يحتاج العلماء إلى البقاء طويلاً داخل مكاتبهم حتى يجدوا حلولاً مرضية للمشكلات العديدة التي يواجها العالم في اليوم الحاضر، ففي مرة نجد الخبراء يقدمون أبحاثًا تحذيرية بخصوص العواقب الوخيمة الناتجة عن أفعال الإنسان غير المسؤولة، ومرة أخرى يقدمون اقتراحات ونصائح مهمة لتقليل أو تفادي هذه الأزمات التي قد تصيب العالم بكم هائل من الخسائر البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي ظل انشغال العالم بمشكلات التغير المناخي وتلوث الهواء، يبقى ملف إهدار المواد الغذائية منسيًا في الزاوية، لكن الأرقام والإحصائيات التي تنشر سنويًا في اليوم العالمي لإهدار الطعام في الـ28 من شهر نيسان، نجحت في زيادة الوعي بخطورة هذه المسألة التي تتنبأ بوقوع أثقال اقتصادية منهِكة على كاهل الدول المسرفة للطعام.
التناقض الشديد بين ظاهرة إهدار الطعام وخطر نقص التغذية
نشرت منظمة الموارد العالمية تقريرًا ترصد فيه جميع الزوايا المتعلقة بهذه المشكلة، إذ قدرت تكلفة هذا الإهدار بنحو تريليون دولار أي ألف مليار دولار، وأشارت إلى أن حجم الإهدار وصل إلى 30%، ويذكر أنه بفضل هذه المنظمة زاد حماس الشركات التجارية والعديد من الدول بتحمل مسؤولية الحد من إهدار الطعام والقضاء على هذه الظاهرة التي تستهلك الكثير من الموارد الطبيعية.
وتأكيدًا على فداحة المشكلة، نشرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة تقريرًا مساندًا للتقرير السابق عن نسب إهدار الطعام في العالم، لتشير إلى أن نحو 1.3 مليار طن من الإنتاج العالمي من الأطعمة يهدر دون أن يصل إلى طبق المستهلك، وأضافت أن كميات الطعام المهدرة تحدث بسبب أخطاء في التخزين والنقل وإهمال التعليمات اللازمة للحفاظ على الطعام من التلف والفساد، والكميات المهدرة تكفي لإطعام الفقراء في العالم والجوعى الذين وصل عددهم إلى 842 مليون شخص.
ولقد ذكر البنك الدولي أن نقص التغذية من أخطر التحديات التي تهدد الصحة العامة في العالم، لأن نحو ثلث الأطفال في الدول النامية يعانون من نقص الوزن ويعود سبب وفاة الأطفال في سن مبكرة إلى سوء التغذية.
وقال باحثون في المفوضية الأوروبية إن دول الاتحاد الأوروبي تهدر نحو 22 مليون طن من الطعام سنويًا، وفي مقدمة هذه الدول تأتي بريطانيا التي تصل قيمة المنتجات الغذائية المهدرة فيها إلى 800 يورو من كل أسرة، هذا وقد أفادت دراسة بريطانية أن الشباب الأقل من 35 سنة يعتبرون الطعام متعة لهم أكثر من كونه ضرورة، وهذا ما يزيد نزعتهم الاستهلاكية في التسوق وإهدار الطعام، بالإضافة إلى الجانب السيكولوجي للمستهلك الذي تؤثر عليه الإعلانات وتدربه على سلوكيات غذائية معينة لزيادة نسبة أرباحها.
