يبدو أن ساعات بقاء بنيامين نتنياهو على كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بدأت تقترب شيئًا فشيئًا من نهايتها، في ظل قضايا الفساد الكبيرة التي تلاحقه من كل جانب، وأعطت فرصة ذهبية لمعارضيه لإسقاطه عن الحكم.
نتنياهو في أكثر من محفل سياسي أكد أنه باقٍ في منصبه ولن يُعلن حل الحكومة وإجراء انتخابات مهما كانت الضغوطات الشعبية والسياسية، لكن في حقيقة الواقع نتنياهو يخفي الكثير خلف هذه القوة التي يصدرها لوسائل الإعلام العبرية والدولية، فالرجل يعلم تمامًا أنه اقترب كثيرًا من نقطة النهاية.
قبل أيام وفي أحلك فصول أزمته، وردًا على مطالبات أحزاب المعارضة الإسرائيلية باستقالته ونزوله عن كرسي رئاسة الحكومة، نفى نتنياهو نيته الاستقالة على وقع قضايا الفساد المشتبه بها، مؤكدًا أنه لن يستقيل ويمنح جائزة لليسار.
وحيدًا أمام العاصفة
وداخل الغرف المغلقة، وبحسب ما نشرته القناة العبرية العاشرة، فإن نتنياهو يشعر بحالة غضب كبيرة كون أعضاء حزبه من “الليكود” وأعضاء التيار اليمين كافة، قد تركوه في وجه العاصفة ولم يساندوه في محنته ولم يستبسلوا في الدفاع عنه.
وخلال ساعات معدودة، اصطف العديد من الوزراء وأعضاء الكنيست من الليكود وخارجه، جنبًا إلى جنب، وحاولوا شن حملة مضادة لما ينشر بخصوص شبهات الفساد التي يخضع نتنياهو للتحقيق بموجبها.
يخضع نتنياهو لتحقيق تجريه الشرطة ال”إسرائيل”ية منذ أشهر في قضيتين: الأولى بشبهة المنفعة من رجال أعمال والمعروفة باسم “الملف 1000″، والثانية عقد محادثات مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت”
وأطلق كل منهم تصريحات داعمة لنتنياهو وأخرى داعمة لموقف المستشار القضائي، واعتبر جميعهم أن نتنياهو بريء وهذه التهم ملفقة ومضخمة من قبل الصحافة “اليسارية”، وأنها جزء من حملة لإسقاط نتنياهو واستبدال حكومة اليمين.
وبحسب القناة العبرية، كان العديد ممن دافعوا عن نتنياهو يفضلون البقاء في مكاتبهم والتزام الصمت، إلا أن الخوف من دفع ثمن ذلك في انتخابات الحزب الداخلية دفعهم لإطلاق تلك التصريحات، ودفاعهم عن نتنياهو هو بالحقيقة دفاع عن مناصبهم ومراكزهم ووجودهم في قائمة المرشحين القادمة للكنيست.
وتجدر الإشارة إلى أن التصريحات الداعمة التي أطلقها وزراء وأعضاء الليكود تضمن التزامًا بعدم التمرد والعصيان خلال فترة التحقيقات، لكن أيًا منها لم يتطرق لما بعد تقديم لائحة الاتهام، وتأتي هذه التصريحات كتأكيد للناخبين على الالتزام الحزبي والانتماء والحفاظ على سمعة الحزب.
وبحسب القناة، هناك العديد من أعضاء “مركز الليكود” الذي يملكون نفوذًا وتأثيرًا على الانتخابات الداخلية، ومن الممكن أن يهددوا مناصب أعضاء الكنيست والوزراء، وليس من مصلحة أصحاب المناصب الدخول بمواجهة معهم.
وأظهر استطلاع للرأي أن شعبية نتنياهو على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تملك تأثيرًا كبيرًا، إذ بلغت نسبة مؤيديه 54%، أي أكثر من النصف، وهو ما يدخل في حسابات باقي الأعضاء، وبحسب استطلاع أجرته القناة، يحصل الليكود على عدد مقاعد أكثر في الانتخابات القادمة في حال لم يترشح نتنياهو لرئاسة الحكومة، وهذا المعطى من الممكن أن يقلب الموقف ويغير آراء العديد منهم، ويزيد من صمت آخرين.
وبحسب الاستطلاع التي نشرته القناة، لا يصدق 51% من المستطلعين أقوال رئيس الحكومة، فيما يصدقه 27% فقط، وقال 22% إنهم لا يعلمون، وقال 66% إن على نتنياهو الاستقالة في حال تم تقديم لائحة اتهام ضده، فيما يرى 21% أنه لا يتوجب عليه الاستقالة، وقال 13% إنهم لا يعلمون.
ويخضع نتنياهو لتحقيق تجريه الشرطة الإسرائيلية منذ أشهر في قضيتين: الأولى بشبهة المنفعة من رجال أعمال، والمعروفة باسم “الملف 1000″، والثانية عقد محادثات مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” أرنون موزس للحصول على تغطية صحافية أفضل مقابل تقديم مشروع قانون ضد صحيفة “إسرائيل اليوم” المنافسة، المعروفة باسم “الملف 2000”.
