بدأت القوات المدعومة من الولايات المتحدة بالتقدم نحو مدينة الرقة، التي كانت تمثل عاصمة تنظيم الدولة وأقوى معاقلها. ومن المحتمل أن تكون هذه المعركة إحدى أقوى المعارك استنزافا للأرواح خاصة في صفوف المدنيين فأعضاء التنظيم يقاتلون من منزل إلى منزل، وينفذون الهجمات الانتحارية في الشوارع الضيقة، في انتظار قذف القوات المدعومة من الولايات المتحدة، المزيد من القنابل بينما يلوذ المدنيون بالفرار.
وفي هذا السياق، أوضح مصطفى بالي، المتحدث باسم “قوات سوريا الديمقراطية”، التي دعمتها واشنطن من أجل استعادة مساحات واسعة من سوريا ترزح تحت سيطرة التنظيم، أن “معركة الرقة مختلفة تماماً عن أي معركة أخرى؛ “فتنظيم الدولة يدافع عن عاصمته الآن”. وأضاف بالي أن “المدينة محاطة بالمقاتلين الذين سيستميتون في الدفاع عن معقلهم”. وتجدر الإشارة إلى أن الهجمات السابقة انتهت عندما تراجع المسلحون، ويبدو أنهم قرروا الحفاظ على قوتهم قبل بداية المعارك الأقوى، لكن هذه المرة لا يوجد أي مهرب.
مقاتل من القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة يجري أمام مبنى متضرر أثناء عبور شارع في مدينة الرقة السورية، يوم 27 تموز/ يوليو سنة 2017.
في الأسبوع الماضي، قال العقيد ريان ديلون، المتحدث باسم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إنه “بعد شهرين من انطلاق معركة الرقة يمكن القول إن القوات المهاجمة باتت تسيطر على نحو 45 بالمائة من مساحة المدينة. ولكن، لم تتغير هذه النسبة منذ أكثر من أسبوع”.
وفي الأثناء، بينما يصر البنتاغون الأمريكي على أن تحرز قواته بالوكالة تقدما يوميا بدعم من الضربات الجوية الأمريكية، يضمن تنظيم الدولة أن تدفع هذه الوحدات المدعومة من الولايات المتحدة ثمن كل شبر تطؤه. وعلى عكس معركة الموصل، فإن عدد المقاتلين ضمن “قوات سوريا الديمقراطية”، والمعدات العسكرية التي تملكها، من مدرعات ودبابات، أقل بكثير من تلك التي تملكها القوات العراقية.
وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم الدولة يتوخى الأساليب الدفاعية ذاتها، التي تتمثل أساسا في الهجمات الانتحارية، والسيارات المفخخة، والقناصة، فضلا عن الطائرات المقاتلة، إضافة إلى اعتماده على الخلايا النائمة التي تختبئ وسط الأماكن التي تسيطر عليها المليشيات الكردية.
خلال الأسابيع الأخيرة، فرّ آلاف المدنيين من الرقة في الليل، الذي كان محفوفا بالمخاطر. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” أن أطباءها عالجوا أكثر من 400 مصاب من المدنيين
في الواقع، تتراوح تقديرات عدد المدنيين المحاصرين داخل الرقة ما بين 10 آلاف و25 ألف، ومع احتدام المعارك، بدأ الكثيرون منهم يحاولون الهروب من المدينة. ووفقا لتقديرات منبثقة عن مبادرة ريتش، التي تعتبر من إحدى المجموعة الاستقصائية غير ربحية، تم إخلاء 14 حيا من أحياء المدينة التي يصل عددها إلى 24. أما بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون يعيشون في المدينة، فهم يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية، وارتفاع مشط في أسعار ما وُجد منها، خاصة في ظل الغارات الجوية اليومية التي تجعل من إمكانية ذهاب السكان إلى السوق صعبة.
وفي هذا الصدد، صرّح بعض السكان بأن أرفُف مطابخهم لا تُملأ إلا إذا هرب بعض جيرانهم. كما أضاف تيم رمضان، وهو ناشط إعلامي يعمل تحت اسم مستعار، أن الأسرة المجاورة لبيته قد تركت لديه مفتاح بيتها وسمحت له بأخذ ما يحتاج، وقد اضطر بالفعل إلى الدخول إليه بحثاً عن الطعام، فلم يجد شيئاً في المطبخ كما أكد هذا الناشط أن جل ما وجده كان عبارة عن خبز متعفن وزيتون وزعتر ومعكرونة وشعيرية، علما بأنه، “لم يأكل شيئا منذ عدة أيام”.
