رغم تأكيد السلطات الإيطالية أن الهدف من وراء عمليتها البحرية في ليبيا مكافحة مهربي المهاجرين غير الشرعيين، وتقليل تدفقهم من الساحل الليبي إلى السواحل الإيطالية، إلا أن عديد المراقبين يرون في هذه العملية عودة إيطالية لمساعيها الاستعمارية في هذا البلد العربي الذي يعيش على وقع الفوضى منذ فبراير 2011.
الأهداف المعلنة
في الثاني من أغسطس الحالي، وافق البرلمان الإيطالي بأغلبية 328 صوتًا في مجلس النواب و191 عضوًا في مجلس الشيوخ، على خطة لإرسال قطع بحرية إلى ليبيا، لتوفير الدعم الفني لخفر السواحل الليبيين في مكافحة تهريب المهاجرين غير النظاميين باتجاه القارة الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط، وتقليل تدفقهم من الساحل الليبي إلى السواحل الإيطالية، وذلك بعد الاتفاق بين الجانبين الليبي والإيطالي على تفاصيل العملية.
سبق أن تولت إيطاليا قيادة الجهود الرامية إلى إحلال السلام في مستعمرتها السابقة، وتحملت عبء الموجات المتعاقبة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين
وأوضحت السلطات الإيطالية على لسان وزيرة الدفاع الإيطالي روبرتا بينوتي أن المهمّة تكمن في إرسال سفينة لوجيستية للقيام بعمليات صيانة على المعدات البحرية الليبية في بداية الأمر، ومن ثم الانتقال إلى عمليات دورية”، لتضيف “وفي حالة التعدي على الجنود الإيطاليين يمكنهم الرد ولكن بشكل محدود”، وتأمل إيطاليا التي تضغط على عديد المنظمات غير الحكومية حتى تلعب دورًا في انتشال المهاجرين قبالة الساحل الليبي ونقلهم إلى إيطاليا، حسب مراقبين، أن يتمكن خفر السواحل الليبي من المساعدة في منع قوارب المهاجرين المتهالكة من الإبحار حتى لا يتعرّض المهاجرين السريين إلى الغرق.
وسبق أن تولت إيطاليا قيادة الجهود الرامية إلى إحلال السلام في مستعمرتها السابقة، وتحملت عبء الموجات المتعاقبة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، الذين يعبرون البحر المتوسط انطلاقًا من الشواطئ الليبية نحو شواطئ جزيرة لامبادوزا، وأصبحت قضية الهجرة غير الشرعية مصدرًا متناميًا للخلاف السياسي في إيطاليا قبل انتخابات عامة من المتوقع أن تجرى في أوائل العام المقبل.
تعمل إيطاليا على استغلال قضية اللاجئين لتحقيق أهدافها الخفية في ليبيا
ومنذ بداية السنة الحالية، عبر أكثر من 94 ألف مهاجر البحر المتوسط إلى إيطاليا، بحسب منظمة الأمم المتحدة، ولقي 2370 حتفهم بينما كانوا يحاولون الوصول إليها، فيما عبر البحر إلى أوروبا ما يقرب من 163 ألف من المهاجرين واللاجئين في رحلة مباشرة من ليبيا عام 2016، وفقًا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، مقارنة بأكثر من 138 ألف شخص في عام 2015، فيما دخل أكثر من نصف مليون شخص إلى إيطاليا قادمين من شمال إفريقيا منذ عام 2014.
الأهداف الخفية
رغم تأكيد الجانب الإيطالي أنه لا تسعى من وراء هذه المهمة البحرية الجديدة في المياه الإقليمية الليبية خلق حصار بحري على ليبيا، باعتبار ذلك عملًا عدائيًا، فإن عديد المتابعين للشأن الليبي قالوا إن وراء هذه العملية أهداف إيطالية خفية.
يدخل التحرك الإيطالي في المياه الإقليمية الليبية، حسب تقارير اعلامية، ضمن استيائها من المبادرة الفرنسية التي جمع فيها ماكرون السراج وحفتر
ويرى الجانب الإيطالي في ليبيا منطقة نفوذ له، فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخيًا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تنقطع الصلات بين البلدين حتى عندما كانت ليبيا في عزلة جراء العقوبات التي فرضت عليها عام 1992، فقد ظلت شركة “إيني” الإيطالية المستثمر الأساسي في الغاز والنفط الليبي، وكانت روما إحدى بوابات عودة ليبيا للمجتمع الدولي التي بدأت تدريجيًا 2003.
ويدخل التحرك الإيطالي في المياه الإقليمية الليبية، حسب تقارير إعلامية، ضمن استيائها من المبادرة الفرنسية التي جمع فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية الشهر الماضي في إحدى ضواحي العاصمة باريس بين رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج وواللواء المتقاعد خليفة حفتر، وترى إيطاليا في فرنسا المسؤولة الأولى عما وصلت له ليبيا عقب التدخل العسكري ضدها سنة 2011، ودعتها إلى “عدم تكرار الأخطاء التي اُرتُكبت في ليبيا بالماضي”.
تسعى إيطاليا لاستعادة نفوذها في ليبيا
في سياق ذلك، أفاد المتحدث باسم القوات البحرية الليبية، التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بقيادة فائز السراج، أيوب قاسم، أن السفينة الإيطالية “تريميتي” وصلت إلى قاعدة طرابلس البحرية ظهر الثلاثاء، وعلى متنها ستة ضباط، بالإضافة إلى طاقمها المكون من 44 بحارا، وذلك بعد أن غادرت سفينة “كوماندانتي بروزيني” الإيطالية قاعدة طرابلس بعد زيارة عمل استمرت 5 أيام، في إطار تفعيل اتفاقية الصداقة بين ليبيا وإيطاليا التي وقَّعها النظام السابق في العام 2008، وفقا لما ذكرته رئاسة أركان القوات البحرية بطرابلس.
طلعات جوية
بالتزامن مع هذه العملية البحرية، كثّف السلاح الجوي الإيطالي طلعاته الجوية في سماء ليبيا، وتقول روما إنّ الطلعات الجوية لطائراتها الحربية تهدف لمراقبة الوضع العام ورصد أي تحركات وصفتها بالمشبوهة إلى جانب دعم البعثة العسكرية التي بدأت عملها في المياه الإقليمية الليبية. وكشفت صحيفة “الماتينو” الإيطالية، السبت، أن طائرات التجسس حلقت في بعض الأحيان شرق ليبيا حيث البرلمان وقيادة القوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر الذي هدّد في وقت سابق باستهداف السفن الإيطالية حال دخولها المياه الليبية.
الطلعات الجوية الإطالية تثير شكوك الليبية من أهدافها
وأشارت تقارير اعلامية أن طائرات التجسّس الإيطالية التابعة لسلاح الجو الإيطالي حلّقت فوق مدينة الخمس وأيضا مدينة مصراته، رغم أنها ليست منطقة انطلاق لقوارب الهجرة غير الشرعية التي تسعى للوصول إلى سواحل القارة العجوز، وبإمكان الطائرات الإيطالية التصوير الجوي والمساحي عالي الدقة، وأيضا جمع بيانات متعددة الأغراض منها العسكري والاستخباراتي والمدني.