لم تبدأ التوترات في العلاقات التركية الألمانية حديثا فقدت سبقت منع أنقرة نواب في البرلمان الألماني زيارة العسكريين الألمان في قاعدة انجرليك كرد تركي على منح ألمانيا حق اللجوء لضباط أتراك شاركوا في انقلاب 15 تموز وبسبب وجود نواب من حزب اليسار التي تتهمه أنقرة بدعم الارهاب ليدخل الأمر في عملية شد وجذب حيث ردت برلين على منع أنقرة للنواب بقرار نقل القوات الألمانية المشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب من تركيا إلى الأردن.
وقد نشأت التوترات سابقا في عدة أحداث ومواقف سياسية عامة منها بتبني ألمانيا الموقف المضاد لتركيا في قضية مذابح الأرمن كما تتهمها الدولة التركية بدعم حزب العمال الكردستاني وتوفير حاضنة لأنشطة جماعة غولن التي تتهمها تركيا بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية وفي هذا الإطار استهجنت ألمانيا حملة الاعتقالات التي قامت بها الدولة التركية في صفوف المشتبه بهم من جماعة غولن ومن حزب العمال الكردستاني وخاصة بعد اعتقال عدد من نواب حزب الشعوب الديمقراطي.
كما قامت ألمانيا بمنع وزراء أتراك على رأسهم وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو من المشاركة في فعاليات تخاطب الجالية التركية في ألمانيا قبيل استفتاء 16 نيسان الماضي الذي أقرت فيه التعديلات الدستورية والتي بدت في تمريرها هزيمة للدول الأوروبية التي اعتبرت ذلك تكريسا للديكتاتورية في تركيا، وقد منعت أيضا كلمة للرئيس أردوغان على هامش قمة دولية في ألمانيا مؤخرا ومنذ ذلك الوقت فإن الإعلام الألماني يقوم بشن حملات تحريضية كبيرة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، كما حاولت بعض الشركات الألمانية التأثير على موظفيها لحثهم على عدم التوجه لتركيا وعدم استخدام الخطوط الجوية التركية وكل هذه الأسباب أدت إلى توتر العلاقات بين تركيا وبين الدولة الأوروبية التي تحتضن حوالي 3 مليون تركي.
في ظل هذا التوتر والتهديدات الألمانية لتركيا حاولت ألمانيا أن تفرض عقوبات على تركيا من خلال قطع تمويل الاتحاد الأوروبي البالغ 4 مليار دولار
وفي هذا السياق ألقت هذه المواقف على علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي الذي أوصى برلمانه بتجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد وأعقبت ذلك جملة تصريحات نارية استخدمت كوقود في عدد من العمليات الانتخابية في أرووبا وفي استفتاء تركيا.
في ظل هذا التوتر والتهديدات الألمانية لتركيا حاولت ألمانيا أن تفرض عقوبات على تركيا من خلال قطع تمويل الاتحاد الأوروبي البالغ 4 مليار دولار كما مارست بعض المواقف التهديدية الأخرى لكن تركيا التي أدركت أن هناك حاجة أوروبية ومصالح أوروبية أمنية واقتصادية تجعلها مهمة جدا للأروبيين والألمان تحديدا لم تبد تنازلا في لهجتها حيث أدركت أن أوروبا تحتاج إليها وقد قال أردوغان في مطلع شهر يوليو الماضي “أن ألمانيا لن تخيفنا بتهديداتها”.
ومن أهم هذه المصالح أن أوروبا لا تريد لتركيا أن تتجه نحو روسيا في ظل الصعود الروسي المتنامي في شرق القارة وقد أكد هذا سيغمار جابرييل نائب المستشارة الألمانية حيث “رفض جابرييل استبعاد تركيا من حلف شمال الأطلسي وقال إن “تركيا ستظل جارًا كبيرًا، لم نستبعده إبان فترة الديكتاتورية العسكرية أوائل الثمانينيات (من القرن العشرين) من الناتو، حتى لا ندفع بتركيا في أيدي الاتحاد السوفييتي السابق، والآن نرغب في الاحتفاظ بتركيا لدينا ولا ندفع بها باتجاه عزلة سياسية خارجية أو باتجاه روسيا”.
أعربت الحكومة الألمانية بعد وقت قليل من هذه السياسة، عن استعدادها “لمد يدها” إلى تركيا بهدف تطبيع العلاقات معها إلا أنها طالبت أنقرة بتغيير خطابها وسياساتها تجاه برلين وباتباع القيم الأوروبية إذا ما كانت تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي
كذلك في ملف اللاجئين الذي بات يؤرق أوروبا كلها والذي تصدع الاتفاق الأخير بشأنه ومن المعلوم أن الملف يشهد خلال فترات الصيف أهمية أكبر مع تزايد ملحوظ في موجات اللاجئين عبر البحر. ويضاف للمصالح السابقة المشاريع التجارية والاستثمارات حيث من المعلوم أن ألمانيا تتصدر بقية الدول كأكثر الدول استيرادا من تركيا وقد حدثت زيادة في التبادل التجاري بين تركيا وألمانيا في يوليو الماضي بنسبة 31.2 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ولهذا استخدمت تركيا سياسة العصا والجزرة مع الألمان بشكل واضح حيث أعلنت عن تقاربها مع روسيا بشكل عملي من خلال الحديث عن اتفاقية لتوريد روسيا منظومة الدفاع الصاروخي اس 400 كما منعت تركيا نوابا ألمان من زيارة جنودهم في قاعدة تركيا واضطرتهم لاتخاذ قرار للحفاظ على ماء الوجه بنقل جزء منهم إلى الأردن على الرغم من أن ذلك يضعف حضور ألمانيا كما قامت في الأيام التي تلت طلب ألمانيا من الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا بإحالة عطاءات على اتحاد شركات ألمانية في مشاريع توليد الطاقة عبر الرياح في تركيا بقيمة مليار دولار. وعلى مستوى الخطاب في حين كان الرئيس أردوغان يتبنى لهجة قوية في التعليق على السياسة الألمانية كان رئيس وزرائه وعدد من الوزراء يستخدمون خطابا أقل حدة.
ولهذا أعربت الحكومة الألمانية بعد وقت قليل من هذه السياسة، عن استعدادها “لمد يدها” إلى تركيا بهدف تطبيع العلاقات معها إلا أنها طالبت أنقرة بتغيير خطابها وسياساتها تجاه برلين وباتباع القيم الأوروبية إذا ما كانت تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي. وقد سمحت أنقرة بعد تدخل من الناتو بزيارة وفد من المشرعين الألمان في شهر سبتمبر للجنود الألمان في قاعدة عسكرية تركية بالقرب من قونية جيث يوجد قرابة 30 جندي ألماني.
ويتم حاليا تجهيز أسماء الوفد الذي سيشارك بالزيارة علما أن مراقبة الجيش هي أحد مهمات البرلمان في ألمانيا ولذلك يتوجب على نواب من البرلمان زيارة وحدات الجيش في الخارج ومن الجدير بالذكر أن هذه التطورات والمؤشرات الإيجابية حدثت بعد أن كان المرجح هو تراجع أكبر في العلاقات وما هذا إلا دليل على أن أوروبا ما زالت لا تعرف إلا لغة المصالح والتي هي طبيعة العلاقات الدولية لكنها تتجلى بأجمد صورها في العلاقات مع أوروبا لكن هذا لا يعني بالمرة أن مشكلة أروبا مع أردوغان ستنتهي.