خلال الأسابيع الأخيرة، فرّ آلاف المدنيين من الرقة في الليل، الذي كان محفوفا بالمخاطر. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” أن أطباءها عالجوا أكثر من 400 مصاب من المدنيين من جرّاء المعارك وإطلاق النار والألغام الأرضية. وبعد علاج الأطفال عبر العيادات ومخيمات اللاجئين المدعومة دوليا، بين الأطباء أن الأطفال يعانون من آثار صدمة شديدة جراء المعارك.
في هذا الصدد، أكّد أحد أطباء وكالة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسف)، راجيا شرهان، أن “هناك إصابات لأطفال لا تتجاوز أعمارهم السنتين؛ “فماذا فعل هؤلاء؟ سوى أنهم لم يستطيعوا الفرار واضطروا للاستسلام”. وأضاف شرهان أن “ما تراه في عيونهم هو الصدمة، لقد نجوا من القصف، وهربوا مع أمهاتهم، لكنهم ظلوا يسمعون صراخاً بشكل متكرر، لقد فقدوا طفولتهم بالفعل”.
والجدير بالذكر أن وكالات الإغاثة الدولية سبق أن حذرت من مخاطر معركة الرقة على الأطفال، خاصة أن المدينة تخضع لسيطرة التنظيم منذ ثلاثة أعوام. ويقدر مسؤولون في الخارجية الأمريكية أن تستغرق معركة الرقة شهوراً وسنوات أخرى لإزالة الذخائر غير المتفجرة، والفخاخ التي نصبها التنظيم بعد سنوات من سيطرته على المدينة.
من المحتمل أن يجبر عشرات الآلاف من المدنيين في المنطقة على أن يصبحوا أهدافا عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف، التي تقودها الولايات المتحدة.
وتماماً كما هو الحال في مدينة الموصل العراقية، من المحتمل أن يكون التنظيم قد تمكن من إخفاء الألغام المزروعة وغيرها من الأجهزة التي ستشوه الناس وتقتلهم بعد فترة طويلة من انتهاء المعركة. وبحسب المتحدث باسم التحالف الدولي، ريان ديلون، فإن نحو 80 بالمائة من الهجمات التي نفذها التنظيم ضد “قوات سوريا الديمقراطية” ناجمة عن أجهزة متفجرة بعضها وُضع في المنازل التي اختبأ مقاتلو التنظيم فيها.
وفي الوقت الذي يدافع فيه عمّا تبقى من الخلافة التي أعلنها، كثفت القوات المهاجمة من ضغوطها على تنظيم الدولة. أما في العراق، فقد تنظيم الدولة السيطرة على مدينة الموصل، خلال الشهر الماضي، بعد معركة استمرت تسعة أشهر، دمرت مساحات واسعة من المدينة العراقية.
وفي سوريا، تشير الكثير من الدلائل إلى أن التنظيم يواجه أزمة متفاقمة تتمثل في غياب المجندين. وهو ما اضطره، في الأسبوع الماضي، إلى نشر إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي حول التجنيد الإلزامي في المناطق الخاضعة لسيطرته، الذي سيشمل الرجال ممن تراوح أعمارهم بين 20 و30، وخاصة في مدينة دير الزور الشرقية وما حولها.
وبناء عليه، يشير هذا إلى أنه من المحتمل أن يجبر عشرات الآلاف من المدنيين في المنطقة على أن يصبحوا أهدافا عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف، التي تقودها الولايات المتحدة. وفي رسالة واتسآب أرسلها شخص يبلغ من العمر 25 سنة اشترط عدم ذكر اسمه، في وقت متأخر ليلة السبت الماضي، أعرب هذا الشخص عن أنه “خائف مما سيأتي”. وأضاف المصدر نفسه أن “لدينا أقل من أسبوع للهرب من هنا وإلا سنُؤخذ بالقوة للمحاربة في صفوف التنظيم”.
المصدر: واشنطن بوست