في الأيام الثلاث الأخيرة من شهر يوليو 2017، احتفلت القوات الموالية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن بحجة إعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى سدة الحكم، بالسيطرة على معسكر خالد بن الوليد (ثاني أكبر القواعد العسكرية في البلاد)، سيطرة ظاهرها قوات هادي وباطنها القوات الانفصالية بقيادة هيثم طاهر وزير الدفاع اليمني الأسبق الذي قاتل في صفوف الانفصاليين صيف 94 ضد القوات الشمالية التي كانت تقاتل من أجل إعادة وحدة للبلاد.
إعلان السيطرة على معسكر المخا الاستراتيجي يأتي بعد ستة أشهر من إعلان ذات القوات سيطرتها على ميناء المخا الاستراتيجي المهم الواقع إداريًا ضمن محافظة تعز اليمنية (وسط اليمن)، بإسناد البارجات الحربية الدولية الجاثية على البحر الأحمر بالقرب من باب المندب، وبغطاء جوي من قبل طيران التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
والسيطرة على ميناء المخا حرم تحالف الحوثيين وصالح من الامتياز الاستراتيجي الذي توفره سيطرتهم عليه، وإطلالهم على الممر البحري لحركة السفن التجارية الدولية التي تعبر مضيق باب المندب، وهو أمر كان يمنحهم ميزة تفاوضية أساسية وستصبح أوراقهم السياسية أقل قيمة بالتأكيد من دون هذه المنطقة.
السيطرة على ميناء المخا حرم تحالف الحوثيين وصالح من الامتياز الاستراتيجي الذي توفره سيطرتهم عليه
وفي 28 من يوليو 2017 أعلنت القوات الانفصالية التي تدعمها الإمارات سيطرتها على معسكر خالد بن الوليد، لتكتمل السيطرة بشكل كامل على مدينة وميناء المخا بشكل كامل، وفقًا لهذا الإعلان، وهو يعني أن محافظتي تعز والحديدة أصبح سقوطهما مسألة وقت، لكونه يمثل الخط الدفاعي الأول عن الطريق الرئيسي والاستراتيجي الرابط بين محافظتي تعز والحديدة.
وإحكام السيطرة على ميناء المخا، يعتمد بدرجة أساسية على إسقاط معسكر خالد بن الوليد الذي يشكل نقطة ارتكاز بالغة الحيوية، وهو المعسكر الذي أنيطت بصالح مهام تأسيسه كقاعدة عسكرية لليمن الشمالي (قبل إعادة تحقيق الوحدة بين الشطرين في مايو 1990) ويوازي قاعدة العند العسكرية التي كانت تابعة للشطر الجنوبي إبان فترة حكم الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي منتصف السبعينيات، كما كان المعسكر أساس القوة والنفوذ لليمن بما أتاحه له من قوة واحتكاك مع العالم المفتوح على شواطئ المخا.
أهمية الميناء
لمعسكر خالد أهمية استراتيجية تعطي المسيطر عليه أفضلية ميدانية ومعنوية كما أنه يُعتبر في حكم القواعد العسكرية لولا عدم وجود مطار عسكري بداخله.
ويقع معسكر خالد في موقع مفصلي يتحكم بمفرق المخا الذي يربط بين مديريتي المخا وموزع بمحافظة تعز ومديرية الخوخة جنوب الحديدة، ويشرف على العديد من التباب والهضاب، والسيطرة عليه يكتسب بُعدًا استراتيجيًا يعزز من انتصارات القوات التي تقاتل من أجل السيطرة عليه.
هيثم قاسم طاهر، وجد ضالته أخيرًا في هذه الحرب، ليعيد الدولة التي خسرها في صيف 94
يقع معسكر خالد بن الوليد البالغة مساحته 12 كلم مربعًا تقريبًا، في مفرق المخا غرب تعز وعلى مفترق الطرق الرابطة بين محافظتي تعز والحديدة غرب اليمن، ويعد أحد أهم وأكبر المعسكرات وأقوى التحصينات التي كانت تحت سيطرة تحالف الحوثي/صالح.
وسقوط معسكر خالد يُمكّن القوات الموالية للتحالف العربي أو الإمارات العربية المتحدة التي تقاتل من أجل السيطرة على السواحل اليمنية من تشغيل ميناء المخا الاستراتيجي، وربما قد يشكل المعسكر قاعدة انطلاق للعمليات العسكرية المقبلة للتحالف العربي للسيطرة على محافظة الحديدة ومينائها الاستراتيجي غربي اليمن.
