منذ أكثر من أسبوع بدأت حاشية الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والمقربين منه الترويج لخطاب تاريخي للسبسي بمناسبة عيد المرأة في 13 من شهر أغسطس الحالي، يعلن فيه جملة من القرارات المهمة لفائدة المرأة التونسية يعزز من خلالها حقوقها الكثيرة التي تتباهى بها بين نظيراتها في العالمين العربي والإسلامي، من هذه القرارات حسب البعض منهم المساواة في الميراث بين الجنسين، المطلب الذي طالما طالبت به الجمعيات النسوية في تونس، فهل يفعلها السبسي؟
فضل النساء على السبسي
أمام تراجع نسبة الثقة فيه بشكل ملحوظ بعد 3 سنوات من انتخابه رئيسًا لتونس، يسعى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى إعادة ثقة التونسيين فيه خاصة فئة النساء منهم التي كانت لها الفضل الكبير في وصوله إلى قصر قرطاج أواخر شهر ديسمبر سنة 2014، حيث كانت أصوات النساء في تونس حاسمة في فوز السبسي في انتخابات الرئاسة على منافسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي.
إلى جانب مساهمتها الكبيرة في وصوله إلى قصر قرطاج، كان للمرأة التونسية فضلًا كبيرًا في تأسيس حزب نداء تونس
وأرجعت الناخبات التونسيات سبب ذلك إلى أن السبسي الوحيد القادر على الدفاع عن مكاسب الحداثة في البلاد، وترسيخ المكتسبات القانونية والاجتماعية للمرأة التونسية التي حققتها على مدى عقود، خاصة أنه يعتبر امتدادًا لفكر الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة المحرر الرئيسي للمرأة في تونس، حسب قولهن.
إلى جانب مساهمتها الكبيرة في وصوله إلى قصر قرطاج، كان للمرأة التونسية، التي ترى في السبسي زعيم المشروع الحداثي في البلد المتحرر من الكثير من مظاهر استعباد النساء، فضلًا كبيرًا في تأسيس حزب نداء تونس وتصدره الساحة السياسية بعد أن وعد السبسي بمواصلة حماية مكتسباتها وتعزيز دورها السياسي والاجتماعي.
بحث عن ثقة مفقودة
لإعادة الثقة فيه من المنتظر أن يعلن السبسي غدًا جملة من القرارات المهمة لفائدة المرأة التونسية يعزز من خلالها حقوقها التي ما فتئت تكتسبها منذ عقود عدة، وأشارت تقارير إعلامية إلى إمكانية تقديم الرئيس التونسي مبادرة تشريعية جديدة تقر المساواة في الإرث بين الذكور والإناث، ويمنح الدستور التونسي رئيس البلاد الحق في تقديم مبادرات تشريعية لمجلس نواب الشعب للمصادقة عليها، متعلقة بالموافقة على المعاهدات أو الحريات وحقوق الإنسان أو الأحوال الشخصية.
وإن أعلن السبسي هذه المبادرة، فستكون الثانية بعد مقترح مشروع قانون أعلنه النائب في البرلمان التونسي حينها والوزير الحالي مهدي بن غربية في 9 من مايو 2016، يحدد نظام التوزيع في الميراث، ويقترح تقسيم الإرث بالتساوي بين المرأة والرجل عند التساوي في الوضعيات، أي في حالة غياب أي اتفاق صريح ومكتوب مخالف بين الورثة.
ساهمت المرأة في تونس بشكل كبير في وصول السبسي للرئاسة
ويسعى السبسي ومن معه من خلال هذه المبادرة التشريعية التي يروج لها إلى تعزيز مكاسب المرأة وتحقيق مطلب جزء مهم من التونسيين من عقود خلت، ويمثل فكرة أجيال عدة ومطلب يهم نحو 5 مليون امرأة تونسية حسب قولهم، وتتميز المرأة التونسية في ذلك بجرأة كبيرة وقدرة على التعبير عن رأيها والدفاع عن نفسها وأبنائها وبلادها، إلا أن بعض التخوفات ما زالت تراودها على مستوى حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وقبل أيام قليلة صادق البرلمان التونسي على قانون جديد متعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، تضمن أحكامًا جديدة غير مسبوقة ورادعة لكل أشكال الاعتداء على المرأة والطفل مهما كان مرتكبوه ومهما كان مجاله، دون تمييز على أساس الولادة أو اللون أو العرق أو الدين أو الفكر أو السن أو الجنسية أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية أو الحالة المدنية أو الصحية أو اللغة أو الإعاقة.
