بعد فترة وجيزة من انطلاقتها، بدأت الحملة التي شنّها الوزير الأول الجزائري عبد المجيد تبون وأعضاء حكومته إثر توليه منصبه، واستهدفت رجال أعمال نافذين ومقربين من السلطة، في الفتور والخمود، مما يؤكّد وجود تخبط في أعلى سلم السلطة الجزائرية والماسكين بزمام أمور قصر المرادية، حتى إن البعض ألمح إلى إمكانية التخلي عن تبون.
بداية الفتور والتدهور
لم تمض أكثر من ثلاثة أشهر على توليه منصب الوزير الأول في الحكومة الجزائرية حتى بدأت تقارير إعلامية تتحدث عن قرب إقالته من منصبه بسبب المس بمقربين من السلطة والتلويح بمحاسبتهم، فضلاً عن قيامه بتحركات يراها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته تعديًا على صلاحيات الرئاسة.
دعم بوتفليقة لتبون لم يدم طويلاً، فقد بدأ الحديث عن تذمر الرئيس من وزيره الأول يطفو إلى الساحة بعد أن كان يتردد في الجلسات المغلقة وداخل المكاتب الموصدة
عبد المجيد تبون صاحب الـ72 سنة، والذي اختاره بوتفليقة يوم 24 من مايو 2017 لتولي منصب الوزير الأول في الحكومة الجزائرية الجديدة خلفا لعبد المالك سلال الذي فقد ثقة الرئيس عقب فشله في إقناع التحالف الإسلامي المعارض (حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير) بالمشاركة في الحكومة الجديدة وتقاسم أعباء الحكم، باتت أيامه قليلة داخل أروقة قصر الدكتور سعدان رغم أنه جاء برضى من بوتفليقة نفسه، وكان يحظى بثقته وتقديره واعترافه أيضًا بمجهوداته في قطاع السكن، حتى إنه تلقى، العام الماضي، وسام استحقاق في سابقة هي الأولى لوزير جزائري، اعترافًا بمساهمته في القضاء على جزء من أزمة السكن بالبلاد.
دعم بوتفليقة لتبون لم يدم طويلاً، فقد بدأ الحديث عن تذمر الرئيس من وزيره الأول يطفو إلى الساحة بعد أن كان يتردد في الجلسات المغلقة وداخل المكاتب الموصدة خشية تداوله من قبل العامة ويساهم في بث الفوضى في البلاد وإدخالها في مشاكل هي في غنى عنها في ظل الأزمات التي تعيش على وقعها منذ فترة ومست كل جوانب الحياة في هذا البلد العربي.
تبون في باريس
لقاء الوزير الأول في الحكومة الجزائرية عبد المجيد تبون بنظيره الفرنسي إدوارد فيليب في أحد فنادق باريس، حيث يقضي إجازته السنوية من الثالث حتى الخامس عشر من أغسطس الحالي، مثّل القطرة التي أفاضت الكأس، فرغم تأكيد الحكومة على كون اللقاء غير رسمي، فقد بدا واضحًا حسب تقارير إعلامية عدّة رفض الرئاسة الجزائرية لهذا اللقاء.
ومعلوم عن الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة رفضه المطلق التنازل عن صلاحياته، خصوصًا فيما يخص العلاقات المعلنة أو السرية مع فرنسا، ويرى مقربون منه أن هذا اللقاء قد يكون بنظر الرئيس “تعديًا صارخًا” على أحد أهم صلاحياته في تسيير السياسة الخارجية للبلاد.
لقاء عبد المجيد تبون ونضيره الفرنسي لقي رفضًا من الرئاسة
من جهتها، انتقدت صحف جزائرية مقربة من الرئاسة، لقاء رئيس الحكومة عبد المجيد تبون “غير الرسمي” بنظيره الفرنسي إدوار فيليب في باريس، الذي لم تعلن مصالح الوزارة الأولى في البلدين عن فحواه، معتبرةً أنها “خروج عن الطريق”، باعتبار أن العلاقات مع باريس من اختصاص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مثلما هو الحال لمجمل السياسة الخارجية للجزائر.
