لفتح فروعها في دبي وتسيير عملياتها الإقليمية من هناك، وكان موقف حاكم إمارة دبي مؤيدًا لمطالب دول الحصار إذ حث الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، قطر على العدول عن سياستها الخارجية وتطبيق مطالب دول المحاصرة.
يضم مركز دبي المالي ما يربو على 400 شركة للخدمات المصرفية بينها 17 من أكبر البنوك العالمية، مع حوافز تتضمن إعفاءات من الضرائب لمدة 50 عامًا على دخل وأرباح الشركات، وبحكم طموح حاكمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأن تحقق دبي المركز الأول في كل شيء، فمن الطبيعي عندها ألا تقحم الإمارة نفسها في أزمات إقليمية لكي لا يكون لها أي آثار سلبية، فعليها أن تكون حيادية حيال أي أزمة حاصلة في الوسط الذي توجد فيه.
استمرار التوتر قد يزيد من صعوبة عمل دبي كمركز إقليمي شامل لعمليات الشركات الدولية في الخليج.
ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية لم يصرح المسؤولون في دبي أيضًا بأي تعليقات تفيد بتأثر الأنشطة والأعمال في الإمارة، سوى أن بعض الشركات التي لديها تعاملات مع قطر واجهت اضطرابات مثل عقبات أوقات السفر واضطرارها للبحث عن موردين جدد، مع هذا فقد أثار الرئيس التنفيذي لبنك “ستاندر تشارترد” بيل وينترز، تساؤلًا عن وضع دبي كمركز مالي بسبب دخولها في خضم الأزمة الخليجية، حيث قال وينترز إن استمرار التوتر يزيد من صعوبة عمل دبي كمركز إقليمي شامل لعمليات الشركات الدولية في الخليج، وقال “هناك فوائد كثيرة حصلنا عليها من وجود مركز كدبي، ونتطلع لأن نرى التأثير الذي سيترتب على ذلك”.
ثمة خطر بالابتعاد عن الإمارات العربية المتحدة، إلا أن الابتعاد عن الإمارات كما أشار إليه وينترز، قد لا يكون بالوقت الحالي وضمن هذه الظروف، إذ لا تزال الآثار محصورة جدًا ولم تسبب خسائر كبيرة للشركات الدولية العاملة في دبي، كما أن دبي مستعدة لتعويض الشركات عن أي خسائر قد تلحق بالشركات والمصارف في حال تضررها من الأزمة مع قطر عبر مساعدة أبو ظبي لها، فالناظر في تاريخ دبي سيجد أن دبي تعتبر أبوظبي شقيقتها الكبرى، كما أن الأخيرة ساعدت دبي في أزمتها المالية في العام 2009 وسمى حاكم دبي أطول برج في العالم باسم “خليفة” تيمنًا برئيس الإمارات خليفة بن زايد، وفي حال تعرضها لمشاكل مالية في المستقبل القريب فإن أبوظبي لن تتركها وحيدة مرة أخرى كما يعتقد مراقبون.
الشيء الوحيد الذي سيضر مكانة دبي ويجعل الشركات تبتعد عنها هو اشتداد المنافسة مع الدوحة، التي تمكنت من تحويل الحصار إلى منحة عبر تعديل قوانين وتشريعات تجذب المزيد من المستثمرين إليها، إذ أعلنت الدوحة أول أمس طرح 250 فرصة استثمارية ضمن مبادرة “امتلك مصنعًا في قطر خلال 72 ساعة”.
وتشمل المبادرة 8 قطاعات رئيسية،هي قطاع الصناعات الغذائية، الصناعات الورقية، الصناعات الطبية، الصناعات الكيميائية، الصناعات الكهربائية، صناعة الآلات والمركبات، صناعة المطاط واللدائن، صناعة المعادن، وحققت المبادرة إقبالًا كبيرًا من قبل المستثمرين القطريين والدوليين، بلغ عددهم الإجمالي 9349 مستثمرًا ثلثهم غير قطريين من 52 دولة.
يضم مركز دبي المالي ما يربو على 400 شركة للخدمات المصرفية بينها 17 من أكبر البنوك العالمية، مع حوافز تتضمن إعفاءات من الضرائب لمدة 50 عامًا على دخل وأرباح الشركات
من شأن هذه المبادرة وغيرها أن تغير مركز قطر الاقتصادي في المنطقة، ويجعلها تنافس دبي على مركزها المالي بشكل أكبر، ففضلًا عن خدمة السوق الملحي وإقامة مشاريع صناعية وتعديل هيكل الواردات في قطر، ستجذب الدوحة المزيد من المصارف والشركات العالمية إليها، وتنافس عبر موانئها ومطارها وموقعها الاستراتيجي في تصدير السلع والخدمات، بالأخص أن قطر تعمل على مشاريع عملاقة ضمن فعاليات استضافة كأس العالم 2022 حيث تنفق على أعمال ومنشآت كأس العالم نصف مليار دولار أسبوعيًا.
تأثر اقتصاد الإمارات من حصارها لقطر لم يظهر بشكل كبير بعد، ولكن هناك مؤشرات تشير إلى بداية تأثر في قطاع الطيران والخدمات المالية، فيما سيكون التأثر الحقيقي في حال استمرار الأزمة لأمد بعيد، وتصبح الدوحة بفضل سياساتها الاحترازية منافسًا قويًا لدبي وهو ما قد يقوض مركزها المالي ويطيح بأحلامها في المركز الأول.