لليوم الثاني على التوالي تتواصل الاحتجاجات العنيفة التي تفجرت في مدن كينية عدة، مباشرة فور إعلان مفوضية الانتخابات الرئاسية أمس، فوز الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا بدورة جديدة مدتها خمس سنوات، في ظل تشكيك منافسه رايلا أودينغا في النتائج ونزاهة الاقتراع، مما أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المتظاهرين أنصار أودينغا.
احتجاجات دامية
كما كان منتظرًا، دقائق بعد إعلان فوز كينياتا، بدأت الاحتجاجات الرافضة لنتيجة الانتخابات، حيث شهدت أحياء كاريوبانجي وماثاري وداندورا بالعاصمة أعمال عنف، وأقدم مجموعات من الشباب على إشعال العجلات بالشوارع، وفي “كيبيرا” أحد أحياء الصفيح في مدينة نيروبي، نهب أنصار لأودينغا متاجر تعود لمؤيدين للسلطة، فتصدت لهم الشرطة وأطلقت أعيرة نارية باتجاه مثيري الشغب، وفق ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي كيسومو (غرب) أيضًا، قام متظاهرون بأعمال شغب في حي كونغيلي الذي كان قد شهد الأربعاء اشتباكات قصيرة، كما سمعت أصوات أعيرة نارية أطلقتها الشرطة في محاولة لتفريق المتظاهرين، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
بعد ترقب استمر لأيام، أعلنت مفوضية الانتخابات في كينيا، مساء أمس، فوز الرئيس كينياتا بفترة جديدة
وفي أثناء ذلك، نقلت تقارير إعلامية عن الشرطة الكينية ومصادر طبية أن شخصًا قتل بالرصاص خلال الاحتجاجات الليلية في مدينة كيسومو غرب البلاد، في حين أصيب أربعة وتم نقلهم إلى المستشفى، كما قتل شخص آخر في مدينة سيايا (74 كيلومترًا شمال غرب كيسومو) وفق ما أفاد مسؤول بالشرطة المحلية لوكالة الصحافة الفرنسية.
وبعد ترقب استمر لأيام، أعلنت مفوضية الانتخابات في كينيا، مساء أمس، فوز الرئيس كينياتا بفترة جديدة، وقال رئيس المفوضية وافولا تشيبوكاتي إن كينياتا حصل على 54.27% من الأصوات، بينما حصل زعيم المعارضة أودينغا على 44.74%، وخاض سباق الرئاسة ثمانية مرشحين لكن الانتخابات كانت بين متنافسين اثنين هما الرئيس كينياتا وأودينغا، وهما نجلان لشخصيتين في فترة الاستقلال: أول رئيس للبلاد جومو كينياتا ونائبه أوجينغا أودينغا.
يرفض أنصار زعيم المعارضة الاعتراف بنتائج الانتخابات
وقبل ذلك شهدت الحملة الانتخابية توترًا زاد من حدته تعرض المدير الرئيسي لنظام التصويت البيومتري كريس مساندو للتعذيب والقتل، وعثر على جثته في ضواحي نيروبي بداية آب/أغسطس الحالي، وقبل الموعد الانتخابي، أشارت استطلاعات الرأي إلى تقارب النتائج بين كينياتا وأودينغا.
وهي المرة الثانية التي يتواجه فيها الخصمان في الانتخابات الرئاسية، وتندرج المنافسة بينهما ضمن تاريخ طويل من الخصومة على مدى أكثر من نصف قرن بعد أن تحول والداهما جومو كينياتا وجاراموغي أودينغا من النضال المشترك في سبيل الاستقلال إلى خصمين لدودين، وينتمي الرجلان إلى اثنتين من المجموعات الإثنية الرئيسية في كينيا، كينياتا ينتمي إلى إثنية “كيكويو” وهي الأكبر، وأودينغا إلى إثنية “لويو”.
رفض النتائج
هذه الاحتجاجات تزامنت مع إعلان أودينغا رفضه النتائج المعلنة، وقال أودينغا في مؤتمر صحافي عقده مع بدء إعلان النتائج عبر نظام الفرز الإلكتروني، الذي يهدف الى منع حصول تزوير: “هذه النتائج كاذبة، إنها مزورة، لا يمكن أن تكون صحيحة”، وأضاف أن اللجنة الانتخابية لم تقدم وثائق تظهر كيف تم التوصل إلى تلك الأرقام، واتهم أودينغا (72 عامًا)، الذي يخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الرابعة مرشحًا عن حزب “التحالف الوطني العظيم”، منافسيه بأنهم سرقوا منه الفوز عبر تزوير نتائج انتخابات 2007 و2013.
