تعد الأوبئة الخبيئة التي تنتشر فجأة وتثير الخوف والهلع على مستوى العالم، ذو تكلفة اقتصادية كبيرة سواء على دول المرسلة للفيروس أو الدول المستقبلة له. تلك الأوبئة تسبق جهود العلماء والباحثين في مجال الطب فيظهر الوباء بدون وجود أي مصل له، وهو ما يضاعف التكلفة الاقتصادية. وعندها يبدأ سباق بين الباحثين في مجال الطب وشركات الدواء العالمية بالبحث عن التركيبة الدوائية لإنتاج مصل لمقاومة المرض.
الأثر الاقتصادي
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأثر الاقتصادي يتعاظم مع الأوبئة ذات معدل الانتشار المرتفع، مقارنة بالأوبئة الأكثر خبثًا. لذا فإن الحرص يجب أن يكون أكبر مع الوباء السريع الانتشار، حتى لو كان أثره المباشر أقل خبثًا من غيره الذي لا ينتشر بسرعة. وهذا طبيعي، لأن القدرة على الانتشار السريع مؤثرة دائمًا، سلبًا أو إيجابًا.
وأيًا كان الوباء فإن تقييم أثره الاقتصادي يُقيم بحسب نسبة الإصابة بالمرض، ونسبة من نفقد خدماتهم. ويدخل في ذلك تقدير نسبة الغياب الناتجة عن الإصابة أو للوقابة من الإصابة، وساعات العمل الضائعة والفرص المفقودة. فإصابة 10% من سكان بلد ما، قد تعني إصابة نسبة من القوى العاملة في تلك البلد وبالتالي تعطل الأعمال والإنتاج وفقدان موارد بشرية قادرة على العمل، وهي عناصر اقتصادية قابلة للاحتساب. ويتم عادة تقدير هذه الأرقام بناء على معدلات الإصابة التي تخرج بها وزارات الصحة في البلدان التي انتشر بها الوباء
ومن التكاليف الحتمية في حالات انتشار الأوبئة، تكاليف الوقاية التي تنقسم بين تناول الأمصال والتعزيزات الغذائية، وحملات التوعوية في الإعلام التي تندرج تحت التكاليف الإعلامية.
كما تظهر أشكال الوقاية في المجتمع، عبر تغيير سلوك الأفراد كزيادة ساعات المكوث في المنزل أو تغيير وجهات السفر أو حتى الغياب عن ممارسة العمل والدراسة. وهذه الأمور لها تأثيرات في النشاط الاقتصاد العام. أما ما يخص تكاليف العلاج، فتتكلف الدولة الكثير من الأموال لقاء الوقاية من الوباء، كاستنفار النظام الصحي وإبرام عقود استيراد الأمصال والمواد وزيادة ساعات العمل وتكاليف أخرى. والمعلوم أن التكلفة تتضاعف عشرات المرات كلما تضاعف عدد المصابين.
منظمة الزراعة الهولندية ذكرت أنه تم إعدام 300 ألف دجاجة حتى الآن بسبب انتشار تلوث في البيض
تفيد منظمة الصحة العالمية في تقاريرها أن الكوارث والطبيعة والأمراض الفتاكة والأوبئة التي ظهرت في السنوات العشر الأخيرة، كانت لها تداعيات اقتصادية مؤثرة، أضرت بالمشروعات المستقبلية، فبدلا من التوجه نحو المستقبل أصبح من الضروري التوقف لمعالجة آثارها الناجمة التي انعكست سلبًا على البيئة والاقتصاد والحياة الاجتماعية.
تلوث بيض الدجاج
انتشرت في هذه الآونة في أوروبا فضيحة تلوث الملايين من بيض الدجاج بمادة سامة تؤثر على صحة الإنسان. وقد تم تصدير البيض إلى عدد من الدول الأوروبية ما أثار الذعر في الأسواق خصوصًا في ألمانيا وهولندا وبلجيكا والسويد وسويسرا، وراكم الخسائر لدى المستوردين والمطاعم والمتاجر الكبرى الأوروبية التي قامت بإتلاف البيض الملوّث.
منظمة الزراعة الهولندية ذكرت أنها قد تعدم ملايين الدجاج، وأضافت أنه تم إعدام 300 ألف دجاجة حتى الآن. في حين أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الأمر قد يتطلب إعدام ملايين الدجاج في 159 شركة في هولندا، وهو ما كبد مربو الدجائن في هولندا خسائر قدرت بملايين اليوروات.
إنفلونزا الطيور
تعد التجربة الآسيوية مع إنفلونزا الطيور من أقسى الحوادث العالمية في العقد الأخير، تقول إحدى التقديرات إن الخسائر بلغت خلال سنة واحدة ما يعادل 2 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي أو ما يقارب 800 مليار دولار. تتنوع هذه الآثار، بعضها مباشر والآخر طويل الأمد يستمر لسنوات أو عقود.
