ينتظر الخمسيني “إبراهيم الشاعر”، رفقه 4 من أبنائه، أن تعلن الساعة الخامسة فجرًا حتى يبدأوا بالتحرك نحو سور مزرعتهم الأخضر الطويل الذي يُحيط بها من كل جانب، وقد ظهرت عليه ثمار “الصبر” بألوانها الخجولة لتعلن عن موسم حصاد يُنتظر من عام لعام.
الشاعر جهز أغراضه الخاصة بقطف فاكهة “الصبر” أو ما تعرف باسم “التين الشوكي”، التي كان ينتظرها بفارغ الصبر، ومع نسمات الصباح الأولى انطلق مسرعًا برفقه أولاده نحو أشجار الصبر ليقطفوا ثمره من بين أشواكه الخطيرة.
الشاعر اتفق مع أولاده على قطف فاكهة الصبر الناضجة فقط في المرحلة الأولى، وترك الباقي لأيام أخرى حتى تنضج وتسهل عملية بيعه، فبدأت عيونهم تبحث عن الصبر المثمر في كل مكان تتجول بين لوحات الصبر التي تغطيها الأشواك، وتتجه أيديهم إليه مسرعة بحذر شديد لتقطفها وتضعها في إناء خاص “جردل”، قبل عملية الفرز الأخيرة وعرضه للبيع.
عنوان للصبر
ويقول الشاعر: “فاكهة الصبر بالنسبة لأهل قطاع غزة لها مذاق خاص، فهي تعبر من اسمها عن صبرهم وتحملهم الكبير للاحتلال الإسرائيلي، والظلم الذي يتعرضون له والحصار المفروض عليهم منذ أكثر من 10 سنوات متواصلة”.
ويضيف: “معظم أهل القطاع ينتظرون هذه الثمار من العام للآخر، وعندما تبدأ الثمار بالنضج تجد الأسواق كافة ممتلئة بثمار الصبر، ويكون عليها إقبال كبير من قبل المواطنين، لمذاقها الحلو الخاص وما تمثله هذه الثمرة من تحدٍ وصبر لأهل القطاع على وجه الخصوص”.
ويشير الشاعر، إلى أنه ورغم أن عملية قطف ثمار الصبر تكون خطيرة نظرًا للشوك الممتلئ على اللوحات الخضراء التي تحمل الثمار الناضجة، وإمكانية تطايره على الأجساد وإصابتها مع كل نسمة هواء، فبرفقه أولاده يتمتعون بقطف الصبر ويكون لهم شعور ممزوج بين الفرح والمتعة في قطفه.
وبيّن أن قطع الثمار يمر بمرحلتين، الأولى اختيار الثمار الناضجة وقطعها بواسطة عصا مثبت في نهايتها أنبوب أسطواني مفرغ، أما المرحلة الثانية فتبدأ بوضع الثمار على الأرض دون لمسها، ومن ثم تخليص كلّ ثمرة من الأشواك المحيطة بها باستخدام بعض الأعشاب ومنها نبتة “الذرنيح” التي تعدّ الأفضل لتنظيف الأشواك وتكون موج,دة بكثرة إلى جانب أشجار الصبر.
وأوضح أنه حين تصبح الثمار جاهزة خالية من الأشواك الناعمة، يتم وضعها في الدلو تمهيدًا لبيعها، لافتًا إلى أهمية بيعها بسرعة، لأن الصبر ثمرة لا تحتمل البقاء فوق بعضها تحت أشعة الشمس، لأنها تفسد سريعًا، لذلك يحاول بيعها في السوق قبل الظهر.
ويشير أن موسم قطف الصبر الذي يستمر لشهرين فقط من العام، يدر عليه بالرزق الوفير، ويساعدهم في تخطي بعض أزمات الحياة القاسية التي يعيش بها سكان غزة بفعل الحصار المشدد المفروض عليهم، وما ترتب عليه من أزمات إنسانية واقتصادية ومعيشية قاسية.
ويتخذ الفلسطينيون، من كلمة الصبر، صفة لهم، فهم الصابرون على الاحتلال الإسرائيلي والحصار والاعتقال والتهجير والدمار، منذ عشرات السنين.
رزق بين الأشواك
وعلى ناصية أحد شوارع حي الشجاعية، كان الشاب ياسر الصواف يبيع الصبر، وعلامات التعب والإرهاق تبدو واضحة على ملامحه، فهو الآخر يغادر منزله كل صباح لقطع ثمار التين الشوكي ولا يعود قبل أن يقطف من 4-5 دلاء ممتلئة، حتى يستطيع توفير مبلغ مالي يمكنه من سد جزء من احتياجات أسرته، لافتًا إلى أن هذا العمل الشاق يشكل مصدر زرق موسمي له.