ويذكر الجزائريون، كيف بدأت المتاعب لرئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، الذي منذ أن زار فرنسا سنة 2002 بدأت علاقته مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تتدهور وتتوتّر ووصلت حد الطلاق بين الرجلين الذي ما زال قائمًا حتى الآن.
حسمت ضده
متاعب عبد المجيد تبون مع القائمين على قصر المرادية لم تكن بسبب لقائه غير الرسمي مع نضيره الفرنسي إدوارد فيليب فقط، فقد بدأت مؤشراتها تظهر مع انطلاق حملته التي تستهدف رجال أعمال جزائريين بتهم تتعلق بالفساد وإهدار المال العام.
ويعتقد مراقبون في الجزائر أن المواجهة التي فتحها عبد المجيد تبون ضد رجال أعمال نافذين حسمت ضده، خاصة أن الرجل الثاني في الجزائر والمتحكم بزمام الأمور سعيد بوتفليقة بعد مرض شقيقه الأكبر بوتفليقة، يقف في صف رجال الأعمال وعلى رأسهم صديقه علي الحداد رئيس منتدى المؤسسات (تكتل لرجال الأعمال).
نقلت جريدة “النهار الجزائرية” تسريبات قالت إنها تتحدث عن انزعاج بوتفليقة من سلسلة الإجراءات الحكومية التي باشرها عبد المجيد تبون منذ أيام
ويعد علي حداد من أبرز رجال الأعمال في الجزائر، وله نفوذ كبير في الوسط السياسي والإعلامي، حيث يملك مجمعًا إعلاميًا يضم قناتين تليفزيونيتين وصحيفتين، كما يدير نادي اتحاد العاصمة لكرة القدم، ويعد أحد المقربين من شقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سعيد بوتفليقة، ويستفيد من الحصول على مشاريع تعبيد الطرقات بشكل مثير للتساؤل في مختلف المدن الجزائرية.
في هذا السياق نقلت جريدة “النهار الجزائرية” تسريبات قالت إنها تتحدث عن انزعاج بوتفليقة من سلسلة الإجراءات الحكومية التي باشرها منذ أيام عبد المجيد تبون، في سياق مساعي الفصل بين تغلغل رجال الأعمال والساسة في صناعة القرار.
وتابعت الجريدة المقربة من الشقيق الأصغر للرئيس بوتفليقة ومستشاره سعيد، أن بوتفليقة طالب بـ”وضع حد لفوضى المبادرات الحكومية”، كما أعرب عن أسفه لـ”طبيعة التسويق المبالغ فيه للقرارات الأخيرة للحكومة، والتي أعطت انطباعًا لدى الرأي العام الوطني والدولي، بأن هناك حملة رسمية منظمة ضد رجال المال والأعمال”.
علي الحداد إلى جانب سعيد بوتفليقة
ونقلت الصحيفة الجزائرية عن مصادرها قولهم إن الرئيس بوتفليقة أمر، وبلهجة حادة، الوزير الأول عبد المجيد تبون، بتوجيه تعليماته الرئاسية التي تحمل طابعًا استعجاليًا على الدوائر الوزارية المعنية، مشددًا على ضرورة إحالة الوزير الأول على النصوص القانونية لمعالجة أي انحرافات، مطالبًا الحكومة بتفادي الإشهار الذي لا فائدة منه والتركيز على خلق جو هادئ يسمح بتحقيق وثبة اقتصادية في مناخ مشجع.
ومنذ تقلده منصب الوزير الأول في الحكومة الجزائرية، ما فتئ عبد المجيد تبون يبعث برسائل لتحالف اللوبي المالي والسياسي مفادها نهاية عهد نفوذ المصالح وتغول المال السياسي داخل مؤسسات الدولة، حتى إنه استغنى عن خدمات مدير ديوان مصالح رئيس الوزراء مصطفى رحيال، الذي عين في حكومة سلال السابقة بإيعاز من رجل الأعمال النافذ علي حداد.