تعاني منظومة العدالة في مصر خلال السنوات الأخيرة من تدهور سريع في معظم أرجائها، أفضى إلى افتقاد المجتمع شعور الأمان والاطمئنان الذي كان في وقت من الأوقات حائط الصد المنيع الذي يركن إليه المواطنون هربًا من تسلط أصحاب النفوذ والسلطة والمال.
ويعد فقدان مؤسسات القضاء على رأسها النيابة العامة لاستقلاليتها، أحد أبرز أسباب التدهور الذي أصاب العدالة خاصة بعدما أقحمت تلك المؤسسات نفسها في العمل السياسي وباتت أحد أهم الاستراتيجيات والأدوات في أيدي النظم السياسية، توظفها لحساباتها الخاصة لتكريس حكمها دون أي اعتبارات أخرى تتعلق بالقانون والمساواة.
في يوليو الماضي وتحت عنوان “دور النيابة العامة المصرية في قمع أصوات المعارضة” أصدرت مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED) – وهي مؤسسة مستقلة تهدف إلى دعم الديمقراطية – تقريرها الذي تناول مراحل تحول النيابة العامة في مصر من هيئة مستقلة لها مكانتها لدى المجتمع إلى سوط في أيدي الأنظمة الحاكمة لإقصاء المعارضة وإخراس صوتها، فما أبرز الاستراتيجيات التي اعتمدت عليها النيابة في رحلتها من الاستقلالية القضائية إلى التبعية الأمنية؟
ماذا تعرف عن النيابة العامة؟
النيابة العامة شعبة من شعب السلطة القضائية وهي النائبة عن المجتمع والممثلة له وتتولي تمثيل المصالح العامة، وتسعي في تحقيق موجبات القانون، وذلك بحسب التعريف الوارد على موقعها الإلكتروني الرسمي.
تختص النيابة العامة أساسًا – دون غيرها – بتحريك الدعوي الجنائية، وذلك بإجراء التحقيق بنفسها أو بمن تندبه لذلك من مأموري الضبط القضائي أو بطلب ندب قاض للتحقيق أو بتكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة الجنائية المختصة لمحاكمته.
تباشر النيابة العامة الدعوى الجنائية بمتابعة سيرها أمام المحاكم حتي يصدر فيها حكم باتٍ، وتقوم بأداء وظيفة النيابة العامة لدى محكمة النقض نيابة عامة مستقلة تشكل طبقًا لأحكام قانون السلطة القضائية، ولهذه النيابة – بناء على طلب المحكمة – حضور مداولات الدوائر المدنية والتجارية والأحوال الشخصية دون أن يكون لممثليها صوت معدود في المداولات.
يترأس هذه المؤسسة القضائية النائب العام الذي يعد أحد كبار القضاة، يعاونه نائب عام مساعد واحد أو أكثر، إضافة إلى عدد كبير من وكلاء النيابة ذوي الاختصاصات المختلفة في جميع أنحاء الجمهورية، ويفترض أن تكون مسؤوليتها الحقيقية تطبيق القانون تطبيقًا صحيحًا وأن تقف على مسافة واحدة من طرفي النزاع أو المختصمين.
قبل مبارك كان يُعين النائب العام بقرار من رئيس الجمهورية منفردًا به دون غيره، إلى أن جاء دستور 2012 لينص على ضرورة أن يتم ترشيح اسم النائب العام من قبل مجلس القضاء الأعلى
صلاحيات واسعة
بموجب المادة (189) من دستور 2014 والمواد من (21) إلى (27) من قانون السلطة القضائية فإن النيابة العامة تتمتع بحزمة واسعة من الصلاحيات لعل أبرزها التحقيق مع المتهمين في الجرائم وتوجيه الاتهامات الجنائية لهم وإحالتهم للمحاكمة، كما تتضمن “نيابة أمن الدولة” أحد أفرع النيابة العامة إجراء التحقيقات وتوجيه التهم للمتهمين بجرائم ذات طابع سياسي، كذلك إعداد الملفات المتعلقة بالإدانات وملخصات الأدلة ومن ثم فهي جزء أساسي من الجهاز القضائي الجنائي الذي لا يمكن انعقاده دون ممثل للنيابة العامة.