وأكد أن إقبال الناس على شراء الصبر كبير جدًا، كونه فاكهة موسمية طيبة المزاق، ليس للإنسان دخل فيها خالية من المبيدات الحشرية، وتعتمد على مياه الأمطار فقط في سقايتها، حيث يخزن الصبار المياه داخله في فصل الشتاء لحاجته لها في الصيف، منوهًا إلى أن سعر الدلو الواحد يبلغ 10 شواكل، وفي أحيان أخرى أقل من ذلك بقليل، تبعًا لكميات الصبر المطروحة في السوق.
أما المواطن أبو أحمد الشيخ، لم يتوقف عند قطع ثمار الصبر وبيعها للمواطنين فحسب، بل تضاعفت جهوده حتى وصل إلى حد بيعه مقشرًا جاهزًا للتناول مباشرة، في سبيل تحقيق مكاسب مالية أكبر.
واعتبر الشيخ العمل بالصبر أمر مرهق وخطير يحتاج إلى حذر، نظرًا لما تسببه أشواكه إذا اخترقت جسد الإنسان، فهي تتسبب في عمل بثور وحبوب كبيرة في الجسم وتترك به علامات لفترة طويلة، وهذا ما يجعل الكثير من الناس لا يقبلون على شرائه خوفًا من عملية التقشير.
وأوضح الشيخ أنه استغل خوف الناس من الإصابة بأشواك الصبر، فعمل على تقشيرها مقابل مضاعفة ثمنه، حيث يصبح ثمن الدلو الواحد 15 شيكلاً بدلا من 10 شواكل، وهو ما يجعله يحقق مكاسب مالية أكبر، منوهًا إلى أن حاجة الفرد للمال وعجزه عن تلبية مطالب أبنائه، تجبره على أن يلقي بجسده داخل الأشواك من أجل أن يقتلع رزقًا.
وبيّن أنه في أثناء عمله بالصبر منذ قطعه وحتى الانتهاء من بيعه، يرتدي أدوات خاصة تقيه من الأشواك، كالجلابية البلاستيكية والقفازات، وعلى الرغم من ذلك لا ينجو من بعضها.
وذكر الشيخ أن نبتة الصبر غير مملوكة لأحد، كونها تشكل سياجًا وحماية طبيعية للبساتين والأراضي الزراعية، لذلك فهي موجودة على حواف الشوارع ولا يمكن لأحد أن يمنعهم من قطعها.
ويشهد قطاع غزة هذا الصيف ارتفاعًا ملحوظًا وغير مسبوق في إنتاج فاكهة الصبر، حيث تزدحم الأسواق بالكميات الهائلة المعروضة للبيع في أسواق القطاع.
ويُقدّر مسؤول وحدة الإرشاد في وزارة الزراعة نزار الوحيدي أن المساحات المزروعة من الصبر في القطاع أكثر من 500 دونم غالبيتها مثمرة، تُنتج نحو ألف طن سنويًا بمتوسط 1500 شيكل للدونم الواحد.
وأوضح الوحيدي أن زراعة الصبر في القطاع تتعرض للتهميش والإهمال من الجميع، مبينًا أن الاهتمام بها يمكن أن يُحسّن من واقع الزراعة في القطاع ومن دخل المزارعين.
وأشار إلى أن وفرة الإنتاج لهذا العام تعود إلى الظروف المناخية التي شهدتها المنطقة خلال العام الماضي، والتي أثرّت بشكل إيجابي على إنتاج فواكه عديدة كالصبر والتين والعنب.
ويباع الكيلوجرام الواحد من فاكهة التين الشوكي بنحو ثلاثة شواكل (0.8 دولار أمريكي)، وتختلف تسميتها من بلد لآخر، حيث تجدها في فلسطين وبلاد الشام تسمى بـ”الصبر” أو “الصبّير” أو “الكوز”، وفي مصر “التين الشوكي”، وفي الجزيرة العربية “البرشومي”، وتزرع بطريقة الألواح.
يعتبر الصبر أو التين الشوكي، نبتة من الصبار تنمو في الأماكن الجافة، وهي معمرة، ولها قدرة على مقاومة الجفاف، نظرًا لسيقانها المليئة بالماء، والتي تعتبر طعامًا مفضلاً للإبل في المناطق الصحراوية، رغم أشواكها الحادة المنتشرة على سطح النبتة.
وتحتوي الثمرة من الداخل على اللب اللحمي الممتلئ بالبذور الصغيرة، أما قشرتها فهي سميكة تحتوى على مسام كثيرة، تنبت في كل منها أكثر من شوكة دقيقة جدًا، وناعمة حادة.