يسعى الأكراد أو “الكرد” للحصول على الاستقلال وتحقيق حلمهم بإنشاء كردستان الكبرى، بعدما دفعوا الثمن غاليًا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ تم تقسيم أرضهم والتنكيل بهم ومنعهم من نيل أبسط الحقوق الإنسانية ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، كما كانت النعرات القومية التي انتشرت في الشرق الأوسط في بدايات القرن العشرين سببًا رئيسيًا في المأساة التي مروا بها.
اليوم إقليم “كردستان العراق” هو الأقرب لتحقيق هذا الحلم الذي طال انتظاره من قبلهم، فالإقليم أصبح له جيشًا قويًا وله برلمان تشريعي اجتمع فيه القوميون والإسلاميون وغيرهم، كذلك لديهم نفط كركوك الكفيل بأن يحقق لهم الاستقلال من الناحية الاقتصادية.
ويتمتع إقليم كردستان – المكون من ثلاث محافظات في شمال العراق – بحكم ذاتي منذ العام 1991، ويعيش فيه 4.6 ملايين نسمة، وقد أكد مسعود بارزاني، رئيس الإقليم أن الحدود الموروثة من اتفاقيات سايكس بيكو هي حدود مصطنعة والحدود الجديدة في المنطقة تُرسم بالدم داخل الدول أو بينها.
الاستفتاء
ومن المقرر أن يعقد الاستفتاء في 25 من سبتمبر 2017، هذا الاستفتاء قد تأجل عدة مرات سابقًا، تارة بسبب الخلافات مع حكومة بغداد وتارة بسبب الحرب ضد تنظيم الدولة، وقد أكد رئيس وزراء كردستان العراق نيجيرفان بارزاني في أواخر أكتوبر 2016 أن الاستفتاء لن يعقد إلا بعد تحرير الموصل.
الولايات المتحدة عارضت الاستفتاء في الوقت الحالي، والمعلوم أنها تخطط لتقسيم الشرق الأوسط سرًا وإنها الحليف الأبرز للأكراد، ولكنها اعتبرت أن إجراء الاستفتاء في الوقت الراهن سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار
وكان استفتاء أُجري في إقليم كردستان عام 2005 على الاستقلال بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية في عموم العراق، وأسفر عن تصويت 98% من الكرد لصالح الاستقلال، ولكن النتيجة لم تُترجم إلى استقلال على أرض الواقع.
وفي محاولة لتخفيف المخاوف المحلية والإقليمية، قال القيادي البارز في إقليم كردستان هوشيار زيباري في تصريحات سابقة إن التصويت المتوقع بنعم في الاستفتاء سيعزز موقف الإقليم في المفاوضات مع حكومة بغداد، ولكنه لن يؤدي إلى الانفصال تلقائيًا، ولا يعني أن يضم الأكراد منطقة كركوك أو ثلاث مناطق أخرى متنازع عليها مع الحكومة.
وُلدت لأنجز استقلال كردستان
رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني يرى بأن استفتاء استقلال الإقليم “حق طبيعي وقانوني” للشعب الكردي، وأن الكرد يريدون التفاوض بشأن نتائج الاستقلال بطريقة سلمية من خلال الحوار وليس العنف، مؤكدًا أنه ولد لينجز استقلال كردستان، وقال: “على المجتمع الدولي تقبُّل أن سوريا والعراق لن يعود أي منهما دولة موحدة من جديد”، وأضاف “سواء قَبِل قادة العالم أو لم يقبلوا، فإن حلم الأكراد بتشكيل كردستان المستقلة سيصبح حقيقة في السنوات العشرة القادمة”.