كما يحق للنيابة معاينة مقار السجون والاحتجاز والإشراف على حسن تطبيق قرارات المحكمة، كذلك من حقها إصدار قرارات المنع من السفر وتجميد الممتلكات والأرصدة، ومن المسائل الحساسة في صلاحيات النيابة العامة أحقيتها في إقامة الدعاوى التأديبية بحق القضاة ووكلاء النيابة، إذ إنها تقدم رأيها فيما إذا كان القاضي أو وكيل النيابة يجب عزله من وظيفته أو إحالته للتقاعد أو تحويله إلى وظيفة غير قضائية.
قبل الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك كان يُعين النائب العام بقرار من رئيس الجمهورية منفردًا به دون غيره، إلى أن جاء دستور 2012 لينص على ضرورة أن يتم ترشيح اسم النائب العام من قبل مجلس القضاء الأعلى وذلك من بين كبار القضاة أو نواب رؤساء المحاكم العليا ثم يتم عرضه على رئيس الدولة لاعتماده، وذلك في محاولة لإضفاء المزيد من الاستقلالية على تلك المنظومة، ثم جاء دستور 2014 ليقر ما أقره دستور 2012 مضيفًا عليه أن تكون ولاية النائب العام 4 سنوات فقط أو حتى يبلغ سن التقاعد، ولا تكون أكثر من فترة واحدة طول فترة عمله.
نيابة أمن الدولة أحد أبرز الأذرع الأمنية التي يستخدمها نظام السيسي على وجه الخصوص ضد المعارضين
نيابة أمن الدولة العليا
نيابة أمن الدولة العليا أحد شعب النيابة العامة، لكنها تتمتع بصلاحيات واسعة تفوق ما يتمتع بها بقية فروع النيابة العامة، تم إنشاؤها عام 1953 بقرار من وزير العدل آنذاك، وتتعلق بالتحقيق في القضايا التي تهدد أمن الدولة سواء في الداخل أو الخارج، وتقع جميع محافظات الجمهورية في نطاق اختصاصاتها.
لوكلاء أمن الدولة إصدار بعض الأحكام الاستثنائية مثل الحبس الاحتياطي 15 يومًا بما يتجاوز الحد الأقصى المعمول بها – قانونًا – في النيابة العامة وهو أربعة أيام، كذلك يختصوا بالأمر المباشر في الاضطلاع على الحسابات السرية والخزائن وأرقام البنوك والودائع الخاصة بالمتهمين إذا اقتضى الأمر ذلك.
وبحسب التقرير سالف الذكر الصادر عن مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، والذي أعده المحامي والحقوقي محمد الأنصاري الباحث القانوني بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فإن نيابة أمن الدولة أحد أبرز الأذرع الأمنية التي يستخدمها نظام السيسي على وجه الخصوص ضد المعارضين أو من يغرد خارج السرب كما هو الحال مع المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق، والذي مثل أمام نيابة أمن الدولة بسبب تصريحات أدلى بها في 2015 عن حجم الفساد في مصر، وبناء عليه أقاله السيسي من منصبه في مارس 2015 وهو ما كان المطلوب إثباته حينها.
هشام جنينة يمثل أمام نيابة أمن الدولة العليا بسبب تصريحات أدلى بها في 2015
التعاون مع الأجهزة الأمنية
المسألة البارزة في هذا الشأن تكمن في الآلية التي تعتمد عليها النيابة في توجيه التهم وإلصاقها بالمتهمين، إذ إنه وبحسب التقرير تعتمد في المقام الأول على ما تقدمه أجهزة الشرطة المخول لها جمع المعلومات المتعلقة بالقضية، ومن ثم يصبح الأمر بداية وانتهاء عند رجل الشرطة أو ضابط الأمن الوطني الذي يقدم الملف متضمن المعلومات الخاصة بالمتهم كافة دون أن يكلف وكيل النيابة نفسه عناء البحث وتقييم مدى مصداقية تلك المعلومات.
