ترحمة وتحرير نون بوست
تعرضت قطر، لأكثر من شهرين، لحصار سياسي واقتصادي تقوده المملكة العربية السعودية، لكنها أيّدت الأسبوع الماضي فقط، مشروع قانون يمنح حق الإقامة الدائمة لبعض الأشخاص غير القطريين، بمن فيهم الأطفال من أم قطرية وأب غير قطري. وعلى الرغم من كل ما تقوم به الدول المحاصرة، قامت الدوحة بتغيير طرق الشحن، وإيجاد مستوردين جدد للمنتجات الغذائية الأساسية، وتثبيت دفاعاتها، لكن لسائل أن يسأل؛ لماذا تستغرق قطر وقتا في تغيير قوانين الإقامة الخاصة بها؟
القيادة القطرية تستخدم هذه الأزمة لصالحها
من خلال تحقيق أهدافها السياسية المحلية، من شأن قطر أن تعيد تشكيل ليس فقط البلاد بل مجلس التعاون الخليجي ككل. وبالتالي، يدل هذا التحرك على أن القيادة القطرية تستخدم هذه الأزمة لصالحها. علاوة على ذلك، إن إقدام الدوحة على مثل هذه الخطوة هو خير دليل على تراجع تأثير المملكة العربية السعودية على دول مجلس التعاون الخليجي الست.
والجدير بالذكر أن الحصار، الذي تقوده السعودية، كان محاولة لإجبار قطر على العودة إلى صفوف أعضاء مجلس التعاون الخليجي الأكثر تحفظا، بيد أن تحرك قطر بشأن قوانين الإقامة يدل على أن الحصار ينطوي على تأثير معاكس.
قوانين المواطنة في دول مجلس التعاون الخليجي: حصري وأبوي
شكلت الممالك الست في شبه الجزيرة العربية مجلس التعاون الخليجي سنة 1981، كجبهة موحدة ضد الأطماع العراقية والإيرانية. وقد أظهر غزو العراق للكويت الغنية بالنفط سنة 1990، فشل مجلس التعاون الخليجي في حماية أعضائه من التهديدات الخارجية، ولكنه أثبت جدارته في حماية حكامه الاستبداديين ضد التهديدات الداخلية.
القانون الجديد في قطر هو الأول في الاتحاد، الذي يمنح غير القطريين المزايا الاقتصادية مثل التي يتمتع بها المواطنون القطريون
وفي ظل نفوذ المملكة العربية السعودية، اتبع مجلس التعاون الخليجي خطًا محافظا، فهو يتصرف (أو بالأحرى فشل في العمل) ككتلة موحدة بشأن القضايا المحلية الحساسة، وأعطى كل بلد قدرا من الغطاء السياسي لمجابهة المواطنين المعارضين.
وتماشيا مع دول مجلس التعاون الخليجي، ما فتئت قطر تطبق قوانين المواطنة التي بموجبها لا يستطيع أي شخص الحصول على الجنسية إلا من الأب، فضلا عن أنه لا يحق للأشخاص الذين ولدوا في قطر المطالبة بالحصول على الجنسية، بما في ذلك أطفال النساء القطريات من رجال غير قطريين.
عموما، إنوفي ظل الأوضاع الراهنة، ومع أن الحصار قد طال أمده، إلا أن تحرك قطر لتوسيع قوانين الإقامة فيها قد يكون أول محاولة من المحاولات العديدة لإحراز تقدم في القضايا الاجتماعية
الدعم العام للتغييرات القانونية
طيلة السنوات العشر التي عشتها وعملت فيها في قطر، لمست لهفة القطريين على التغيير. وبين سنتي 2013 و2014، أجريت مسحا لمواقف المواطنين القطريين بشأن أدوار الجنسين، والرضا الاقتصادي، والفعالية السياسية، وخياراتهم السياسية. وفي كلتا الحالتين، أيد تسعة من أصل كل 10 قطريين، رجالا ونساءً، التغيير في القوانين للسماح للنساء القطريات بنقل جنسيتهن إلى أطفالهن.