كيف سقط المعسكر؟
وفقًا لمقاتلين ميادنيين، فإن الحوثيين اعتمدوا على خطة عسكرية قديمة، وبعد ما يزيد على خمسة أشهر من حصار المعسكر من مختلف الجهاد، أراد الحوثيون أن يستدركوا القوات الانفصالية بقيادة هيثم قاسم طاهر، لقتل الكثير منهم، وزرعوا سلسلة ألغام بمحيط المعسكر وانسحبوا منه.
لكن القوات الانفصالية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، حصلت على معلومات تسربت من داخل المعسكر إليهم، أرسلت إلى التحالف الخطة التي وضعها الحوثيون لاستدراك “عدوهم”، فتم إرسال طائرات استهدفت سلسلة الألغام والدفع بكاسحات ألغام للتخلص منها.
الأفضلية الجوية ومعدات الأسلحة الحديثة مكنت القوات الانفصالية من التقدم نحو المعسكر واختراق حصونه، وتفاجأ الحوثيون بالاستيلاء على المعسكر وفشل خططهم.
بعد السيطرة عليه ما زالت العمليات بين كر وفر، إلا أن تفوق القوات الموالية للإمارات العربية المتحدة بالغطاء الجوي والبحري والأسلحة الحديثة، مكنهم في تأمين المخا من الاختراقات الحوثية لمهاجمة السفن الإماراتية الجاثية على الجزر والسواحل اليمنية إلا ما ندر.
من هيثم قاسم طاهر ولماذا لجأت الإمارات إليه؟
هيثم قاسم طاهر تولى منصب وزير الدفاع اليمني في حكومة الوحدة اليمنية بعد تحقيقها منذ عام 1990 إلى سبتمبر 1994، حتى أعلن نائب الرئيس اليمني حينها علي سالم البيض انفصال الجنوب وتشكيل حكومة انفصالية، كان وزير دفاعها أيضًا اللواء هيثم قاسم طاهر من 30 من مايو إلى 5 من سبتمبر 1994، بعد أن خسروا الحرب وفر إلى الإمارات العربية المتحدة واستعادة الوحدة اليمنية.
لجأت الإمارات العربية المتحدة في عملياتها بالجنوب إلى اللواء هيثم قاسم طاهر، لكونه من أقرب العسكريين إليها منذ هزيمته في حرب 94، ولأنه جنوبي، ويمثل اختياره ربما لحشد المقاتلين من الجنوب لمحاربة الحوثيين وقوات صالح، إضافة لأن لديه ثأرًا شخصيًا وعسكريًا مع قوات الشمال التي هزمته في صيف 94.
الأفضلية الجوية ومعدات الأسلحة الحديثة مكنت القوات الانفصالية من التقدم نحو المعسكر واختراق حصونه
هيثم قاسم طاهر، وجد ضالته أخيرًا في هذه الحرب، ليعيد الدولة التي خسرها في صيف 94، وخوضه غمار الحرب يدل على أن الإمارات تعي جيدًا أو ربما أعدت خطة أو خارطة سياسية لا يكون لهادي أي مستقبل سياسي في اليمن، وإلا لما استعانت بطاهر وهو الشخص ذاته الذي خسر الحرب من وزير الدفاع اليمني حينها عبد ربه منصور هادي، ولهما عداء وثأر شخصي أكثر من عداء دولة الانفصال بالرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
هدف الإمارات
بعد أن سيطرت الإمارات سياسيًا وعسكريًا على محافظة عدن أو الجنوب اليمني بشكل شبه كامل، استطاعت الإمارات العربية المتحدة السيطرة الكاملة على جزيرة سقطرى اليمنية الاستراتيجية وهي واحدة من الأهداف الإماراتية، لتأكيد رغبتها في إحكام السيطرة على باب المندب، ولعب الدور الرئيسي في تأمينه لتوسيع نفوذها الإقليمي.
وترغب دولة الإمارات العربية المتحدة بتوسيع وجودها العسكري في إفريقيا، إذ حصلت في بداية هذا العام على قاعدة عسكرية لأغراض غير معروفة في ميناء مدينة عصب بدولة إريتريا.
فالإمارات تسعى لأن تصبح منطقة خليج عدن والبحر العربي، تحت سيطرتها من سقطرى جنوبًا إلى سواحل الجنوب شمالاً وشرقًا، إلى “ميون” بباب المندب شمالاً، وساحل القرن الإفريقي والصومال غربًا، وتعد خطوة إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة “ميون” بباب المندب، الخطوة الثانية للإمارات بعد جزيرة سقطرى.
