مدينة (كيب تاون Cape Town)، انظر بعينيك تجدها هناك في آخر نقطة في قارة إفريقيا، حولها جبل “المنضدة” الذي اختير كأحد عجائب الدنيا السبعة، وعندها ملتقى أكبر المحيطات في العالم الهندي والأطلسي.
أصبحت كيب تاون قوة لا يستهان بها، بشعبيتها الكبيرة في عالم السياحة وتنوعها الحضاري المزدهر، ففي عام 2017 الحالي ستصبح تلك المدينة موطنًا لمتحف “زيتز موكا” الجديد للفن المعاصر، وهو أكبر متحف في العالم للفن الإفريقي المعاصر الذي سيمتد على مساحة 100 ألف قدم مربعة، مما يجعله أحد أكبر المتاحف في إفريقيا، وصممته الشركة البريطانية “Heatherwick studio”.
في شهر نوفمبر من عام 2013م حصلت مدينة كيب تاون على أعلى نسبة تصويت في كونها أفضل مدينةٍ عالمية في قائمة الجوائز السنوية للسفر في جريدة التلغراف، كما اختيرت أجمل مدينة في العالم في إحصاء صحيفة “تلغراف” الشهيرة عام 2014، وكذلك في مجلة “بزفييد” وموقع تريب أدفايز، وغيرها من الدوريات والمواقع السياحية.
تُعد مدينة كيب تاون من أشهر المدن السياحية في دولة جنوب إفريقيا وفي القارة الإفريقية أيضًا، ويعود السبب في ذلك إلى مناخها المعتدل طول السنة، والمناطق الطبيعية الجذابة
تتميز المدينة أيضًا بأنها أقدم المدن في جمهورية جنوب إفريقيا وثاني أكبر مدنها من حيث المساحة والسكان البالغ تعدادهم أربعة مليون نسمة، وهي بذلك من أكثر المدن التي تتمتع بتنوع ثقافاتها وعرقياتها حيث يوجد فيها نسبة كبيرة من الملونين وذوي الأصول الماليزية (المالاي) بالإضافة للأوروبيين الذين يشكلون 14% من سكانها والأفارقة 38%.
وهناك عرقيات أخرى متعددة بنسب أقل كالهنود والعرب وغيرهم، بينما يتجسد هناك مزيج فريد من التعايش والتنوع الثقافي والحضاري قلما تجد مثيلًا له في بلد آخر.
متى ظهرت مدينة “كيب تاون”؟
نرجع بذاكرتنا إلى الوراء ونقف عند عام 1652م تاريخ أول ظهورٍ لمدينة كيب تاون في التاريخ، وذلك عندما أنشأت شركة الهند الشرقية الهولندية محطة استراحة للسفن على شواطئ خليج تيبل، حيث شكل الموقع مكانًا رائعًا، ووفر المياه العذبة والأرض الخصبة ومرسى جيد للسفن.
وكان أول رحالة وصل إلى المدينة البرتغالي أنطونيو دي سالدانا، ونظرًا إلى أنها كانت أول موطئ قدم للأوروبيين تمت تسميتها بالمدينة الأم، كان السكان الأصليون للمدينة شعب خوي خوي، بالهولندية (Khoekhoe)، وكانوا يعتمدون على الرعي والصيد.
ساعد هؤلاء السكان الأوروبيين من خلال توفير الماشية، ولكن لم يساهموا في الأعمال الأخرى، حيث أحضرت الشركة الهندية العبيد إلى المدينة من شرق إفريقيا ومدغشقر ومنطقة خليج البنغال عام 1658م.
مع قدوم العبيد من مناطق مختلفة أحضروا معهم ثقافتهم وديانتهم وخصوصًا المسلمين القادمين من جزر الهند الشرقية، ونتيجةً للتنوع العرقي الكبير الذي شهدته المدينة بدأ الأوروبيون والعبيد والسكان الأصليون بالاختلاط ببعضهم البعض وزاد عدد سكان المدينة بشكل ملفت.
خلال حرب السبعة أعوام بدأت السفن البريطانية والفرنسية بالتوافد إلى المدينة، وأطلق البريطانيون عليها اسم كيب تاون رسميًا في عام 1773م، وفي عام 1781م حاولت السفن البريطانية احتلال المدينة، فأنشأ الفرنسيون حاميةً لمساعدة الهولنديين في الدفاع عن المدينة ضد الهجوم البريطاني، حيث أسهم الوجود الفرنسي بشكلٍ كبير في ازدهار المدينة، وأثر على العمارة والثقافة المحلية.
في عام 1806م احتلت بريطانيا مدينة كيب تاون مرةً أخرى، وجلب الاحتلال البريطاني في القرن التاسع عشر مفاهيمًا جديدة في الحرية والبرلمان والقضاء، ففي عام 1828م تم تعيين مواطنين كمستشارين للمجلس الحاكم، وعام 1834م تم القضاء على مفهوم العبودية تمامًا، وفي عام 1881م تأسست العديد من البلديات المنفصلة، حيث شهدت المدينة بعد ذلك الكثير من التطور، فشُيدت الطرق ودخلت الكهرباء إليها، وفي عام 1913م اجتمعت المجالس البلدية من كيب تاون والعديد من البلدات المجاورة، وشكلت مدينة كيب تاون الكبرى.