وتجدر الإشارة إلى أن القطريين ليسوا صامتين حيال هذه المخاوف، إذ أن وسائل الإعلام المحلية كثيرا ما تبث شكاوى المحرومين من المواطنة، كما تنقل الفوائد التي تعود عليهم من الدولة، بما في ذلك الزيادات في مرتبات القطاع العام، وملكية الأراضي، ومنح التعليم، والعمالة، وحتى القدرة على الزواج والإنجاب. وفي حين اعترفت الحكومة القطرية بهذه المخاوف وتعهدت باستعراض القوانين التي ستطبقها في ظل إستراتيجياتها الإنمائية الوطنية، لم تكن هناك أي تحركات تذكر.
لماذا تغير قطر قانون الإقامة الآن بالتحديد؟
على الرغم من أن قطر كثيرا ما اتخذت مسارا مستقلا فيما يتعلق بالشؤون الخارجية، إلا أن الضغط السعودي وأصوات المحافظين من الأسر المؤسسة داخل البلاد، عرقلت قطر في تجربة إحداث تغييرات داخلية. وعموما، يبدو أن الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحصار أعطت النظام القطري الغطاء السياسي المحلي للعمل.
في الواقع، قد يكون هذا القانون مبشرا بإحداث المزيد من التغييرات. ومن المقرر أن يتم فرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي سنة 2018
في الحقيقة، يتزوج آلاف المواطنين القطريين من آخرين من دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن مع صعوبة نقل المواطنة الزوجية، فإن معظمهم يحتفظون بمواطنة بلدهم حتى عندما يتزوجون ويعيشون ويعملون في دولة أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي.
قد تكون هذه الخطوة مجرد البداية بالنسبة لقطر
في الواقع، قد يكون هذا القانون مبشرا بإحداث المزيد من التغييرات. ومن المقرر أن يتم فرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي سنة 2018، لمساعدة هذه الدول التي تعاني من عجز في الميزانية والدعم غير المستدام للطاقة. وبالتالي، سيلقي انشقاق وحدة دول مجلس التعاون الخليجي بظلاله على هذه المبادرة.
وبالفعل، وضعت قطر خططا لزيادة الضرائب داخليا، بيد أنها لم تطبق “ضريبة الخطيئة” المفروضة على الكحول في تموز/ يوليو، مما يشير إلى أن قطر أقل اهتماما في كسب المال بما في ذلك المصالح التجارية الهامة، وحريصة على الحفاظ على مجتمعها الوافد سعيدا وراضيا. ومن هذا المنطلق، تشير قطر أيضا إلى أنها ستغير قواعد الاستثمار الأجنبي والملكية لجذب المزيد من الأعمال التجارية بعيدا عن جيرانها المحاصرين لها.
في ظل الأوضاع الراهنة، ومع أن الحصار قد طال أمده، إلا أن تحرك قطر لتوسيع قوانين الإقامة فيها قد يكون أول محاولة من المحاولات العديدة لإحراز تقدم في القضايا الاجتماعية
على غرار الإستراتيجية التي اتبعتها الكويت في ستينات وسبعينات القرن الماضي؛ لإضفاء الشرعية السياسية في مواجهة التهديدات الإقليمية العراقية، قد نشهد تغيرات سياسية متزايدة في قطر التي تسعى إلى النأي بنفسها عن باقي دول التعاون الخليجي والتميز عنهم، بما في ذلك الانتخابات التي طال انتظارها للهيئة التشريعية الوطنية.
وفي الأثناء، يتوقع القطريون أن الدولة ستُقدم على هذه الخطوة، فالاستطلاع الذي أجريته سنة 2013 أظهر أن الأغلبية الساحقة من القطريين (90 في المائة) وافقوا على أن انتخاب مجلسهم التشريعي الخاص كما جاء في دستور سنة 2004، سيكون أمرا جيدا. وفي هذا الصدد، أفاد مواطن قطري مؤخرا “إذ كان هناك رقابة مفروضة على مواضيع سياسية معينة سابقا، فإنه في الوقت الراهن لا وجود لها، فالنقاشات السياسية تدور في المجلس وفي العلن أيضا”.
وفي ظل الأوضاع الراهنة، ومع أن الحصار قد طال أمده، إلا أن تحرك قطر لتوسيع قوانين الإقامة فيها قد يكون أول محاولة من المحاولات العديدة لإحراز تقدم في القضايا الاجتماعية، التي كانت تجتاحها لفترة أطول بكثير من الحصار نفسه. وستواصل التحركات القطرية المقبلة تسليط الضوء على العواقب غير المقصودة للحصار الذي لم يتم إحكام التخطيط له.
المصدر: واشنطن بوست