علاوة على ذلك فإن النيابة العامة تتجاهل أحكام القانون والدستور فيما يتعلق بمدة الحبس الاحتياطي التي من المقرر أن يقضيها المتهم قبل عرضه على النيابة، فبحسب القانون من المفترض أن يعرض المتهم على النيابة في غضون 24 ساعة من القبض عليه، ولها – أي للنيابة – أن تأمر بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق أو 15 إن كان معروضًا على نيابة أمن الدولة، لكن ما يتم على أرض الواقع غير ذلك تمامًا، فقد يقبع المتهم داخل الحبس أيامًا وشهورًا قبل أن يعرض حتى على النيابة العامة، كل هذا بعلم النيابة دون أن تتخذ أي إجراءات ضد جهاز الشرطة في تلك المخالفة.
التقرير أورد بعض النماذج التي اعتمد وكلاء النيابة فيها على تحريات الشرطة القاصرة والتي افتقدت للمعلومات وتقديم الأدلة الكافية، ومع ذلك أقرت النيابة ما جاء في تلك الملفات دون اجتهاد منها في كشف مخالفتها للواقع والحقيقية، غير أنها تسير وهو النظام الحاكم كون المتهمين من المعارضين لسياسات وتوجهات السيسي وحكومته.
– اقتحام مركزي شرطة في المنيا 2014: أدانت إحدى المحاكم عشرات المتهمين باقتحام مركزي شرطة وقتل ضابط شرطة خلال عملية الاقتحام، ورغم أن الأدلة تشير إلى احتمالية تورط عدد قليل جدًا في تلك العملية، فإن المحكمة أدانت 180 شخصًا بناءً على طلب النيابة العامة المعتمد على تحريات الشرطة.
– خلية الماريوت 2013: اتهم فيها بعض الصحفيين والمراسلين التابعين لقناة الجزيرة القطرية بالتخابر وتكوين خلية إرهابية حيث تم القبض عليهم من داخل فندق الماريوت في القاهرة، واعتمدت النيابة في إدانتها على تحريات الشرطة التي لا تعدو تسجيلات لخيول تعدو في أحد المراعي وبرامج إخبارية بثتها قنوات أخرى.
اتهامات للنيابة العامة بالتواطؤ على إخفاء المدة الزمنية لعملية الاختفاء القسري وممارسات التعذيب ذات الصلة من خلال التقاعس عن الطعن بتواريخ القبض الكاذبة الواردة في محاضر التحقيق الرسمية التي يعدها قطاع الأمن الوطني
– آية حجازي: الناشطة في حقوق الإنسان والتي تحمل الجنسية الأمريكية بجانب جنسيتها المصرية، حيث ألقي القبض عليها في 2014 وزوجها بتهم الاستغلال الجنسي بحق الأطفال، واعتمدت النيابة على تحريات الشرطة في القضية وكالت لها العديد من الاتهامات غير الموثقة، حبست بسببها 3 سنوات، إلى أن أُطلق سراحها حين تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإفراج عنها.
– تخابر مرسي مع قطر: اعتمدت النيابة في تحقيقاتها المتعلقة بهذه القضية التي اتهم فيها الرئيس السابق محمد مرسي بالتخابر مع دولة قطر على تحريات ضابط في الأمن الوطني دون وجود أي أدلة إدانة حقيقية.
– اتهامات الانتماء للإخوان وثورة يناير: العديد من التهم وجهت لعشرات الآلاف من الشباب المؤيدين لثورة يناير ومسار التصحيح، اعتمدت في معظمها على تحريات الأمن الوطني الذي بنى جل معلوماته على تخمينات وتوقعات وما أفاده مرشدوه دون أي دليل، وهو ما اعتمدت عليه النيابة بشكل كامل.
– إرهاب المحامين المعارضين: اعتقال المحامي والحقوقي مالك عدلي في مايو 2015 وذلك حين كان متوجهًا للدفاع عن أحد موكليه، وظل أسير الحبس الانفرادي الاحتياطي ما يقرب من 115 يومًا دون توجيه تهم واضحة له.
