يقف “علم النفس الاجتماعي” في المنتصف بين علم الاجتماع وعلم النفس، ويُعرّف بأنه العلم الذي يبحث كيفية تأثر مشاعر وأحاسيس وسلوكيات الفرد بحضور الآخرين، سواء كان الحضور فعليًا أم تخيليًا أم ضمنيًا، وبكلمات أخرى فإنّ علم النفس الاجتماعي عبارة عن الدراسة العلمية للإنسان ككائن اجتماعي.
العديد من التجارب النفسية والاجتماعية غيّرت طريقة تفكيرنا بالتأثير المتبادل بين كل من الفرد والمجتمع، فلا يمكن دراسة الفرد بمعزلٍ عن دراسة المجتمع أو الجماعة التي يعيش فيها، كما لا يمكن دراسة المجتمع بعيدًا عن دراسة نفسية الفرد، ويقدم علم النفس الاجتماعي أدوات وتوضيحات لمساعدة الفرد على فهم الأشياء التي تحدث في حياته الشخصية، تفاعلاته اليومية مع أصدقائه وعائلته، وعلاقاته العاطفية، وغيرها الكثير.
تأثير المتفرج: لماذا لا نتدخل لمساعدة الآخرين؟
في ليلة عادية من أواخر شتاء نيويورك عام 1964، كانت كيتي جينوفيز عائدة إلى منزلها قبل أن يباغتها رجلٌ غريب ويطعنها مرتين من الخلف، صرخت جينوفيز عاليًا طالبةً النجدة والمساعدة من سكان حيّها والبيوت القريبة منها، فهرع الناس للنوافذ مراقبين للحادثة بصمتٍ دون أي تدخل يُذكر.
لم يكتفِ الرجل الغريب بتلك الطعنتين، فلحق بها مجددًا وطعنها مرات عديدة قبل أن يغتصبها، ويسرق منها 48 دولارًا ويهرب، بعد ذلك بقليل اتصل أحدهم بالشرطة وجاءت عربات الإسعاف لكن جينوفيز ماتت في الطريق للمشفى، هنا قد تطرح على نفسك سؤالًا أو عدة تساؤلات: لماذا لم يتدخل أحدٌ من الجيران ولماذا اكتفوا بالمراقبة؟
احتمال المساعدة يرتبط عكسيًا مع عدد المتفرجين، أي أنه كلما زاد عدد المتفرجين نقصت احتمالية تقديم المساعدة لمن يحتاجها
كانت تلك الحادثة محطّ اهتمامٍ الصحافة وحديث الناس لفترة طويلة، إذ نشرت صحيفة “نيويورك تايمز ” تقريرًا بعد أسبوعين حمل العنوان “38 شخصًا شاهدوا جريمة القتل ولم يتصّل أحدهم بالشرطة”، غير أنّ الأكثر أهمية في الموضوع اهتمام علماء النفس بالحادثة وبدئهم بإجراء التجارب النفسية لتفسير تلك الظاهرة، أي عدم تدخل الناس لإنقاذ ومساعدة كيتي.
ففي تجربة كلاسيكية قام بها الباحثان جون دارلي وبيب لاتان، طُلب من المشاركين الجلوس في الغرفة لملء استبياناتهم ضمن عدة حالات: مشترك واحد في الغرفة، أو 3 مشتركين في الغرفة، أو مشترك واثنين من مساعدي الباحثيْن في نفس الغرفة، ثمّ بدأ الدخان ينبعث إلى داخل الغرفة.
عندما كان المشاركون وحدهم، ترك حوالي ثلاثة أرباعهم الغرفة بهدوء لإبلاغ الباحثيْن عن الدخان، أما حال وجود 3 مشتركين في نفس الغرفة، فقد قلّت نسبة الذين أخبروا عن الدخان إلى 40%، أما في الحالة الثالثة والتي احتوت على مساعديْن مع مشترك، كانت مهمة المساعدين تجاهل الدخان وإكمال تعبئة الاستبيانات، فقد قلّت نسبة الإبلاغ عن الدخان لل10%.
وبناءً على هذه التجربة توصل الباحثان إلى أن احتمال المساعدة يرتبط عكسيًا مع عدد المتفرجين، أي أنه كلما زاد عدد المتفرجين نقصت احتمالية تقديم المساعدة لمن يحتاجها، وهناك عدة عوامل لتفسير ظاهرة لامبالاة المتفرج مثل انتشار المسؤولية أو تصوُّر الفرد حينما يكون ضمن مجموعة أنّ شخصًا آخر سوف يتحمل مسؤولية ما يحدث ويقوم بالمساعدة.
عامل مهمّ آخر هو المعايير الاجتماعية، أي أن تقييم الأمور يختلف من شخص لآخر وفقًا لمعايير عديدة، منها كون الحالة طارئة أم لا، والالتباس والخوف من التدخل أو خرق خصوصية شخص آخر وعدم الرغبة بالظهور أمام الآخرين بمظهر الغبي أو صاحب التصرف غير اللائق.
تجربة كهف اللصوص: لماذا تحدث الصراعات بين المجموعات المختلفة؟
قام العالم الأمريكي من أصل تركي مظفر شريف بتجربة تُعد مهمة في نطاق علم النفس الاجتماعي، وظلت في الذاكرة العلمية حتى يومنا هذا، إذ اصطحب 22 طفلًا تتراوح أعمارهم بين الحادية عشرة والثانية عشرة سنة لمخيم صيفيّ، وتقسيمهم إلى مجموعتين وضعهما في نفس المنطقة غير أنّ كلّ واحدةٍ منهما لا تعلمان بوجود الأخرى.
الأهداف المشتركة تقوّي روابط الجماعة وتزيد لحمتها، في حين أن المنافسة والأهداف المشتتة تضعفها وتشتت أفرادها
قضى الأطفال الأسبوع الأول من التجربة كلٌ ضمن مجموعته، وعمل شريف خلال تلك الفترة على تقوية الروابط والعلاقات بين أفراد المجموعة الواحدة، فاتخذت كلٌّ منهما اسمًا لها ووضعت بعض القواعد والقوانين وتشكلت الصداقات بين أفرادها.
أما في المرحلة الثانية فقد تم جلب المجموعتين إلى نفس المكان لدراسة التغيرات النفسية والاجتماعية التي قد تطرأ على الأفراد أنفسهم وعلى المجموعة ككلّ.
بدأت الخلافات تنشب بين كلا المجموعتين، الأمر الذي ساعد على نشوب التنافس وتقويته، وبات الأطفال في كل مجموعة يكنون الكره وعدم التقبل تجاه أطفال المجموعة الأخرى، وفي المرحلة النهائية خلق شريف أهدافًا مشتركة للمجموعتين، مما أدى إلى سيادة جو الهدوء والتوافق من جديد، مما جعل الباحث يصل إلى أن الأهداف المشتركة تقوي روابط الجماعة وتزيد لحمتها، في حين أن المنافسة والأهداف المشتتة تضعفها وتشتت أفرادها.