ترجمة وتحرير نون بوست
من أعلى نتوء صخري يطل على مقلع للحجر الكلسي في الوادي المقفر الذي يقع أسفله، يقوم مقاتل من حزب الله بتقصّي أراض كانت قبل أيام فقط خاضعة لسيطرة المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة. وفي تذكّره للمعارك الواقعة هناك، صرّح الرجل الشاب ذو الشارب الناعم أن “القناصة كانوا يتمركزون وراء كل صخرة”.
والجدير بالذكر أن عملية دحر المتطرفين من مخبئهم الجبلي الواقع على الحدود الشمالية الشرقية للبنان المتاخمة لسوريا، قد انطلقت في 21 تموز/ يوليو الماضي. وخلال أسبوع واحد فقط، تمكن حزب الله من هزيمة خصومه المتطرفين، ليضيف بذلك انتصارا جديدا إلى قائمة انجازاته العسكرية المتزايدة منذ اندلاع الحرب في سوريا، قبل ست سنوات.
عموما، نجحت وحدات حزب الله البرية، جنبا إلى جنب مع القوة الجوية الروسية والمساعدات العسكرية الإيرانية، في الإبقاء على نظام بشار الأسد، الرئيس السوري الغارق في دماء شعبه، على رأس السلطة، وهو ما دفع حزب الله ثمنه غاليا. وقد أودت المعارك بحياة حوالي ألفين من مقاتلي حزب الله، من مجموع ما يقارب 15 ألف من المقاتلين (باستثناء جنود الاحتياط)، الذين لقوا مصرعهم على الخطوط الأمامية للمعارك في سوريا.
اعتمد حزب الله تكتيكات تقليدية أكثر خلال حملته في سوريا، كما تمكن من تعزيز ترسانته الحربية، حيث استخدم الدبابات والصواريخ الموجهة وأسطولا من الطائرات من دون طيار، وقاد المعارك عبر الصحاري والجبال والمدن.
فضلا عن ذلك، ساهم الصراع السوري في إحداث تحويرات في صلب حزب الله، الذي هو عبارة عن حزب لبناني سياسي قوامه المليشيات. وقد استمد حزب الله قوته من القتال وتدفق الأسلحة القادمة من إيران، ما جعله في الوقت الراهن أقرب منه إلى جيش منظم وأكثر فعالية، الأمر يثير قلق خصمه التقليدي، إسرائيل.
وتعود جذور حزب الله إلى أوائل ثمانينات القرن الماضي، حين قام الحرس الثوري الإيراني بتدريب المقاتلين الشيعة لقض مضجع الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يحتلون جنوب لبنان. وخلال الحرب الأهلية في لبنان، قام حزب الله بشحذ تكتيكات حرب العصابات الخاصة به بما في ذلك السياسات المفخخة، والاغتيالات.
وخلال سنة 2000، أعلن حزب الله انتصاره عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، ومرة أخرى حين حاربهم إلى غاية الدفع بهم إلى طريق دموي مسدود بعد ست سنوات. وخلافا لذلك، اعتمد حزب الله تكتيكات تقليدية أكثر خلال حملته في سوريا، كما تمكن من تعزيز ترسانته الحربية، حيث استخدم الدبابات والصواريخ الموجهة وأسطولا من الطائرات من دون طيار، وقاد المعارك عبر الصحاري والجبال والمدن.
من جانبهم، يحذّر المسؤولون الإسرائيليون من أن عدد الصواريخ التي يمتلكها حزب الله قد تضاعف حوالي 17 مرة مما كان عليه قبل عقد من الزمن. علاوة على ذلك، أصبحت أسلحة حزب الله أكثر تطورا ويُقال إنها تشمل صواريخ مضادة للطائرات. أما زعيم حزب الله، حسن نصر الله، فيؤكد أن صواريخه قادرة على أن تبلغ أي مكان في إسرائيل بما في ذلك مفاعلها النووي في الجنوب، والمصنع الكيميائي في الشمال. في الأثناء، يأخذ مخططو الحرب الإسرائيليون تفاخر نصر الله على محمل الجد.
