على الرغم من تأكيد حركة حماس أن زيارة وفدها لإيران جاءت تلبية لدعوة وجهت لرئيس الحركة إسماعيل هنية لحضور مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني، فخلفيات الزيارة تدل على عودة علاقة حماس بإيران بقوة بعد رحيل خالد مشعل عن رئاسة المكتب السياسي لحماس، والذي اعتبرته إيران العقبة الأساسية في علاقتها مع حماس، حيث كان يعول أكثر على المحور الخليجي للخروج من أزمة حركته في قطاع غزة.
رحيل مشعل لم يكن أيضًا المفتاح الرئيسي لعودة البوابة الإيرانية الحمساوية لفتح العلاقات من جديد، بل إن التغيرات الجذرية في طبيعة العلاقة بين السعودية والإمارات من ناحية وحماس من ناحية أخرى، اضطر الحركة للتوجه بقوة لإيران للإبقاء على الدعم العسكري والحصول على الدعم المالي، بعد إغلاق الأبواب في وجهها من قبل الخليج.
حماس التي اختارت وفدًا رفيع المستوى من اللجنة التنفيذية لمكتبها السياسي برئاسة عزت الرشق وحضور صالح العاروري وزاهر جبارين وأسامة حمدان، وكلهم من الصف القيادي الأول، تسعى بقوة لتجدد العلاقة مع إيران للخروج من أزمتها الحادة في قطاع غزة والخارج، حيث يرى مدير تحرير صحيفة فلسطين التابعة لحماس إياد القرا أن “هذه الزيارة تمهد لزيارات جديدة من حماس لطهران تتضمن رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، وهي تأتي كبديل عن انسداد الأفق مع الخليج”.
الوفد ضم شخصيات على علاقة مباشرة مع طهران طول الفترة الماضية، ودرجة الترحيب العالية التي تلقاها الوفد من إيران مهمة
وقال القرا لـ”نون بوست”: “هناك دعم إيراني جديد لحركة حماس بواسطة من حزب الله في لبنان، حيث إن العلاقة بين حزب الله وحماس استمرت رغم القطيعة مع النظام السوري، وحماس ليست مضطرة للتمسك بموقفها من الصراع في سوريا نتيجة لتغير طبيعة الصراع السوري ودخول أطراف جديدة لها أجندة بعيدًا عن الثورة السورية”.
وأضاف القرا: “الوفد ضم شخصيات على علاقة مباشرة مع طهران طول الفترة الماضية، ودرجة الترحيب العالية التي تلقاها الوفد من إيران مهمة، وأتوقع زيادة في الدعم الإيراني ليس فقط المالي بل والعسكري”.
لكن عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ذو الفقار سويرجو اختلف تمامًا مع القرا في رأيه من تداعيات زيارة حماس لطهران، فقد اعتبر الزيارة متأخرة جدًا، ولن تغير من وضع حماس على الإطلاق بل ستبقى حماس رهينة لدى كل طرف له مصالح تكتيكية معها، مع استحالة أن تكون حماس جزءًا من محور الهلال ولا المحور السني لأن تجاربها السابقة ولدت عدم ثقة الأطراف بها، وما زالت تراوح مكانها في العلاقة مع مصر والإمارات أو العلاقة مع إيران.
وقال سويرجو لـ”نون بوست”: “حماس في مأزق كبير وتحاول كسر الحصار بكل الطرق وتحاول تجاوز أخطائها القاتلة التي أوصلتها إلى هذه الحال، بدءًا من موقفها من الصراع في سوريا، ثم خسارة أهم قاعدة ارتكاز لصالح مشروع الإخوان المسلمين في مصر وتونس وتركيا وقطر”.
حماس تفضل أن يكون لها قنوات قوية مع الخليج، لكن السعودية والإمارات لا تريد علاقة مع حماس فهي تفضل الرؤية الأمريكية والعلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي عليها
وأضاف سويرجو: “ستشهد الفترة القادمة تراجعًا في قوة حماس، وانشقاقًا سياسيًا خصوصًا في موقف قيادة حماس في الضفة الغربية من المصالحة مع الرئيس عباس”.