اتهامات للجنة الانتخابات بالتستر على التجاوزات
وكانت المعارضة الكينية قد طالبت أمس الجمعة اللجنة الانتخابية بعدم التسرع في إعلان اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية، وقال المسؤول الثالث في المعارضة موساليا مودافادي للصحافيين: “عليهم ألا يتسرعوا في الإدلاء بتصريح قبل إنجاز العملية في شكل يرضي جميع الأطراف، هذا أمر أساسي“، من جهته، قال جيمس أورينغو أحد أبرز قادة تحالف المرشح أودينغا: “اللجوء إلى القضاء بالنسبة إلينا ليس خيارًا، فقد فعلنا ذلك في الماضي”، وأضاف “في كل مرة تمت سرقة انتخابات، كان الشعب الكيني ينهض لإحداث تغييرات تجعل من كينيا مكانًا أفضل“، وتابع “إنها مهزلة كاملة، إنها كارثة”.
إشادة بنزاهة الانتخابات
في مقابل ذلك، أعلنت مختلف بعثات المراقبة الدولية دعمها للجنة الانتخابية ودعت الكينيين للتحلي بالصبر، وقادتهم إلى ضبط النفس، وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي إنها لم تلحظ أي دلائل على تلاعب رغم شكاوى المعارضين، فيما أكد وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري الذي ترأس بعثة مراقبة من مركز كارتر قائلاً: “حتى الآن لم تظهر أي مخالفات”.
أودينغا، أشار إلى دخول قراصنة لنظام فرز الأصوات بهوية مدير الاتصالات في اللجنة كريس مساندو الذي قتل قبل 10 أيام
وردًا على اتهامات زعيم المعارضة رايلا أودينغا الذي أدان حدوث “قرصنة” لقاعدة بيانات اللجنة الانتخابية للتلاعب في النتائج، أكد مسؤول اللجنة الانتخابية في كينيا إيزرا تشيلوبا الأربعاء، أن النظام المعلوماتي الخاص باللجنة لم يتعرض لأي اختراق خارجي “قبل أو خلال أو بعد” الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد، وأبرز تشيلوبا أن أنظمة نقل النتائج وفرز الأصوات “آمنة”.
وكان أودينغا، قد أشار إلى دخول قراصنة لنظام فرز الأصوات بهوية مدير الاتصالات في اللجنة كريس مساندو الذي قتل قبل 10 أيام وتحميل لمتتابعة خوارزمية تمنح أفضلية مستمرة 11% لمنافسه الرئيس أوهورو كينياتا، وتضمنت الوثائق التي قدمها أودينجا محاولات غير ناجحة للدخول باستخدام اسم وكلمة سر مساندو، وكذلك اسم المستخدم وكلمة السر الخاصة برئيس اللجنة وافولا تشيبوكاتي.
خشية الأسوأ
يخشى الكثير من الكينيين أن يعاد سيناريو ما بعد انتخابات عامي 2007 و2013، حيث شهدت البلاد أعمال عنف أدت لمقتل المئات وتشريد مئات الآلاف، ففي عام 2007 أثارت دعوة المرشح ريلا أودينغا لتنظيم احتجاجات في الشوارع بعد مشكلات في إحصاء الأصوات، موجة واسعة من العنف الطائفي أسفرت عن مقتل 1200 وتشريد 600 ألف، وسقط معظم القتلى في كيزيمو، وهي مدينة يقطنها مليون نسمة معظمهم من قبيلة “لو” التي ينتمي إليها أودينغا وتطل على ساحل بحيرة فيكتوريا، وقد تكدست أسواقها المفتوحة ومتاجرها أمس الأحد بالمشترين الذين سارعوا للتزود باحتياجاتهم الأساسية في اللحظات الأخيرة.
خشية من حدوث أعمال عنف شبيهة بما حصل سنوات 2007 و2013
وأضر العنف الذي حدث سنة 2007 بأكبر اقتصاد في شرق إفريقيا، حيث توقفت التجارة الإقليمية وألغى السائحون – أكبر مصدر للنقد الأجنبي في البلاد – عطلاتهم، دخلت البلاد بعدها مرحلة صعبة، إلى أن تم التوصل لاتفاق بوقف العنف بين الأطراف، نص في مجمله على تقاسم السلطة باستحداث منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى وتعيين زعيم المعارضة في هذا المنصب.
كما تم تشكيل لجنة من الخبراء تكونت من ستة كينيين وثلاثة غير كينيين: واحد من زامبيا وآخر من جنوب إفريقيا وآخر من أوغندا، حيث قامت تلك اللجنة بمراجعة مسودة الدستور وتم تحديد فترة 12 شهرًا لتقديم المسودة الجديدة للاستفتاء، وفي 2010 تمت الموافقة على الدستور الكينى الجديد لتخطو كينيا خطوة كبرى إلى الديموقراطية.