النيابة العامة تتجاهل أحكام القانون والدستور فيما يتعلق بمدة الحبس الاحتياطي التي من المقرر أن يقضيها المتهم قبل عرضه على النيابة
التواطؤ على الاختفاء القسري
زادت معدلات الاختفاء القسري بدءًا من النصف الثاني للعام 2012، حيث بات أحد أبرز وسائل قمع المعارضين للنظام والحكومة، حيث طالت هذه الجريمة المئات من أعضاء جماعة الإخوان والمتعاطفين معها حتى الرافضين أو المتحفظين على سياسات السيسي ونظامه من غير الإخوان.
المنظمات الحقوقية كشفت عن قوائم بالمختفين قسريًا ما بين الحين والآخر منددة بتلك الممارسات التي تناقض مواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر في السابق، وقد تناول التقرير شكوى الحقوقيين والمحاميين من تواطؤ النيابة العامة مع أجهزة الأمن فيما يتعلق بالاختفاء القسري من خلال الآتي:
التواطؤ على إخفاء المدة الزمنية لعملية الاختفاء القسري وممارسات التعذيب ذات الصلة من خلال التقاعس عن الطعن بتواريخ القبض الكاذبة الواردة في محاضر التحقيق الرسمية التي يعدها قطاع الأمن الوطني وعدم تصحيحها (للتأكيد على تنفيذ القبض والاحتجاز بصورة قانونية)، وتشكل تلك التقارير ركيزة يتم الاستناد إليها لتوجيه التهم الجنائية بحق الأشخاص وتبرير اعتقالهم الدائم قبل المحاكمة.
قد يقبع المتهم داخل الحبس أيامًا وشهورًا قبل أن يعرض حتى على النيابة العامة، كل هذا بعلم النيابة دون أن تتخذ أي إجراءات ضد جهاز الشرطة في تلك المخالفة
ولا يزال أعضاء النيابة يعتمدون بصورة أساسية على الاعترافات التي يحصل عليها ضباط الأمن عند استجواب المعتقل خلال فترة الاختفاء القسري، حتى بعد أن يتراجع الأخير عن اعترافاته ويدعي أنها صادرة تحت وطأة التعذيب، كما يستندون إلى تلك الإفادات لصياغة التهم والإجازة بتمديد مدة الحبس الاحتياطي انتظارًا للمحاكمة.
النيابة العامة باستعانتها بالاعترافات والمعلومات التي جُمعت عن طريق ضباط الأمن خلال فترة الاختفاء القسري تكون بذلك خالفت بأشكال أخرى موجباتها القانونية، فهي لم تضطلع بدورها في الرد على استفسارات أسر المخطوفين، كما صرفت النظر عن الشكاوى والتقارير التي رفعها المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي وثق العديد من حالات الاختفاء القسري، والأسوأ من ذلك أن النيابة العامة لم تجر أي تحقيق في الادعاءات التي تشير إلى التعذيب وغيرها من أشكال سوء المعاملة.
اتهامات للنيابة العامة بالتواطؤ في إخفاء المدة الزمنية لعملية الاختفاء القسري
استغلال أحكام الحبس الاحتياطي
التقرير أورد أنه منذ منتصف العام 2013 عمدت النيابة في كثير من الأحيان، بالتواطؤ مع مجموعة من القضاة، إلى إساءة استعمال الأحكام القانونية المتعلقة بالحبس الاحتياطي، وبعد إلغاء حالة الطوارئ الذي شكل وسيلة قمع رئيسية في عهد مبارك.
حيث تمت الاستعانة بأحكام الحبس الاحتياطي كونها وسيلة لاستهداف المعارضين للحكومة والنظام ومعاقبتهم بصورة قانونية، خاصة بعد التعديل الذي أجري على قانون الحبس الاحتياطي والذي يخول للمحكمة حبس المتهم احتياطيًا لمدة عامين كاملين على ذمة القضية.