ابن دغر في منطقة المخا وصور حكام الإمارات وضعت بدلًا عن صور الرئيس اليمني
لذا سعت الإمارات العربية المتحدة بالاستعانة بعدو بلاده الأساسي وعدو الرئيسين اليمنيين السابق والحالي، للانتقام منهما، ومساعدته لتحقيق أهدافها والسيطرة على الشريط الساحلي الغربي من أجل تأمين قواعدها العسكرية في مضيق باب المندب.
لا يهم الإمارات العربية المتحدة تقدم القوات الموالية لهادي أو ما بات يعرف إعلاميًا “القوات الشرعية”، بقدر ما يهم وجودها لتأمين خططها المستقبلية في بناء قواعد عسكرية في الجزر اليمنية والسيطرة على سلسلة الجبال المطلة على البحر الأحمر، ويبدو أنها لا تأبه لتلك القوات، نتيجة لتحركاتها المبهمة في المناطق التي تسيطر عليها.
ورغم أن الرئيس اليمني المدعوم من المملكة العربية السعودية والمعترف به دوليًا، بارك انتصار ما يسميها القوات “الشرعية” على تحالف الحوثي وصالح بالسيطرة على معسكر خالد بن الوليد، فإن القادة الميادنيين ذوي النزعة الانفصالية لم يلتفتوا لتلك التهاني وإنما بادلوا القيادات العسكرية والسياسية الإماراتية، وكأنما الأمر يعني الإمارات ولا يعني هادي، وهو يبدو كذلك في حقيقة الأمر، مما يجعلنا نستطيع أن نقول إن الحكومة تتلاشى ميدانيًا لصالح طموح الإمارات.
وما يؤكد ذلك، أن الإمارات العربية المتحدة وبعد سيطرتها على مدينة وميناء المخا في بداية هذا العام، عملت على بناء قواعد عسكرية إماراتية خالصة، وعين حكام عسكريين إماراتيين في المنطقة ومنع التعامل بالعملة اليمنية في جزيرة سقطرى ومدينة المخا واستبدلت بالدولار والدرهم الإماراتي وفقًا لسكان محليين، إضافة إلى رفع صور قيادات الإمارات العربية المتحدة على المؤسسات والهيئات الحكومية فيها، حتى إنها عمدت إلى إظهار ذلك في وسائل الإعلام المختلفة حينما زار المنطقة أحمد عبيد بن دغر رئيس حكومة هادي في 6 من أغسطس.
فيديو لابن دغر في أثناء حديثة من هيئة حكومية في المخا وتظهر صور لمؤسس الإمارات وأولاده بديلة عن هادي
خطوة تبدو محسوبة من أولاد زايد وعامليهم في المناطق اليمنية التي يسطروا عليها، وتفسيرًا واضحًا لمدى الخلافات بينهم وبين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وصلت إلى درجة عدم الاعتراف به، ونزع صوره من المؤسسات والهيئات الحكومية، وهي تؤكد ما كنا قد حذرنا منه في بداية الأمر من أن الإمارات لا تخدم أحدًا في اليمن سوى مصالحها وأطماعها الشخصية والثأر من فسخ التعاقد معها لإدارة مواني عدن، ومن ثم تكبيل السعودية ومنعها من أن يكون لها القرار السياسي في المنطقة.
الخلاصة
رغم أن الشواهد تؤكد سقوط معسكر خالد بن الوليد، وأن الحرب أصبحت في القرى التالية له، ما زال الحديث يجري عن غارات جوية للمعسكر وينفي الحوثيون سقوطه، ومع متغيرات الأوضاع والاحتياطات والخطط العسكرية التي يعمل عليها الحرس الجمهوري اليمني، فإن سقوطه لن يغير من المشهد العسكري كثيرًا، فبعد أسبوع من إسقاطه ما زالت الحرب مستمرة في هذه الجبهة وخسائر الطرفين في تزايد.
إن اختيار هيثم قاسم أولاً لأنه قريب من الإمارات وعاش فيها منذ هروبه بعد هزيمته في حرب 94 ولأنه جنوبي ربما يمثل اختياره لحشد المقاتلين من الجنوب لمحاربة الحوثيون وقوات صالح وهو لديه ثأر شخصي وعسكري مع قوات الشمال، ولكن العامل الحاسم في القتال من جانب الحلفاء هو الطيران، ولو توقف لكان من السهل على الحوثيين إسقاط المخا والجنوب مرة أخرى وبسهولة، وهذا ما قد تلعب عليه الإمارات خلال الفترة القادمة ربما.