يقول “ماتسويكي شيموا” أحد الذين عايشوا كارثة هيروشيما اليابانية: “بعد حوالي 20 يومًا من إسقاط أمريكا للقنبلة، بدء شعر أخي في السقوط وظهرت بقع حمراء في جميع أنحاء جسده، كان عمره 13 عامًا، لكنه بدا وكأنه رجل عجوز عندما وافته المنية”.
فقد كان شقيقه الأصغر “أكيو” أثناء سيره في الشارع وقت الانفجار الذري جنبًا إلى جنب مع صديقه “ناكامورا”، رأى سيارة قد دمرت تمامًا، ومع ذلك نجا الإثنان وعادا إلي بيوتهما، قبل أن يحدث لأكيو ماحدث له.
يضيف “شيموا”: “سمعت في وقت لاحق أن صديق أخي “ناكامورا” توفي في اليوم نفسه”!!
هذا جانب صغير جدًا مما حدث في صيف 1945 الجاف، فوق مدينة هيروشيما اليابانية الواقعة في جزيرة “هونشو”، التي شهدت واحدة من أكبر مآسي الإنسانية في العصر الحديث..
ماذا حدث في هيروشيما وناغازاجي؟
في يوم السادس من أغسطس لعام 1945 وفي خضم الحرب العالمية الثانية، أقدمت أمريكا على إسقاط القنبلة النووية علي مدينة هيروشيما اليابانية، في تجربة هي الأولى من نوعها في العالم، والتي راح ضحيتها على الفور ما يقارب 80.000 ضحية على أقل تقدير في اليوم الأول، ليلحقهم عشرات الآلاف في وقت لاحق من أثار التعرض للإشعاعات النووية المميتة.
الولد الصغير (Little Boy) هو الاسم المشفر الذي أطلق على أول قنبلة ذرية ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية في 6 أغسطس 1945
كانت الحرب في أشد أيامها والمعركة حامية لدرجة أن أمريكا أقدمت على نفس الفعلة في غضون 3 أيام فقط، فقامت بإسقاط القنبلة الثانية علي مدينة “ناغازاكي” ليروح ضحيتها ما يقارب الـ 40.000 شخصًا علي الفور.
وفي أواخر ذلك العام ماتت أعداد كبيرة أخرى متأثرة بجراحها، وذلك بسبب آثار الحروق والصدمات والحروق الإشعاعية وغيرها من الأمراض التي لحقتهم بسبب القنبلتين.
الطائرة Bockscar وطاقمها، التي أسقطت القنبلة “الرجل البدين” على ناغازاكي.
ليقوم الإمبراطور الياباني “هيروهيتو” بالاستسلام الغير مشروط في الحرب العالمية الثانية، في خطاب إذاعي أذيع في اليوم الخامس عشر من أغسطس، ليشير فيه إلى القوة المدمرة لتلك القنابل التي دمرت مدن بلاده وأودت بحياة الآلاف في غضون أيام قليلة.
الأثار المترتبة على إسقاط القنبلتين
اختارت أمريكا تلك المدينتين (هيروشيما – ناغازاجي ) لتجربة مدى أثر القنبلة النووية المصنعة نتيجة انشطار اليورانيوم، وتركت تلك القنبلة أثار عديدة كالدمار الشامل للمنازل ومسحها من على مستوى الأرض، ويرجع السبب في ذلك إلى ما تمتلكه تلك القنبلة من الموجات الانفجارية (بي إس أي 5) وما يحدث خلال هذا الانفجار أن إسقاط القنبلة ينجم عنه هواء ساخن ترتفع درجة حرارته نحو أشعة إكس، مشكّلة كرة نيران كبيرة تؤدى إلى موجات انضغاط عنيفة تتحرك بسرعة أكبر من سرعة الصوت كما يحدث في الرعد المصاحب للبرق.
بعد ذلك أدت أثار القنبلة لاندلاع النيران في مناطق شاسعة وانبعاث أضواء مبهرة مع موجات حرارية لتصل حرارتها ما يفوق 4.000 درجة سيليزية، لتذيب الزجاج والرمال وتحرق جثث البشر ليلحق تلك المدينتين عاصفة نارية تأكل كل ما في طريقها من نبات وحيوان وإنسان وجماد أيضًا.
لم ينته الأمر بعد فالإشعاع الناتج من هاتين القنبلتين أدى إلى الانفجارات المشبعة بالمواد الانشطارية الملوثة بالغبار والرماد الذري، وإرسال كرات نارية أصابت سكان تلك المدينتين بشكل مباشر فأدت إلى قتلهم في الحال.
وهناك إشارة في بعض التقديرات إلى وفاة 200.000 شخص بحلول عام 1950، بسبب السرطان وغيره من الآثار طويلة المدى، بينما ذكرت دراسة أخرى أن ما يقرب من 9 ٪ من الوفيات بسبب سرطان الدم بين الناجين من القنبلة بين عام 1950 وعام 1990، نتج من الإشعاع الصادر من هذه القنابل.
الاتفاقيات السياسية المترتبة على الحادثة
بعد مأساة هيروشيما وناغازاكي، قامت الأسرة الدولية بوضع ضوابط لامتلاك وصنع الأسلحة النووية، وتم عقد العديد من الاتفاقيات الدولية لحظر انتشار تلك الأسلحة التي ثبت تدميرها للبشرية بشكل عملي، كما قاموا بإنشاء عدد من الأجهزة التي تعمل على مراقبة إنتاج وانتشار تلك الأسلحة، فحيازة الأسلحة النووية التي كانت الدول العظمى تتبارى في تملكها وتعطي لنفسها الحق في تهديد غيرها بها، هو ما يمثل الخطر في خضم الصراعات الدولية.
