زيارتان متتاليتان لم يفصل بينهما إلا أيام قليلة تلك التي أداها وفدان تونسيان معززان بوجوه نقابية وسياسية معروفة بمواقفها المساندة للإجرام الذي يمارسه النظام السوري على شعب أعزل خرج ذات ربيع عام 2011 للمطالبة بحقوقه كغيره من الشعوب العربية التي سبقته في مصر وتونس وليبيا واليمن.
الوفدان التونسيان اللذين زارا العاصمة السورية دمشق للقاء بشار الأسد ثم خرجا تحت حراسة مشدّدة لأخذ الصور التذكارية في مدينتي دمشق وحلب اللتين أضحتا ركامًا وخرابًا بسبب القصف البربري الهمجي الذي طال عشرات آلاف المدنيين ممن تركوا بيوتهم وممتلكاتهم غنيمة نهبها “حماة الوطن” ومليشيات إيران، اختارا الاصطفاف مع النظام السوري لتحقيق منافع شخصية ومكاسب سياسية بهدف توريط حركة النهضة في ملف تسفير الشباب التونسي للقتال في سوريا.
نهاية شهر يوليو الماضي، وبعد تنسيق كبير في الخفاء، زار وفد نقابي بقيادة الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سوريا للقاء الأسد وشدّ أزره في حربه على شعبه والزعم بأن التونسيين يقفون معه قلبًا وقالبًا أمام المؤامرة الكونية على قوى “المقاومة” و”الممانعة” التي باعت الجولان وقبضت ثمنه ليرات معدودات حازت مكانها في جيوب المسؤولين السوريين وعلى رأسهم حافظ الأسد.
المسؤول النقابي الذي فازت المنظمة التي يمثلها قبل نحو عامين بجائزة نوبل للسلام، شدد على أن الزيارة كانت مهمة جدًا وأكد خلالها للقيادة السورية دعم الاتحاد لها
الزيارة التي احتفى بها الإعلام التونسي جاءت لتؤكد أن الله لطف بالتونسيين وقذف في قلب ابن علي الرعب للهروب من تونس إلى السعودية، لأنه لو بقي لوقف جميع “المقاومين” و”الممانعين” صفًا واحدًا معه في قمع الاحتجاجات الشعبية السلمية التي خرجت للمطالبة بأبسط مقومات العيش الكريم.
بعد زيارته بأيام قليلة، خرج الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل بوعلي المباركي مفتخرًا بالمهمة القذرة التي قام بها صحبة الوفد المرافق له، حيث قال في تصريحات نشرتها المنظمة النقابية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إن الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من الاتحاد إلى سوريا حققت أهدافها على المستوى الوطني والدولي، مشيرًا إلى أنه من خلال هذه الزيارة تم كسر الحصار الإعلامي على سوريا، وكأنه بذلك تناسى دور قنوات “الميادين” و”العالم” وغيرها في تلميع نظام الأسد والدفاع عنه وعن المجازر التي ترتكبها قواته في كل أنحاء البلاد.
المسؤول النقابي الذي فازت المنظمة التي يمثلّها قبل نحو عامين بجائزة نوبل للسلام، شدد على أن الزيارة كانت مهمة جدًا وأكد خلالها للقيادة السورية دعم الاتحاد لها مع الزعم أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لا يمثل التونسيين، قائلاً: “قطع العلاقات مع سوريا موقف مخالف وخاطئ لا يتماشى مع وجدان ونبض الشارع التونسي”، متناسيًا أن هذا الشعب الذي يتحدث باسمه لم يفوضه وغيره للحديث باسمه خاصة أنه سحب البساط من الاتحاد الذي يقود البلاد إلى المجهول بسبب تغليب المصلحة الفردية على المصلحة الجماعية.
كنّا نتمنى أن يتوقف المباركي في تصريحه المليء بالهفوات والكبوات عند الحديث باسم التونسيين دون اتهام المجموعات الرافضة لزيارة الاتحاد إلى سوريا بأنها مجموعات تنتمي إلى مجموعات سلفية إرهابية لا تريد أن يكون للأقطار العربية أوطان، لأن هذه الأسطوانة المشروخة أضحت بالية وغير مقنعة خاصة إذا ما ردّدها “القوميون العروبيون” المرتمين في أحضان إيران الفارسية.
من العار على تونس الثورة التي خرج شعبها في شتاء 2010، مساندة نقابييها ومن بعدهم عدد من برلمانييها طاغية لم يرقب في البشر والحجر والبشر إلا ولا ذمة
يبدو أن النقابيين التونسيين الذين اقترب عددهم من الثلاثين خلال “حجّهم” إلى سوريا، غلطوا في أنفسهم أكثر من اللازم وتناسوا عدد القتلى المهول الذي أسقطته طائرات الأسد وحلفاؤه، كما تناسوا أن الأخير فتح بلاده أمام كل الغزاة عربٍ وفرسٍ وعجمٍ لتقسيمها وتفتيت ما يمكن تفتيته بدعوى محاربة الإرهاب والتطرف وإفشال المؤامرة على “قوى المقاومة” و”الممانعة”.
بزيارة قيادييه إلى سوريا لملاقاة بشار الأسد وتأييده ومباركة أعماله، أثبت الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ثار مؤسسه فرحات حشاد ضد الاستعمار الفرنسي وقتل بسبب ذلك، أن حصوله على جائزة نوبل للسلام لم يكن إلا خطأ وتكريمًا له لجهوده في إقصاء الإسلاميين من الحكم وإغراق البلاد في فوضى الاحتجاجات والاعتصامات إبان فترة حكم الترويكا، خاصة أن السلام والإجرام الذي يقوم به نظام بشار الأسد خطات متوازيان يتقابلان ولا يلتقيان.
إنه لمن العار على تونس الثورة التي خرج شعبها في شتاء 2010، مساندة نقابييها ومن بعدهم عدد من برلمانييها طاغية لم يرقب في البشر والحجر والبشر إلا ولا ذمة، كما أنه من غير المعقول أن يعلن “العروبيون” تأييدهم ومباركتهم لمشروع فارسي في طريقه لالتهام المنطقة وتغيير هويتها، لأن في ذلك تناقضًا واضحًا لا يمكن تفسيره مهما حاول البعض الكذب على البسطاء بالزعم أن بشار الأسد يخوض حربًا ضد المشروع الصهيوني في المنطقة نيابة عن العرب أجمعين.