كما أوصت الشرطة الأسبوع الماضي، بتقديم لائحة اتهام ضد سارة نتنياهو على خلفية شبهات بإنفاق أموال من ميزانية مكتب زوجها، على أمور شخصية، في مخالفة للقانون.
السيناريوهات الثلاث
في ظل ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلية فراس حسان: “نتنياهو في طريقه إلى النهاية، هو يدرك تمامًا أن الأمور باتت في حكم المؤكد وتاريخه السياسي انتهى، يناور على عامل الزمن في إطالة مدة بقائه على رأس الحكومة وسيحاول ألا يسلم بهذا الأمر بكل سهولة”.
وفي معرض رده على سؤال ماذا يمكن لنتنياهو أن يفعل قال حسان: “نتنياهو سيحاول ألا يضيع تاريخه وإنجازاته السياسية لدولة الاحتلال بكل هذه البساطة وإنما سيعمل على تضليل المحكمة والشرطة وأن يطيل عمر هذه الورطة وهذا الحبل الذي لف على عنقه، واستطاعت الشرطة والنيابة العامة الإمساك به وأصبح من شبه المؤكد أن السجن سيفتح أبوابه عاجلاً أم آجلا لنتنياهو كما فتح من قبل لسياسيين سابقين”.
وفيما يتعلق باستقالة نتنياهو بعد مطالبة المعارضة بذلك أوضح حسان أن نتنياهو لن يقدم استقالته وسيسعى بكل جهد لإعادة هيبته ومحاولة كسب التأييد الشعبي الذي ما زال يعطيه الأفضليه على كل منافسيه، وسيحاول الدخول في عمل عسكري وتحقيق إنجاز مهم على صعيد تأمين دولة الاحتلال من بعض التهديدات الأمنية المحدقة بها حتى يضع اسمه في سجل الرؤساء الإسرائيليين الذين حققوا الأمن والازدهار لدولة الاحتلال وأعتقد أنه سيجازف بعمل عسكري ولكن يبقى القرار بيد الجيش.
ويقف نتنياهو الآن أمام ثلاثة سيناريوهات مختلفة بعد أن وقع مدير مكتبه السابق وأمين سره آري هارو، اتفاق شاهد ملك مع النيابة وازداد احتمال إدانة نتنياهو، وقالت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، إن نتنياهو يملك خيار عدم الاستقالة حاليًا، وهو ما يفضله وسيفعله، والسيناريو الثاني هو تنحيته من قبل الوزراء والذهاب لانتخابات مبكرة، أما الثالث فهو انتظار قرار النائب العام، أي الذي من الممكن أن يمتد حتى عام 2018.
ستتم الدعوة إلى انتخابات عامة، وسيسعى أحد قادة الليكود إلى استبدال نتنياهو بمنصب رئاسة الحزب
بحسب الصحيفة، السيناريو الأول هو المفضل لدى نتنياهو، والذي بموجبه لن يقبل نتنياهو الاستقالة، في حين تواصل الشرطة تحقيقاتها، ويأخذ التحقق من شهادة هارو مدة ليست قصيرة، إذ سيتوجب عليها الاستماع لشهادة عدد من رجال الأعمال الذين يوجد معظمهم خارج البلاد وغالبيتهم في الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة إنه بموجب هذا السيناريو لن يكون بإمكان الشرطة التوصية بتقديم لائحة اتهام حتى نهاية هذا العام.
بموجب السيناريو الثاني، يزود هارو الشرطة بمعلومات ثمينة، وبناء عليها تقدم توصية للمستشار القضائي بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو الشهر المقبل، ومن الممكن أن تضاف لتوصية الشرطة دعوات جهات بالائتلاف الحكومي لتنحية نتنياهو.
وقالت الصحيفة: “يمكن أن تكون الأدلة ضارة جدًا بحيث يطلب شركاء الائتلاف من نتنياهو الرحيل، ويجري تصويت ثقة على الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل بعد عودة الكنيست من عطلته الصيفية ويساعد أحد أطراف الائتلاف الحكومي في إسقاط الحكومة من خلال التصويت ضدها”.
وأضافت أنه في هذا السيناريو، من غير المرجح أن يتمكن عضو آخر من أعضاء الكنيست من تشكيل حكومة، لذلك ستتم الدعوة إلى انتخابات عامة، وسيسعى أحد قادة الليكود إلى استبدال نتنياهو بمنصب رئاسة الحزب.
واعتبرت الصحيفة السيناريو الثالث هو الأكثر واقعية، والذي بموجبه يستغرق النائب العام ثلاثة حتى ستة أشهر لتقديم توصية بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، وهو ما يبقيه في الحكم حتى ربيع 2018.