جدل منتظر
مبادرة المساواة في الميراث إن تمت وأعلنها السبسي فستحدث جدلًا كبيرًا في البلاد وستعيد تونس إلى مربع الصفر وستدفع بها من جديد للعودة إلى معركة المشروع المجتمعي التي يعتقد البعض أنها انتهت في الجانب المؤسساتي والقانوني بصياغة دستور 2014، حسب العديد من المتابعين.
وسبق لمفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ أن علق على هذا المقترح وقال: “الموضوع غير مناسب لا الآن ولا لاحقًا، القرآن صريح في ذلك، هذا حكم ربنا لا يمكن أن نغيره، كما 1+1= 2، لا يمكن أن نقول 3 ولا 6″، ودعا بطيخ النواب إلى إيجاد حلول للمشكلات الجوهرية بالبلاد بعيدًا عن إثارة إشكاليات هامشية “نحن في غنى عنها”، بحسب قوله.
ترى ناشطات نسويات في تونس أن المساواة في الميراث جزء من حق المساواة الذي ينص عليه الدستور التونسي والاتفاقيات الدولية
وينص الفصل 46 من الدستور التونسي الجديد: “تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها، تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات، تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة، تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة”، فيما ينص الفصل 21 على: “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”.
وترى ناشطات نسويات في تونس أن المساواة في الميراث جزء من حق المساواة الذي ينص عليه الدستور التونسي والاتفاقيات الدولية، وعدم المساواة في الإرث بين الجنسين يعد نوعًا من أنواع الاستغلال الاقتصادي للمرأة، ويطالبن بالمساواة خاصة أن هذه المسألة قابلة للتنفيذ في تونس بحكم التطور الذي تعيشه البلاد، حسب قولهن.
تتمتع المرأة التونسية بحقوق كثيرة فاقت ما تتمتع به المرأة في العديد من الدول الغربية
وتعد تونس من أهم الدول العربية التي تعتبر نفسها الأكثر “إنصافًا” واهتمامًا بالمرأة وذلك منذ عام 1956، فقانون الأحوال الشخصية ألغى السماح بتعدد الزوجات والسماح للمرأة بطلب الطلاق قانون لا يزال حتى الآن يشكل استثناءً في العالم العربي، فلطالما كان لتونس سياسيات يعتبرها العالم “إيجابية ومنصفة” في المساواة بين الجنسين، حيث أمسكت بزمام المبادرة في العالم العربي في مجال حقوق المرأة كانعكاس مباشر للتيار التغريبي الذي قاد تونس عقب الاستقلال.
النهضة ترفض
حتى وإن تم إطلاق مبادرة تشريعية جديدة تهدف للمساواة بين المرأة والرجل في الميراث فمن الصعب إقرارها حاليًا في تونس، لأسباب عدّة أهمها رفض حركة النهضة الإسلامية لهذه المبادرة التي ترى فيها محاولة من أصحابها لإعادة البلاد لنقطة الصفر ولمربّع الصراع الإيديولوجي، وما فتئت حركة النهضة تؤكّد أن الوقت غير مناسب لمثل هذه الموضوعات، مشدّدة على ضرورة النظر في الملفات العالقة والمرتبطة أساسًا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
احتفالات حركة النهضة بعيد المرأة
وسبق أن أكدت النائبة عن حركة النهضة الإسلامية محرزية العبيدى أن حركة النهضة لن تصوت فى البرلمان مع قانون المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث، وسبق لجمعية النساء الديمقراطيات التونسية، بالتعاون مع جمعيات أخرى، أن وجهت عريضة بتعديل قانون الميراث باعتبار أن “المرأة التونسية شريك فاعل ومباشر في مداخيل الأسرة وكل المسؤوليات الأخرى”.
ويؤكّد أنصار حركة النهضة وقياداتها أن مثل هذه المبادرات ضرب لحقوق المرأة، حيث هناك حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل تمامًا، وحالات ترث فيها أكثر منه، وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل، مشددين على أن المساواة في الحقوق المالية كرّستها أحكام الإسلام على اعتبار أن النفقة واجبة في جانب الرجل.