من ضمن قائمة أفضل الدول في الحفاظ على المواد الغذائية جاءت فرنسا في المرتبة الأولى ثم أستراليا ومن ثم جنوب إفريقيا
أما بالنسبة لفرنسا، فلقد قالت وكالة إنفايرمنتال ريسيرش ليترز المتخصصة بشؤون البيئة، أن المواطن الفرنسي يلقي ما بين 20 إلى 30 كيلوغرامًا من المواد الغذائية دون استهلاكها وهذا يعني خسارة ما بين 12 و20 مليار يورو سنويًا، وللحد من هذه الظاهرة شرع البرلمان الفرنسي قانونًا ضد إهدار الطعام، فلقد حظر على المتاجر التي تزيد مساحتها على 400 متر مربع، التخلص من الطعام غير المباع أو المستهلك والتبرع به إلى الجمعيات الخيرية أو المشردين والفقراء، وفرض البرلمان غرامة مالية بقيمة 75 ألف يورو وسجن عامين على كل من يخالف هذا القانون، ومن ضمن قائمة أفضل الدول في الحفاظ على المواد الغذائية جاءت فرنسا في المرتبة الأولى ثم إستراليا ومن ثم جنوب إفريقيا.
تكلفة التقاليد العربية في العزائم
وبما يخص الدول العربية، فلقد عبرت منظمات المجتمع المدني والدولي عن قلقها بشأن الأمن الغذائي والموارد الطبيعية والبيئية التي تواجه عواقب ظاهرة إهدار الطعام، فلقد سجلت المنطقة العربية وخاصة الدول الخليجية ارتفاعًا في مستويات إهدار الطعام بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية التي تقوم على فكرة “يزيد ولا ينقص” خاصة عند إقامتها للولائم الجماعية.
وحصلت السعودية على النصيب الأكبر من إهدار المنتجات الغذائية التي وصلت إلى 16 مليون وجبة غذائية يتم رميها مع النفايات يوميًا، أي أن الفرد السعودي يهدر ما يقارب 250 كيلوغرامًا، كما أن تكاليف نقل هذه المخالفات قدرت بقيمة 630 مليون ريال سنويًا و2.6 مليار ريال لتنظيف المدن، هذا بحسب ما ذكرته وزارة الزراعة السعودية وجمعية إطعام الخيرية.
تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن قائمة أكثر الدول إسرافًا بالطعام، فقدرت الأطعمة المهدرة بقيمة 3.27 مليون طن من المواد الغذائية المنتجة والمستوردة
وبهدف الحد من هذه الأزمة، حاولت السعودية الترويج للعديد من المبادرات التي تهدف إلى توعية المجتمع بشأن هذه المشكلة، وذلك مثل مبادرة “حتى لا تزول النعم” والتي أطلقتها وزارة التعليم السعودية للتغلب على مظاهر البذخ والحفاظ عليها من التلف والإهدار، إضافة إلى مشروع “ماعون” الذي أطلقه مجموعة من الشباب للحد من هذه الظاهرة في المملكة، وقد استهدف هذا المشروع المطاعم والأسواق لتوعيتهم ومساعدتهم على وضع معايير تقلل من نسب الإهدار.
كما تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن قائمة أكثر الدول إسرافًا بالطعام، فقدرت الأطعمة المهدرة بقيمة 3.27 مليون طن من المواد الغذائية المنتجة والمستوردة لعام 2013.
ما الحل؟
ومن الناحية الاقتصادية، قالت اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ إن القضاء على ظاهرة إهدار الغذاء سيساعد في توفير ما يصل إلى 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030 بما أن ثلث الأغذية التي تنتج يتم رميها في النفايات، كما ذكرت اللجنة أنه من المحتمل أن تزيد قيمة الهدر الغذائي العالمي الذي يبلغ 400 مليار دولار سنويًا إلى 600 مليار دولار خلال الأعوام القادمة وذلك تزامنًا مع نمو الطبقة المتوسطة في البلدان النامية.
ولحل هذه المشكلة ركزت الجهات المسؤولة على ضرورة التعاون مع بنوك الطعام وذلك لأنها أفضل الوسائل للقضاء على مشكلة الطعام المهدر، وأضافت منظمة الفاو أنها ستتبادل التجارب والخبرات والمعلومات التي قد تساعد على التصدي لهذا التحدي باهظ الثمن، وأشارت إلى ضرورة تغيير منظومة الغذاء في العالم لضمان الاستفادة المستمرة للعالم من خلال المساواة بين معدلات الهدر والجوع، خاصة أن معدل التقدم الحالي ليس كافيًا للقضاء على أي من هاتين المشكلتين.