بعد أيام من خطاب العرش الذي وجّه فيه العاهل المغربي محمد السادس، انتقاداته للنخب السياسية في بلاده مطالبا إياها بالاستقالة، خرج زعيم حزب “الأصالة والمعاصرة”، إلياس العماري، في خطوة مفاجئة، ليعلن في اجتماع مع المكتب السياسي لحزبه، مساء الإثنين، “استقالته” من الحزب الثاني في البرلمان المغربي.
أسباب شخصية؟
أرجع زعيم حزب “الأصالة والمعاصرة“، أكبر حزب معارض بالمملكة المغرب، إلياس العماري، استقالته من مهمته على رأس الأمانة العامة للحزب إلى شعوره بخيبة الأمل من حصيلة الحزب في محطات انتخابية وسياسية ماضية ورغبته في إيجاد قيادة زعيم جديدة تنتخبه الأجهزة المعنية.
تولى العماري، مهامه على رأس الحزب الذي أسسه فؤاد علي الهمة، مستشار ملك المغرب العام 2008، في بداية العام 2016
وشدد العماري، خلال مؤتمر صحافي، أعلن خلاله قرار استقالته، على أن مغادرته ليست وليدة شعور انفعالي، كما لا يروم من ورائه إلى مزايدات سياسية، واعتبر أن استقالته، أمر محفز له للعمل من داخل الحزب الذي قدّم نفسه طيلة السنوات الماضية بديلا للركود الذي تشهده التيارات التقليدية من جهة وحاجز صد أمام تمدد حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة المغربية حاليا.
وأبدى العماري، المنحدر من منطقة الريف شمال المملكة، استياءه من حصيلة حزبه خلال المدة التي تلت الانتخابات التشريعية لسنة 2015، والتي احتلّ خلالها المرتبة الثانية خلف حزب العدالة والتنمية، وتولى العماري، مهامه على رأس الحزب الذي أسسه فؤاد علي الهمة، مستشار ملك المغرب العام 2008، في بداية العام 2016.
خسر رهان الملك
شكلت استقالة العماري من قيادة شؤون حزب “الأصالة والمعاصرة”، الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية، مفاجأة كبيرة في الأوساط الحزبية بالمملكة المغربية، خاصة وأنها تأتي بعد أيام قليلة من خطاب الملك الذي تناول فيه “الأحزاب ذات الممثلين الغائبين” و”الذين لا يؤدون مهامهم” خصوصا فيما يخص إدارة الأزمة في الريف.
العاهل المغربي محمد السادس
ويؤكّد مراقبون أن هذا الحزب الذي يتلقّى الأوامر من الملك لإضعاف الإسلاميين، قد تراجع تأثيره على الساحة السياسية المغربية رغم تجنيد كل الإمكانيات له، لصالح التجمع الوطني للأحرار، وهو حزب ليبرالي آخر قريب من الملك أصبح الحزب الجديد في مواجهة الإسلاميين وممثلا للمخزن في البرلمان.
و”المخزن” مصطلح سياسي مغربي يُقصد به نافذون في المملكة يتقلدون مناصب في الإدارات المهمة، وهم من المقربين من القصر الملكي، ويتحركون باسم الدفاع عن مصالحه، ويفضلون تحديد مصالح المملكة، واتخاذ القرارات المهمة خارج المؤسسات التمثيلية، مثل البرلمان، وعادة ما يتحركون مع شبكة من رجال الأعمال وفاعلين آخرين.
ويشار إلى أن حزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس عام 2008 يمثّل امتدادا لـ “حركة لكل الديمقراطيين”، وقامت بنيته على المزج بين نخب سياسية واقتصادية حداثية، وارتبطت نشأة الحركة والحزب بشخصية فؤاد عالي الهمة المعروف بصديق الملك، والذي يشغل حاليا منصب مستشار للعاهل المغربي محمد السادس، مما جعل الحزب الجديد قبلة للأعيان والشخصيات النافذة وكثير من الوجوه ذات الماضي اليساري.
تشهد مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف، شمالي المغرب، احتجاجات متواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي
وكان العاهل المغربي قد وجّه في خطاب العرش الأخير انتقادات لاذعة للطبقة السياسية والإدارة محملا إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع، مطالبا إياها بالإنصات لهموم الشعب وتقديم خيرة نخبتها، والابتعاد عن الصراعات السياسية الضيقة وجعل احتياجات المواطن ومصلحة الوطن فوق أي اعتبار سياسي ضيق.
وأشار ملك المغرب إلى أن بعض السياسيين انحرفوا بالسياسة، كما أن المواطن لم يعد يثق بهم، وخاطب المسؤولين بقوله إما أن تقوموا بمسؤولياتكم أو تنسحبوا، وقال إنه عندما لا تسير الأمور كما ينبغي يتم الاختباء خلف القصر الملكي في حين يتم الهرولة لقطف نتائج وثمار النجاح، معبرا عن صدمته من تواضع الإنجازات في بعض القطاعات.
وتشهد مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف، شمالي المغرب، احتجاجات متواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمطالبة بالتنمية و”رفع التهميش” ومحاربة الفساد، وذلك إثر وفاة تاجر السمك محسن فكري المنحدر من امزورن، الذي قتل طحنًا داخل شاحنة لجمع النفايات، خلال محاولته الاعتصام بها، لمنع مصادرة أسماكه، وجدير بالذكر أن أغلب مسؤولي منطقة الريف ينتمون إلى حزب “الأصالة والمعاصرة”.