جلس رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ينتظر القوات العراقية وهي تخوض آخر معاركها في أزقة الموصل القديمة مقتربة من حافة نهر دجلة، ليسمع الموافقة من القادة بأن المعركة انتهت والمدينة كلها بقبضة القوات الأمنية ليخرج لإعلان ما أطلق عليه “بيان النصر” قبل شهر من اليوم في تاريخ 10/7/2017.
مر شهر على إعلان النصر ونهاية معركة الموصل وسيطرة القوات العراقية عليها بالكامل، ولكن كيف حال المدينة القديمة اليوم بعد مرور شهر من صمت البنادق؟
أحياء وأسواق لم تعد موجودة أصلاً
بعد صمت أزيز الرصاص تكشف لنا حجم شراسة المعارك وقسوتها، ليبرز لدينا زوال مناطق كاملة وأسواق تراثية لم يعد لها وجود، فمنطقة باب الطوب التي تمثل قلب الموصل التجاري تحولت لقطعة أرض يتخللها بعض الركام الأسمنتي هنا وهناك، فيما فقد دجلة رفيقه التاريخي بدمار منطقتي الميدان والقليعات بشكل شبه تام وهي مناطق تاريخية مطلة بشكل كامل على نهر دجلة.
سوق باب الطوب السوق الرئيسية في مدينة الموصل
إضافة لخراب ودمار كل مناطق المدينة القديمة بأشكال ونسب متفاوتة، فلا توجد منطقة استطاعت أن تسلم في المدينة القديمة من الدمار والخراب.
جثث متيبسة وأخرى تحت الأنقاض
في الأسبوع الأول بعد نهاية المعركة ومع درجة حرارة تصل لخمسين مئوية ومع وجود جثث على الأرصفة قتلها قناصو داعش، وجثث تحت الركام أسقطها القصف، إضافة لقتلى داعش، تحولت رائحة المدينة القديمة لرائحة الموت المنبعثة من كل مكان، لم تدخل أي فرق مدنية أو عسكرية لإخلاء ودفن الجثث للعوائل التي استشهدت هناك علاوة على جثث قتلى التنظيم، الأمر الذي فاقم المخاوف الطبية من انتشار الأوبئة والأمراض.
جثث لنساء وأطفال في أزقة المدينة القديمة
ولا تزال الجثث في الطرقات إلى اليوم رغم مرور شهر كامل، بينهم أطفال ونساء تحولت أجسادهم بفعل الحرارة إلى مومياءات متيبسة تنتظر من يرحمها ميتة فيكرمها بالدفن، فلم يتم رحمتها وهي حية.
وثق بعض الناشطين صورًا مخيفة لتلك الجثث بينهم أطفال ونساء على قارعة الطريق – وصلني بشكل خاص عدد منها – تعكس حجم الكارثة الإنسانية الواقعة هناك.
عوائل حية تحت الأنقاض
رغم مرور أكثر من عشرين يومًا على نهاية المعركة، تم إنقاذ عائلتين بشكل متفرق داخل المدينة القديمة كانوا يسكنون السراديب حينما تم قصف منازلهم ليبقوا محتجزين مع بعض المخزون من الماء والطعام الذي جعلهم يصمدون طول هذه الفترة تحت الأنقاض، لكن بعد مرور شهر من نهاية المعركة يبقى هناك أملاً ضعيفًا جدًا يعززه شهادات من مقاتلين وبعض المدنيين بوجود أصوات ليلاً تخرج من الأحياء المدمرة قد تكون نداءات استغاثة تطلق من تحت المنازل المدمرة، لكن للأسف لا يوجد أي جهد داخل المدينة القديمة يرتقي لحجم الكارثة والنكبة لرفع الأنقاض والتنقيب عن ناجين محتملين.
منصات التواصل الاجتماعي تعج بقصص عن تلك الأصوات التي تسمع في المدينة القديمة، وبين تشكيك بحقيقتها وتأكيد على وجودها لا يوجد أي تحرك رسمي واضح يقطع الشك باليقين بشأن إمكانية وجود أحياء تحت أنقاض المدينة القديمة إلى اليوم.
قافلة الشهداء مستمرة رغم نهاية المعركة
قبل أسبوع تقريبًا من اليوم كتب صديق لي منشورًا منذ الإعدادية ينعى اثنين من أقاربه لقيا حدفهما بانفجار لغم مزروع في محلهما التجاري في المدينة القديمة في أثناء محاولتهما فتح بوابة المحل.
الدمار يصيب مناطق أيمن الموصل بشكل جنوني
فيما تم نعي أحد الشباب الصغار الذي كان يعمل بسوق الجزارة في المدينة بانفجار عبوة ناسفة في أثناء تفقده لمنزله في المدينة القديمة، الأمر تكرر مع حالتين أخرتين خلال هذا الشهر، ويبقى السؤال لماذا لا يتم طلب المساعدة من الدول التي تمتلك تقنيات جيدة في مجال الجهد الهندسي العسكري لرفع هذه المخلفات بدلاً من استمرار زيادة فاتورة الدم التي يدفعها الأهالي بشكل شبه يومي؟
أنقاض المباني والعجلات في كل مكان
أنقاض المباني والعجلات المدمرة تغلق أغلب شوارع الأحياء القديمة، ورغم مرور شهر كامل فإن البلدية لم تدخل إلى الآن لأي حي من المدينة القديمة، فيما بدأت بالعمل في منطقة الزنجيلي المجاورة للمدينة القديمة منذ أيام، لكن السبب الأساسي في ذلك ضعف قدرات بلدية الموصل بسبب دمار غالبية آلياتها الثقلية وضعف التجهيز الجديد والتمويل شبه المعدوم.
وسط هذه الحالة الصعبة للمدينة القديمة فإن ما يقارب نصف مليون إنسان محرومون من العودة لبيوتهم المدمرة لترميمها والعيش فيها بدل معاناة النزوح المأساوية، خاصة أن عودة الخدمات من ماء وكهرباء وغيرها مرتبط بشكل أساسي برفع المخلفات العسكرية ودفن جثث الموتى وفتح الطرق وإزالة الأنقاض من الشوارع.
امرأة تحاول تفقد منزلها في المدينة القديمة بعد الحرب
المدينة القديمة مركز الثقل السكاني لمحافظة نينوى واستمرار الوضع على ما هو عليه يعني استمرار فصل من فصول النكبة التي تعيشها الموصل وأهلها منذ منتصف عام 2014.