وأوضح رئيس إقليم كردستان أن الهدف من الاستفتاء أن يكون لدى القيادة الكردية تفويض من الشعب وأن يعرف اللاعبون الداخليون والخارجيون ما يريده الشعب الكردي، وبعد أن يقرر الشعب ويصوّت “سيكون أول مكان نبدأ مفاوضات سلمية جدية معه هو بغداد، لتحقيق أماني الشعب وتلبيتها”، مؤكدًا أن الاستفتاء على الاستقلال، ونتيجته يجب أن تُنفذ، والاستفتاء ضروري لتمكين الشعب الكردي من تقرير مصيره وأنه توصل منذ فترة طويلة إلى الاعتقاد بأن بغداد لا تقبل بشراكة حقيقية ذات معنى معنا، ونحن لا نريد القبول بأن نكون خاضعين لهم، وهذا إنما هو لمنع حدوث مشكلة أكبر، ولمنع وقوع حرب دموية وتردي الأمن في المنطقة بأكملها.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
الولايات المتحدة عارضت الاستفتاء في الوقت الحالي، والمعلوم أنها تخطط لتقسيم الشرق الأوسط سرًا وأنها الحليف الأبرز للأكراد، ولكنها اعتبرت أن إجراء الاستفتاء في الوقت الراهن سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وفق الجدول الزمني السريع هذا لا سيما في المناطق المتنازع عليها (كركوك – خانقين – سنجار – مخمور) سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل ملموس.
رفضت بغداد خطة الأكراد وقالت الحكومة العراقية إن أي موقف أو خطوة تتخذ من أي طرف في العراق يجب أن تكون مستندة إلى الدستور
مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تقريرًا لها بعنوان “لا يوجد دعم دولي للاستفتاء الكردستاني” جاء في مطلعه: “انضم الاتحاد الأوروبى إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا والعراق لثني الأكراد العراقيين عن إجراء الاستفتاء”، فيما قال ممثل حكومة إقليم كردستان في واشنطن بيان سامي عبد الرحمن إن ذلك كان متوقعًا ولن يثني ذلك السلطات الحكومية الإقليمية في أربيل عن إجراء الاستفتاء.
طهران وبغداد
في سياق متصل، رفضت بغداد خطة الأكراد وقالت الحكومة العراقية: “أي موقف أو خطوة تتخذ من أي طرف في العراق يجب أن تكون مستندة إلى الدستور، وأي قرار يخص مستقبل العراق يجب أن يراعي النصوص الدستورية ذات الصلة”.
ولا بد أن نعلم أن هناك مناطق متنازع عليها، ومن هذه المناطق ما يقع خارج حدود إقليم كردستان الرسمية، لكن الأكراد يسيطرون عليها، ويقولون إنها أراضي كردية، ومن المتوقع أن يصل الأمر إلى حد الاقتتال لحسم مصير هذه المناطق في حال الاستقلال.
أما الخارجية الإيرانية فأكدت أن العراق الموحد والمستقر والديمقراطي يضمن مصالح الشعب العراقي ومكوناته العرقية والدينية، وشدّدت على أن إقليم كردستان جزء لا يتجزأ من العراق، وأرسل خامنئي، قائد فيلق القدس قاسم سليماني قائد المعارك الإيرانية في سوريا والعراق ليلتقي قادة الإقليم ولعل في ذلك رسالة إيرانية شديدة الحزم للأكراد، خصوصًا أن النظام الإيراني يدرك جيدًا أن استقلال كردستان العراق سيعني استقلال إقليم كردستان إيران.
مستقبل العلاقات بين أربيل وأنقرة
وقد وصفت تركيا الحليف الاقتصادي الأكبر لإقليم كردستان إجراء الاستفتاء بـ”اللامسؤول” وبأنه “خطأ فادح”، ولن يصبّ في صالح العراق مثلما أنه لن يكون لصالح إقليم كردستان.
ومع هذا فنائب حزب العدالة والتنمية الحاكم أورهان أتالاي أيد استفتاء الاستقلال، مشيرًا إلى أن كردستان العراق ليست مضطرة للحصول على إذن لعقد هذا الاستفتاء، لينضم بهذا إلى نائب آخر من حزب العدالة والتنمية هو أنصاري غالب أوغلو، وأفاد أتالاي أن الاستفتاء الذي سيشهده شمال العراق حق أساسي سيقرر سكان شمال العراق من خلاله مصيرهم، ويجب النظر إلى الأمر باعتباره حقًّا كفله المولى عز وجل لعباده، مؤكدًا أنه في أثناء رسم الحدود الجغرافية في المنطقة لم يرتكز الأمر على الدين أو العرق أو السمات الاجتماعية.