ورغم أن قانون الحبس الاحتياطي من المفترض أن يكون قانونًا استثنائيًا يستخدم في حالات بعينها، فإن النيابة العامة لا تتوانى في استخدامه ليل نهار في مواجهة أشخاص بعينهم تثبت تقارير الأمن الوطني معارضتهم للنظام، وبحسب الإحصائيات الواردة من وزارة الداخلية المصرية فإن الأشخاص المحبوسين احتياطيًا بلغ عددهم 8500 شخص في مقابل أرقام أخرى تشير إلى أضعاف هذا العدد على أرض الواقع.
وقد أورد تقرير مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط عشرات القضايا التي يقبع فيها المتهمون قيد الحبس الاحتياطي لأعوام تزيد على الفترة القانونية المحددة والتي تبلغ عامين يعانون فيها من أبشع صور التنكيل، لا سيما أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو الصحفيين والنشطاء السياسيين ممن رأى فيهم النظام تغريدًا خارج السرب المحدد.
الاستعانة بالقوانين القمعية
تستعين النيابة العامة والمحاكم بمجموعة من القوانين التي تتضمن نصوص ملتبسة وتعريفات فضفاضة واسعة، يمكن استخدامها وتوظيفها سياسيًا من قبل وكلاء النيابة بهدف قمع المعارضين والتنكيل بكل من يمارس السياسة بأي من الصور التي لا يرضى النظام الحاكم عنها.
منذ 2013 سنت الحكومة المصرية حزمة من القوانين القمعية التي تدعي مكافحة الإرهاب، إلا أن الممارسة الحقيقية لسبل تنفيذ بنود تلك القوانين على أرض الواقع لا علاقة لها لا من قريب أو بعيد بالهدف الذي سنت لأجله تلك القوانين، أبرزها مواد قلب نظام الحكم وإهانة رئيس الجمهورية ونشر أخبار كاذبة والانتماء لجماعة محظورة والتي تغلظ فيها العقوبات بشكل قاس مقارنة بالقوانين المعمول بها في مختلف دول العالم.
وقد أورد التقرير أبرز القوانين القمعية التي تم إصدارها في عهد السيسي بهدف قمع المعارضة واستغلتها النيابة العامة لتوقيع أقصى العقوبات ضد الأشخاص المتهمين والذي يقع معظمهم تحت بند السياسيين والإعلاميين والنشطاء والحقوقيين، على رأسها:
قانون الكيانات الإرهابية رقم 8 لعام 2015 والصادر في فبراير 2015، والذي أعطى الضوء الأخضر للنيابة العامة لتوسيع دائرة الاتهام بتنظيم كيانات إرهابية، ومن ثم إدراج ما يريد من أسماء على قوائم تلك الكيانات للتنكيل بها.
دور كبير للنيابة العامة في إقصاء القضاة المعارضين لتدخل السلطة في شؤونهم الخاصة، ممن ينادون باستقلال القضاء وحياديته بعيدًا عن إملاءات النظام وأذرعه الأمنية
قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لعام 2015 والصادر في 15 من أغسطس 2015 والذي وسع دائرة تعريف العمل الإرهابي بصورة تهدد منظومة الحريات والحقوق، مما يسهل معها تقديم المئات للمحاكمة بتهم ممارسة أعمال إرهابية في الوقت الذي لا تمت تلك الأعمال للإرهاب بصلة.
قانون التظاهر رقم 107 لعام 2013 الصادر في 25 من نوفمبر 2013 والذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور وفيه يعاقب كل من يشارك في مظاهرة دون ترخيص بالحبس فترة تتراوح ما بين عامين وخمسة أعوام وغرامة تتراوح قيمتها من 50 ألف إلى 100 ألف جنيه مصري.
تعديل قانون العقوبات بشأن الأموال الأجنبية رقم 128 لعام 2014 الصادر بتاريخ 23 من سبتمبر 2014 حين أدخل السيسي تعديلات على المادة 78 من قانون العقوبات بهدف فرض المزيد من العقوبات المشددة على الأفراد أو المنظمات التي تتلقى أموالاً من الخارج وهو ما وسع دائرة الاشتباه لملاحقة مئات النشطاء الحقوقيين.