إلى حدّ الآن، اقتصر رد الجانب الإسرائيلي على تحركاته داخل سوريا، حيث يقوم بين الحين والآخر بقصف مخابئ للأسلحة وقوافل الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى حزب الله. في المقابل، أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أن إيران تعمل حاليا على إنشاء مصانع للصواريخ داخل لبنان، وهو ما قد يدفع بالجانب الإسرائيلي إلى توجيه ضربات داخل البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي جهود إيران الرامية إلى شدّ عضد حزب الله ووكلائها الآخرين على الجانب السوري من مرتفعات الجولان، ما سيسمح بفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل، إلى جعل رد فعل إسرائيل أكثر صرامة، ما قد يتولد عنه صراع آخر. وتجدر الإشارة إلى أن كلا الجانبين يمتلك أسبابه الخاصة التي تدفعه إلى التخوف من احتمال أن تكون الحرب القادمة أسوأ من سابقتها.
من جهتها، أكدت إسرائيل أن العلاقة بين الدولة اللبنانية وحزب الله قد أصبح يشوبها الغموض خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفع وزير التعليم الإسرائيلي، نفتالي بنت، إلى القول إن إسرائيل سترسل البلد بأكمله “إلى العصور الوسطى” إذا ما وجه حزب الله ضربات نحوها. ونوّه بنت بأن المصانع ومحطات الطاقة والبنية التحتية الرئيسية الأخرى تعتبر أهدافا شرعية. في المقابل، أوضح نصر الله أنه سيحشد “مئات الآلاف” من المتطوعين من جميع أنحاء العالم العربي لمحاربة إسرائيل. وعموما، قد تؤدي أية تقديرات خاطئة من قبل أي من الطرفين إلى نتائج مدمرة.
أصدقاء جدد مع فوائد
على الرغم من أن نداء حزب الله بالوحدة العربية قد تضرر جراء الدور الذي لعبه في الصراع الطائفي في سوريا، إلا أن قوته تشهد تناميا ملحوظا داخل لبنان، حيث نجح في إقامة تحالفات جديدة. في الواقع، أجّج حزب الله الشيعي المخاوف المسيحية من اللاجئين السنّة القادمين من سوريا الذين أصبحوا يشكلون، في الوقت الراهن، حوالي ربع سكان لبنان.
اغتنم حزب الله الفرصة وأرسل الأسلحة وأجهزة الرؤية الليلية والمستشارين من أجل مساعدة المسيحيين على تشكيل مليشيا لإبقاء المتطرفين بعيدا عن القرية.
والجدير بالذكر أن الرئيس اللبناني المسيحي، ميشال عون، قد تحالف مع الجناح السياسي لحزب الله، إذ قال إن حزب الله له الحق في الاحتفاظ بأسلحته بغية حماية لبنان من إسرائيل، مثيرا بذلك غضب السياسيين الذين يريدون نزع السلاح من حزب الله. ويقف مجلس الوزراء اللبناني في صف حلفاء حزب الله الذين يدعمون النظام في سوريا متمنّين عودة اللاجئين إلى بلدهم.
في هذا السياق، تعتبر قرية رأس بعلبك الحدودية اللبنانية أفضل مثال على هذا المشهد السياسي الجديد، وذلك في أعقاب تسلل المتطرفين من سوريا إلى المنطقة المسيحية سنة 2014. ومنذ ذلك الحين، عانى الاقتصاد المحلي؛ من جراء إغلاق مقالع الحجر الكلسي، ونزل الصيد، وتدهور حالة البساتين. وعند هذه المرحلة، اغتنم حزب الله الفرصة وأرسل الأسلحة وأجهزة الرؤية الليلية والمستشارين من أجل مساعدة المسيحيين على تشكيل مليشيا لإبقاء المتطرفين بعيدا عن القرية.
وفي شأن ذي صلة، أفاد قائد المليشيا المسيحية، رفعت نصر الله (الذي لا تربطه بحسن نصر الله أي صلة قرابة) بأن “إسرائيل تصور حزب الله على أنه منظمة إرهابية، لكن المقاومة ليست قوة خارجية تثير رعبنا، إنها جزء من مجتمعنا، كما أن أفرادها يحضرون حفلات الزفاف والجنازات الخاصة بنا. في الحقيقة، هؤلاء الأشخاص يعتنون بي وأنا بدوري أعتني بهم”. ومن هذا المنطلق، قد يكون من الصعب حلّ التحالفات التي تكونت في خضم الحرب السورية.
المصدر: ذي إيكونوميست