القيادات الكردية تدرك جيدًا أن حكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة حكومة استبدادية استئصالية، وهم يعلمون أن الأطماع الإيرانية وأهداف المليشيات الشيعية العراقية في نشر التشيع في الإقليم الكردي
وأوضح أتالاي أن تركيا لن تغلق أبوابها في وجه جيرانها في حال الموافقة على استقلال كردستان العراق، ولن تقطع علاقاتها مع إقليم كردستان العراق أيًا كانت النتيجة قائلاً: “لأن سماتنا الاجتماعية واحدة، فعلى الجانب الآخر من نهر دجلة ينتظر شقيق شقيقه الآخر على الجانب المقابل من النهر، وبالتالي ليس من الممكن فصل الأشقاء والأقارب عن بعضهما البعض”.
وأعلن أتالاي أنه لا يتوقع أن تفرض تركيا حصارًا على دولة كردستان التي ستتأسس في العراق بعد الاستفتاء، هذا وذكر أتالاي أن احتمالية سعي أكراد تركيا للانضمام إلى كردستان العراق بعد انفصاله ليست مطروحة وواردة.
تركمان العراق
الشارع التركماني ينقسم إلى فريقين أحدهما يؤيد المشاركة في الاستفتاء فيما الفريق الآخر لا يزال متحفظًا، حيث أعلن حزب الشعب التركماني ومقره كركوك تأييده لإجراء استفتاء يفضي لاستقلال إقليم كردستان عن العراق.
استقلال كردستان العراق قد يؤدي لقلاقل كبيرة في إيران والعراق وسوريا وتركيا، أو في بعض هذه الدول على الأقل، وقد يكون مقدمة لإعادة ترسيم الحدود في المنطقة
أما الجبهة التركمانية العراقية التي تربطها صلات وثيقة مع تركيا، أعلنت مرارًا تحفظها على إجراء استفتاء كردستان وبخاصة في كركوك.
الصراع بين القيادات الكردية
من العوائق الكبيرة لاستقلال الإقليم والصراع بين القيادات الكردية، فهناك خلافات كبيرة بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني (نفوذه مدينة السليمانية) من جهة، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني (نفوذه مدينتي دهوك وأربيل)، ولكل منهما قوات عسكرية خاصة بهما، وقد وصل الأمر للتصادم عسكريا بينهما عام 1996م.
الإصرار على الانفصال
القيادات الكردية تدرك جيدًا أن حكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة حكومة استبدادية استئصالية، ويعلمون الأطماع الإيرانية وأهداف المليشيات الشيعية العراقية في نشر التشيع في الإقليم الكردي، وقد اغتيل المئات من الأكراد السنة في بغداد وديالى ومدن أخرى على أيدي المليشيات الشيعية، فالأكراد في العقيدة الشيعية يعتبرون من الجن! ورغم الرفض الإقليمي، فإن الأكراد سيمضون في طريقهم لتحقيق حلمهم الكبير، ولكن في الوقت نفسه فإن احتمالات الصدام العسكري واردة وبقوة في المناطق المتنازع عليها وخصوصًا في كركوك وسنجار.
استقلال كردستان العراق قد يؤدي لقلاقل كبيرة في إيران والعراق وسوريا وتركيا، أو في بعض هذه الدول على الأقل، وقد يكون مقدمة لإعادة ترسيم الحدود في المنطقة، والانفصال رغم كل ما سبق ذكره كذلك ليس حتميًا، فمن الممكن لأربيل أن تصل لصيغة تفاهم مع الحكومة المركزية في بغداد، بحيث لا يتدخل أحدهما في شؤون الآخر وذلك ضمن غطاء الدولة العراقية (أي دون الاستقلال)، والأطراف جميعها اليوم في العراق لا تريد حربًا جديدة لأن الحروب أنهكتها وتسببت في وضع مأساوي لبلاد الرافدين.
أخيرًا إن استقل إقليم كردستان العراق، فلن يكون هذا بجديد، لأنه عبر التاريخ، كان إقليمًا مستقلاً يحكم ذاتيًا ويتبع الأنظمة الحاكمة سواء في دمشق أو بغداد أو إسطنبول، والأكراد مكون أصيل من مكونات هذا المشرق.