مدينة التنوع والاختلاف
إنها حقًا مدينة التنوع والاختلاف، حيث يشكل سكان كيب تاون أحد أهم ميزاتها، فتتكون من العديد من الأعراق والديانات المختلفة التي تتجانس فيما بينها، من أهمها الآسيويين والسود والبيض، ويتحدث سكانها اللغتين الإفريقانية والإنجليزية.
كما تعد المدينة من أشهر المُدن السياحية في دولة جنوب إفريقيا والقارة الإفريقية أيضًا، ويعود السبب في ذلك إلى مناخها المعتدل طول السنة، والمناطق الطبيعية الجذابة والتنوع الكبير في الأنشطة المتوفرة في المدينة، إذ توجد في المدينة العديد من الأماكن التي تعد مناطق جذب سياحي للسُياح من حول العالم، وهي كالتالي:
جبل “الطاولة”
يقع الجبل داخل الحديقة الوطنية، ويعتبر من أجمل المشاهد الهائلة، والذي يبلغ ارتفاعه 1086 مترًا.
قلعة “الرجاء الصالح”
تعتبر القلعة من أقدم المباني الاستعمارية التي ما زالت صامدة في دولة جنوب إفريقيا، وهو بناءٌ يشبه بناء البنتاغون، حيث بدأت عملية بناء هذه القلعة في العام 1666ميلاديًا من قبل شركة الهند الشرقية الهولندية حتى تتمكن من تجديد الإمدادات للسفن الحربية، ولهذا تحتوي تصاميم القلعة على شعارات الأسلحة الخاصة بالمدن الهولندية.
جبل “تيبل”
رحلة على الدراجة الهوائية إلى جبل تيبل
هو الجبل الذي يُطل على المدينة بشكلٍ كامل، ويُعطي زائره فرصةً لمشاهدتها من الأعلى، كما يضم الجبل نباتات وأشجار نادرة ومتنوعة، والتي يصل عددها إلى أكثر من 1470 نوعًا.
في عام 2011م تم التصويت للجبل لضمه إلى عجائب الدنيا السبعة، ومن أفضل الطرق للوصول إلى الجبل التلفريك الجوي، الذي يصل إلى ارتفاع 3.500 قدم (1066.8 مترًا).
شاطئ “بولدر”
أحد أهم الشواطئ الذي يُعد موطنًا للبطاريق الإفريقية، والموقع الوحيد الذي توجد فيه بطاريق في القارة كاملة، تم إحضار هذه البطاريق من جزيرة داير في عام 1983م، ووضعها في خليج فالس، بالإضافة إلى البطاريق توجد في الشاطئ أماكن تخييم جميلة جدًا، ويعتبر مكانًا مناسبًا للسباحة وممارسة الأنشطة البحرية.
محمية “سانبونا” للحياة البرية
تقع هذه المحمية عند سفح جبال وارمواتربيرج الشاهقة، وتحتوي على أصناف نباتاتٍ كثيرة وحيوانات برية ونماذج نادرة من فن سان الصخرية، تعود بعضها إلى أكثر من 3.500 سنة، كما يُمكن الاستمتاع برحلات السفاري البرية والبحرية، التي تمتد على مسافة 54.000 هكتار (540 كم2).
جزيرة “روبن”
تقع الجزيرة قبالة ساحل كيب تاون الشهير، حيث كانت تستخدم ولمدة ثلاثة قرون متتالية، كقاعدة عسكرية مهمة، ومستشفى للمرضى النفسيين، كما أنها كانت سجنًا للسجناء أصحاب القضايا السياسية، ومن أكثر سجناء هذه المدينة شهرةً نيلسون منديلا، والذي سجن لثماني عشرة سنة، وأصبح بعدها رئيسًا لدولة جنوب إفريقيا، أما اليوم فتعتبر من أهم أماكن الجذب السياحي.
حديقة “كريستينبوش” الوطنية
إحدى أجمل الحدائق وأفضل مكان للاسترخاء في أحضان الطبيعة في العالم، حيث تضم الحديقة عدة مرافق تُساعد على الاسترخاء والتمتع بالطبيعة الخلابة، منها حديقة عطرية وحديقة طبية وحديقة تضم 2500 نوع من النباتات، تم تأسيس الحديقة عام 1913م، وهي من المعالم المُدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
في النهاية، تعتبر كيب تاون العاصمة السياحية لجنوب إفريقيا، حيث يفد إليها ما يقارب أربعة ملايين سائح سنويًا من كل أنحاء العالم، ليستمتعوا بمشاهدة مئات المحميات الطبيعي والمتنزهات والشواطئ الساحرة.