قانون الجمعيات الأهلية الصادر في مايو 2017 وهو التعديل للقانون رقم 84 لعام 2002 والذي يفرض مزيدًا من القيود على إنشاء الجمعيات الأهلية والمجتمعية ما يقوض مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في مصر بصورة كبيرة.
تعديل قانون الإجراءات الجنائية رقم 11 لسنة 2017 والصادر في أبريل 2017 تضمن مزيدًا من الانتهاكات الحقوقية والدستورية، حيث منح المحاكم سلطة رفض سماع الشهود، بخلاف ما كان قبل التعديل، كما أطلقت العنان للضباط في تفتيش مساكن المواطنين وسياراتهم وأماكنهم الخاصة دون الحصول على إذن قضائي، مما يعطي الضوء الأخضر لمزيد من التعديات ضد حريات المواطن وحياته الخاصة.
دور كبير للنيابة العامة في إقصاء المعارضة وإسكات صوتها
الإجراءات التأديبية بحق القضاة
واختتم التقرير محاوره بالإشارة إلى دور النيابة العامة في إقصاء القضاة المعارضين لتدخل السلطة في شؤونهم الخاصة، ممن ينادون باستقلال القضاء وحياديته بعيدًا عن إملاءات النظام وأذرعه الأمنية.
التقرير أشار إلى أنه منذ يوليو 2013، أجبر ما يقرب من 80 قاضيًا على التقاعد أو نقلهم إلى وظائف غير قضائية أو خضعوا لقرار المنع من السفر، وهذا ما يعد عقابًا فرضته مجالس تأديب القضاة، ويعرف معظم أولئك القضاة بموقفهم المعارض لتدخلات السلطة التنفيذية في قرارات المحاكم ومنادتهم باستقلال القضاء ونزاهته، وقد أدت النيابة العامة دورًا مهمًا في هذه المسألة.
تستعين النيابة العامة والمحاكم بمجموعة من القوانين التي تتضمن نصوصًا ملتبسة وتعريفات فضفاضة واسعة، يمكن استخدامها وتوظيفها سياسيًا من قبل وكلاء النيابة بهدف قمع المعارضين
كانت التهم الموجهة ضد القضاة منذ 2013 والتي حولوا بسببها إلى لجنة التأديب تتعلق بممارسة النشاط السياسي، إلا أنه في مارس 2016 تم توسعة رقعة التهم والتقييد لتشمل كل من يعلق أو يناقش قرارات السلطة التشريعية أو التنفيذية ومن ثم دخل عشرات القضاة لا سيما المعروفين بجبهة “تيار استقلال القضاة” تحت مقصلة الإقصاء.
علاوة على ما سبق فإن قبول النيابة العامة لإجراءات تبعيتها للنظام الحاكم في أمورها كافة يعكس تواطؤها بشكل أو بآخر في الممارسات القمعية التي تقوم بها السلطات ضد المعارضين، وليس قانون الهيئات القضائية الأخير الذي أعطى رئيس الدولة صلاحية تعيين رؤساء الجهات القضائية الأربعة ومنها النيابة العامة ببعيد، إذ لإن الأخيرة كانت من أوائل الجهات التي وافقت على هذا التعديل رغم اعتراض بعض المؤسسات ومنها مجلس الدولة على سبيل المثال.
وقد خلص التقرير إلى أن الجهاز القضائي الجنائي في مصر شهد خلال الفترة الأخيرة تدهورًا شديدًا أثر بصورة كبيرة على مبدأ استقلالية القضاء الذي كان دومًا ما يتفاخر به هنا وهناك، فالقضاء بما فيه النيابة العامة حين ورط نفسه في النزاعات السياسية وتحيز للنظام الحاكم فقد ما تبقى له من مصداقية لدى المواطنين خاصة بعد مئات الأحكام المسيسة – منذ 2013 وحتى الآن – التي كان للنيابة دور فج فيها بهدف إرضاء السلطة التنفيذية من خلال إقصاء المعارضين وإسكات أصواتهم بشتى صور التنكيل والعقوبات التي تخالف أدنى معايير حقوق الإنسان القانونية المتعارف عليها في الداخل والخارج.