وحذفت جريدة “الرياض” السعودية خبرًا وصفت فيه حركة حماس بـ”الإرهابية”، بعد أن أثار موجة استنكار على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وكانت الجريدة السعودية نشرت تقريرًا يعلق على زيارة وفد حماس لإيران بعنوان “وفد من قيادة حركة حماس الإرهابية يحضر مراسم تنصيب الرئيس الإيراني روحاني”.
الكاتب والمحلل السياسي ومدير المركز الشبابي الإعلامي الفلسطيني إبراهيم المدهون قال لـ”نون بوست”: “حماس تفضل أن يكون لها قنوات قوية مع الخليج، لكن السعودية والإمارات لا تريد علاقة مع حماس فهي تفضل الرؤية الأمريكية والعلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي عليها، ولا تنظر إلى الصراع مع الاحتلال على أنه صراع وجود يستوجب إزالة الاحتلال الإسرائيلي من المنطقة، في الوقت الذي تتطابق فيه الرؤية الإيرانية مع رؤية حماس من الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك إيران ستدعم حماس بالسلاح دون أي اعتبار للموقف الأمريكي من ذلك”.
واعتبر المدهون أن “أكثر دولة ممكن أن تستفيد منها حماس في المرحلة المقبلة إيران، وخصوصًا على مستوى الدعم العسكري، حيث تتعامل إيران مع حماس على أعلى المستويات السياسية، وستشكل إعادة العلاقة معها ورقة ضغط قوية لحماس في مواجهة أزماتها”.
الشعب الفلسطيني في غزة يعاني الأمرَّين، وليس بحاجة إلى مزيد من المعاناه المترتبة على اعتماد سياسة محاور عقيمة تضع القرار الفلسطيني بيد قوي إقليمية تستخدمة ولا تحافظ عليه مثل إيران
وعن تأثير عودة العلاقة بشكل مباشر بين حماس وإيران على الوضع في قطاع غزة خصوصًا قال المدهون: “لن يكون للزيارة تأثير مباشر قريب على الوضع الاجتماعي والسياسي في غزة، واقع غزة مرتبط أكثر بالعلاقة مع مصر، ولكن ستفيد الزيارة بمراكمة قوة حماس العسكرية، وإيران لها تأثير أكثر على العمق السياسي والاستراتيجي لحماس وليس التفصيلي”.
أما المختص والباحث في الاقتصاد السياسي نور الدين أبو عجوة فقال لـ”نون بوست”: “الشعب الفلسطيني في غزة يعاني الأمرَّين، وليس بحاجة إلى مزيد من المعاناه المترتبة على اعتماد سياسة محاور عقيمة تضع القرار الفلسطيني بيد قوي إقليمية تستخدمة ولا تحافظ عليه مثل إيران”.
وأشار أبو عجوة إلى أن “الوضع المترتب على العلاقة مع دول العالم السني أفضل بكثير من التبعات المترتبة على العلاقة مع إيران، فالدور الإيراني في العالم العربي واضح بتقسيم العراق وسوريا واليمن بمعية الأمريكان، والعبث بأمن المنطقة العربية من خلال أذرعها المعروفة، وهذا قد يضع حماس في خانة الخطر”.
موعد الزيارة العلنية بهذا الوضوح ارتبط ارتباطًا كليًا بانسداد الأفق أمام حماس على الأصعدة كافة، ففي الوقت الذي يصعِّد فيه الرئيس محمود عباس من إجراءاته ضد غزة خصوصًا مسألة الرواتب والمساعدات، لا تثق حماس بالكامل بحراكها تجاه دحلان، ولم تتوصل إلى خطوط تلاق مع السعودية والإمارات واللاتي وصفنها بالإرهابية.