حيث كلف إنفلونزا الطيور الاقتصاد الآسيوي أكثر من ستين مليار دولار، بعدما شل الحركة في العديد من الدول الكثيفة السكان ودفع دولاً مثل الصين إلى إنفاق أموال طائلة في كل المرافق العامة وتوزيع الأقنعة على المواطنين، بالإضافة إلى شن حملة تطعيم واسعة، مع ما رافق ذلك من حرمان من عوائد السياحة وتقلص ساعات العمل وتأثر معدلات النمو والعمل والإنتاج.
سجلت هونغ كونغ منذ العام 1997 أولى الإصابات بإنفلونزا الطيور عالية العدوى للبشر، وهي المرة الأولى التي يعثر فيها على حالة انتقال مباشر لإنفلونزا الطيور إلى البشر. ومنذ ذلك الوقت انتشر في أماكن عدة حول العالم، مثل فرجينيا بالولايات المتحدة في 2002 وهولندا في 2003 وفيتنام وتايلند في 2004.
ومرض إنفلونزا الطيور هو مرض فيروسيّ معد يصيب الطيور بشكل أساسي، وقد ينتقل إلى البشر، ويتطور مسببًا الوفاة. ينتشر هذا الفيروس بين الطيور الدّاجنة، كالدّجاج، والبطّ، والإوز، والطّيور المائيّة التي تهاجر من مكان لآخر، فتحمل معها الفيروس وتنقله من مكان لآخر.
جنون البقر
تم تشخيص هذا المرض لأول مرة عند بعض الأبقار في بريطانيا في عام 1986، ثم انتشر في مناطق ودول أخرى في أوروبا والعالم. وقد أدى هذا المرض إلى أزمة اقتصادية عُرفت باسم (أزمة جنون البقر)، وتسببت بتدهور وانهيار سوق تجارة لحوم الأبقار في البلدان التي ظهر فيها مرض جنون البقر، وخاصة بريطانيا، حيث توقف المستهلكون عن شراء اللحوم المستوردة من تلك البلدان التي انتشر في ذلك المرض. كما أن بعض الدول كفرنسا حظرت استيراد لحوم الأبقار من بريطانيا. وفي عام 1996 قام الاتحاد الأوروبي بحظر استيراد لحوم الأبقار من بريطانيا، مما أدى إلى تفاقم الأزمة وانهيار سوق الأبقار فيها.
إحدى التقديرات تقول إن الخسائر بلغت خلال سنة واحدة ما يعادل 2 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي أو ما يقارب 800 مليار دولار. تتنوع هذه الآثار، بعضها مباشر والآخر طويل الأمد يستمر لسنوات أو عقود.
وقال مركز الأبحاث البريطاني حول الاقتصاد والأعمال، أن الخسائر وصلت في عام 2001 إلى 9 مليارات جنيه استرليني حوالي 13 مليار دولار أي ما يمثل 1.1% من إجمالي الناتج المحلي،وأوضح المركز أن خسائر المزارعين وحدها ستبلغ 6.3 مليارات جنيه يضاف إليها 4.5 مليارات جنيه ناجمة عن ارتفاع اسعار المواد الغذائية وإلغاء الحجوزات السياحية. كما يضاف إليها مبلغ 7.2 مليار جنيه يمثل ربحا فائتا بالنسبة للدولة هو قيمة العائدات الضريبية التي ستخسرها خلال السنة الحالية.
إنفلونزا الخنازير
ظهرت إنفلونزا الخنازير مع بداية العام 2009 عندما أعلنت حكومة المكسيك أن هذه الإنفلونزا قتلت عشرات الأشخاص في البلاد، وتصاعدت المخاوف الدولية من تحول هذا المرض إلى وباء عقب انتشاره وانتقاله إلى الولايات المتحدة.
وقد تنقل الخنازير الفيروس إلى البشر ويمكن أن تنتقل من شخص إلى آخر. ويعتقد أن الانتقال بين البشر يحدث عن طريق ملامسة شيء به فيروسات إنفلونزا، لمس الفم أو الأنف أو من خلال السعال والعطس.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأثر الاقتصادي يتعاظم مع الأوبئة ذات معدل الانتشار المرتفع، مقارنة بالأوبئة الأكثر خبثًا
وكان لانتشار الأنباء عن ظهور إنفلونزا الخنازير تأثيره على أسلوب حياة المواطنين في الولايات المتحدة، وخصوصًا في مدينة نيويورك وحي كوينز فيها، حيث سجل العدد الأكبر من الإصابات. فلوحظ أن الشوارع ليست مزدحمة كالمعتاد، كما أن العديد من الأعمال، بدءًا من شركات السياحة والسفر والطيران إلى شركات تأجير السيارات ومرورًا بالفنادق، تعرضت لخسائر كبيرة جراء الفيروس.
الجدير ذكره أن التكاليف الاقتصادية المحتسبة للوباء قد لا تكون بالضرورة خسائر أو تكاليف مالية مباشرة بل قد تكون خسائر مالية غير محققة أو ربح فائت، كحساب تأثر معدل النمو بسبب الوباء، وتقلص الإنتاج، وكذا انخافض عائدات الضرائب والسياحة وغيرها.