الناجين من الانفجار
لكل كارثة يوجد عدد من الناجين حكوا وكتبوا عن معايشتهم لمآسيهم مع هذه الكارثة، في كتاب “هيروشيما .. الصمت المكسور ” روى 14 شخصًا من الناجين حكاياتهم التي عاشوها إبان إسقاط القنبلة النووية، يحكوا فيها المعاناة الحقيقة التي لاحقت الناجين في ذلك الوقت..
فأحدهم يدعي “تاداشي كيهارا” يذكر ما يتذكره بوضوح في مشهد مأساوي لازمه منذ ذلك الانفجار النووي. فعلى الرغم من إصابته جراء القصف المدمر، واصل المساعدة في عمليات البحث عن الأهالي المحاصرين والمصابين في هيروشيما
وأثناء بحثه عن ضحايا القصف النووي، سمع “كيهارا” بكاء يتوسل للحصول على جرعة من الماء. وبإقترابه من مصدر الصوت، رأى امرأة مصابة بحروق شديدة، تحمل رضيعا بين ذراعيها، كانت الحروق جميع أنحاء جسدها، عندها اكتشف “كيهارا” أن طفلها الرضيع قد مات!
يكمل “كيهارا”: “لم يكن هناك شيئا يمكن أن أفعله بالنسبة لها، اعتذرت ومشيت بعيدا عنه .. وهذا لا يزال يسبب الألم في قلبي..”
استكمالاً لشهادات الناجين من الكارثة “شوسو كاواموتو” الذي أصبح واحدًا من يتامى القنبلة الذرية على هيروشيما عندما قام بالبحث عن والديه بعد ثلاثة أيام من القصف.
كان يبلغ من العمر 11 عامًا، ليكن المكان الوحيد الذي استطاع اللجوء إليه هو معبد يقدم الطعام مجانًا، فيما أصبح “كاواموتو” واحدًا من يتامى الشوارع الذين يناضلون لمجرد البقاء على قيد الحياة، واضطر أحيانًا إلي سرقة كعك الأرز من الباعة الجائلين الذين كانوا يعملون لحساب عصابات كانت تستغل أطفال الشوارع في ذلك الوقت.
تسوتومو ياماغوتش .. “قاهر القنبلتين”
كان مهندسًا يبلغ من العمر 29 يعمل موظف لدى شركة “ميتسوبيشي”، وأثناء رحلة عمل في مدينة هيروشيما اليابانية في صباح يوم ٦ أغسطس وعند إسقاط القنبلة على مدينة هيروشيما حيث كان يتواجد “ياماغوتشي”، على بعد أقل من ميلين من نقطة الانفجار، وبعدها بثوانٍ شعّ في عينيّه وميض غطى المشهد كله أمامه، ثم شعر بحرارة شديدة في جسده.
بعدها أمضى السيد ياماغوتشي ليلة في ملجأ قنابل في هيروشيما، ليعود في اليوم التالي إلى مسقط رأسه في مدينة ناغازاكي.
وبعد حوالي يومين من رجوعه (٩ أغسطس)، كان “ياماغوتشي” في مقر عمله في مدينة “ناغازاكي” ليدوّى انفجار هائل اهتزت له المدينة التي غطاها نفس الوميض، وسريعاً كان “ياماغوتشي” أول الشاعرين القنبلة النووية الجديدة كالتي قتلت الآلاف اليابانيين في هيروشيما قبل يومين.
نجا الرجل من القنبلتين النوويتين ليكون الوحيد على مستوى العالم الذي تعرض لمأساة بهذا الحجم، إلا أن المضاعفات التي حدثت له بسبب احتراق جلده أثرت عليه نفسياً وجسدياً، إلى درجة أنه فقد السمع في أذنه اليسرى، وتهالك جهاز المناعة لديه، فأُصيب بسرطان الدم الذي عولج منه فيما بعد، لكنه ومع كثرة مضاعفات المرض عاد إليه السرطان مرة ثانية ولكن لم يقوى عليه هذه المرة، ليرحل عن عالمنا في العام 2010.
الشجرة الوحيدة الناجية من الكارثة
شجرة الصفصاف Hibaku Jumoku تعد النبات الوحيدة الذي نجى من أثار القنبلة النووية، التي سقطت على هيروشيما، ولازالت موجودة إلى الآن، في منطقة قريبة على بعد 370 متر من مركز الانفجار النووي، وعلى الرغم من سقوطها وقتها، إلا أن جذورها قد نجت من الكارثة ونبتت براعم جديدة في قاعدتها لتنمو الشجرة من جديد.
وعقب هذه المأساة الإنسانية قامت اليابات بالاستسلام تمامًا لقوات الحلفاء بعدما أجبرت على توقيع وثيقة “الاستسلام” في الثاني من شهر سبتمبر، وهو الأمر الذي أنهي الحرب في المحيط الهادئ رسميًا، ومن ثم نهاية حقبة الحرب العالمية الثانية بمجزرة نووية، وسارت على الطريقألمانيا ووقعت وثيقة الاستسلام، مما أنهى الحرب في أوروبا.