ونقلت الصحيفة عن مصادر لها في الشرطة، أنه من المرجح أن تقدم توصيتها في تشرين أول/أكتوبر أو تشرين الثاني/نوفمبر، بعد انتهاء عطل الأعياد اليهودية، ما معناه أن مصير نتنياهو سيتقرر في ربيع عام 2018.
وتابعت: “إذا ما قرر المستشار القضائي تبرئة نتنياهو، ستنتهي العملية القانونية هناك، وإذا ما قرر إدانته فإنه سيكثف العملية، وستترتب على ذلك تطورات سياسية”، في إشارة إلى حدوث تغيير حكومي.
وأشارت إلى أنه طبقًا لهذا السيناريو، إذا ما قرر مندلبليت أن على نتنياهو الاستقالة، فإن الانتخابات تصبح الاحتمال الأكبر، ومن الممكن أن تتم في خريف 2018، وسيصبح شعار مكافحة الفساد مركزيًا في جميع الحملات.
حرب الخلافة
ورغم أن نتنياهو نجح بإظهار أنه يشن هجومًا مضادًا فيما يتعلق بالتقارير المتتالية عن عمق التحقيقات الجنائية ضده بشبهات فساد، إلا أن “حربًا” بدأت تدور في حزب الليكود على خلافة نتنياهو، استعدادًا لاحتمال تقديم لائحة اتهام ضده واضطراره إلى الاستقالة من منصبه.
وأشار المحلل السياسي شالوم يروشالمي، في موقع nrg الإلكتروني، وهو بالأساس موقع يميني، إلى أن التقدير الأساسي أن الاتفاق الذي أصبح بموجبه مدير مكتب نتنياهو السابق أري هارو “شاهد ملك” يعني أن النيابة العامة تعتزم تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو.
وعزز هذا التقدير، بعد أن أبلغت الشرطة المحكمة، بأن الشبهات ضد نتنياهو هي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، والتوقعات بأن ولاية نتنياهو ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، ورغم أنه لا يتوقع أن تنتهي هذه التحقيقات في الأشهر القريبة، فإنه في حال استقال نتنياهو حتى نهاية العام الحالي، أي قبل سنتين من موعد الانتخابات العامة المقبلة، فالتوقع أن ينتخب أحد قادة حزب الليكود رئيسًا للحزب ويشكل حكومة جديدة، لأن التقديرات أن لا أحد من الأحزاب المشاركة في الائتلاف معني بتقديم الانتخابات، وفقًا ليروشالمي.
وكشفت القناة الإسرائيلية الثانية، أقوال مدير مكتب نتنياهو السابق أري هارو لمقربيه عن توقيعه اتفاق شاهد ملك مع النيابة، والتي قال فيها إنه لم يوقع الاتفاق لتوريط نتنياهو، بل كي لا يدخل السجن بسبب مخالفات لم يرتكبها.
ستبقى المنافسة على خلافة نتنياهو قائمة حتى لو جرى تقديم لائحة اتهام في موعد قريب من موعد الانتخابات العامة، لكن في هذه الحالة، حسبما لفت يروشالمي، سيفضل قادة أحزاب اليمين المشاركة في الائتلاف
وفي هذه الحالة، فإن اللجنة المركزية لحزب الليكود ستنتخب مرشحًا مكان نتنياهو، لكي يكلفه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، بتشكيل الحكومة المقبلة من دون انتخابات.
وأشار يروشالمي إلى أن أقوى المرشحين لرئاسة الليكود وزير المواصلات يسرائيل كاتس، كونه الرجل القوي في اللجنة المركزية لهذا الحزب، ويرجح أن يتنافس على هذا المنصب عدد من قادة الليكود، بينهم وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان، وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف، والوزير تساحي هنغبي، رئيس الكنيست يولي إدلشتاين، أما الوزير السابق غدعون ساعر فلن يتمكن من التنافس في هذه الجولة لأنه ليس عضو كنيست بعد أن أعلن اعتزاله المؤقت للحياة السياسية عشية الانتخابات السابقة.
وستبقى هذه المنافسة على خلافة نتنياهو قائمة حتى لو جرى تقديم لائحة اتهام في موعد قريب من موعد الانتخابات العامة، لكن في هذه الحالة، حسبما لفت يروشالمي، سيفضل قادة أحزاب اليمين المشاركة في الائتلاف، وخصوصًا رئيس “البيت اليهودي” نفتالي بينيت، ورئيس “كولانو” موشيه كحلون، ورئيس “يسرائيل بيتينو” أفيغدور ليبرمان، حل الحكومة والتوجه إلى انتخابات عامة، وسيرى بينيت بذلك فرصة سانحة لكي يحاول تزعم اليمين الإسرائيلي، ولن يسمح لشخص من الليكود بتشكيل حكومة بديلة والوصول إلى الانتخابات كرئيس للحكومة.
وأضاف يروشالمي أنه في حال تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو بعد الانتخابات المقبلة، فإن نتنياهو لن يكون مرشحًا فيها، وستجري انتخابات داخلية في الليكود لاختيار زعيم جديد للحزب، لكن من الصعب معرفة من سيخلف نتنياهو.