الفلكلور Folklore مصطلح إنجليزي مشتق من اللغة الألمانية من كلمة “Volkskunde” والتي تعني علم الشعوب، ويقابلها في اللغة العربية كلمة التراث، ويعني مجموعة الفنون القديمة والقصص والحكايات والأساطير والحِرف اليدوية والطقوس الاحتفالية والرقصات الشعبية أو الأزياء التقليدية، منحصرة ضمن عادات وتقاليد مجتمع ما، معبرة عن الإرث الثقافي للشعوب والذي أخذوه عن أسلافهم.
رقصة من الفلكلور اليوناني
حيث تنتقل تلك المعارف المتعلقة بالفلكلور من جيل إلى آخر عبر التدريس في المدارس أو ذكرها في المناهج التعليمية، أو بتمريرها من جيل لآخر عن طريق الرواية الشفهية.
وقد يضيف كل جيل أشياءً أو يحذف أخرى لتتوافق هذه العادات الفلكلورية في النهاية مع واقع الحياة الحالية، وهذا الإبداع الذي ينتقل من جيل لآخر ليس من صنع فرد واحد لكنه نتاج الجماعة الإنسانية ككل في مجتمع ما.
ومصطلح فلكلور ظهر عام 1846م عندما استخدمه لأول مرة عالم الأثريات الإنجليزي سيرجون وليام تومز، حيث كان مُستكمِلًا ومحددًا للجهود العلمية التي سبقته في إنجلترا وألمانيا وفنلندا وغيرها من بلدان أوروبا وعوضًا عن المصطلحات السابقة “الأدب الشعبي” و”الآثار الشعبية”، وشاع مصطلح فلكلور بعد ذلك بمعنى حكمة الشعب ومأثوراته، وذلك كمصطلح يدل على موضوعات الإبداع الشعبي، حتى تطورت وتقدمت مناهج علم الفلكلور واتسع مجال بحثه ليشمل مختلف أوجه النشاط الخلاق للإنسان في بيئته وارتباطه بالثقافة الإنسانية ككل.
فلكلور هندي
وكل مجتمع يتميز بتراث فريد قد لا تجد له مثيلًا حول العالم، وخاصة الحرف والصناعات اليدوية والطقوس النابعة من رحم المجتمع، والتي قد تختلف اختلافًا كليًا من مدينة لأخرى ومن قرية لقرية داخل نفس القُطر، لكن مع مرور الزمن وتتطور الصناعة وما أحدثته من تغييرات كبرى بدأت هذه الحرف التراثية الفلكلورية في الاندثار، كما بدأت الطقوس في الاختفاء.
اليونسكو وحماية التراث الحي
شعار منظمة اليونسكو
كما سبق وأشرنا فإنه وبسبب تغير الزمن والثورة التكنولوجية التي أحدثت طفرة في جوانب الحياة، بدأت بعض العادات التراثية والفلكلور الذي يميز الشعوب والمجتمعات في الاختفاء والاندثار، مما دفع بعض الحكومات والجمعيات الأهلية إلى السعي من أجل تسجيل أهم العادات التراثية والفنون الشعبية المهددة بالاندثار، في قائمة التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة اليونسكو، والتي تهدف إلى ضمان استدامة هذا التراث وتوثيقه والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه ونقله، وإحياء هذا التراث بأشكال شتى.
حيث ذكرت المادة رقم 2 من نص اتفاقية منظمة اليونسكو لحماية التراث الثقافي غير المادي أنه يشمل الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات التي تتوارثها المجتمعات جيلًا بعد جيل، وينمي هذا التراث لدى المجتمعات الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز الإبداع والرفاه الاجتماعي، كما يسهم في إدارة البيئات الطبيعية والاجتماعية ويدر الدخل.
والغرض من اتفاقية عام 2003 بشأن صون التراث الثقافي غير المادي هو الحفاظ على هذا التراث الهش وتأمين استدامته وضمان الاستفادة إلى أقصى حد مما يقدمه من إمكانيات لتحقيق التنمية المستدامة، وترمي الأنشطة التي تنفذها اليونسكو في هذا الصدد إلى دعم الدول الأعضاء في شتى أنحاء العالم عن طريق تعزيز التعاون الدولي في مجال الصون وبناء بيئات مؤسسية ومهنية تتوافر فيها الظروف المؤاتية لصون هذا التراث الحي على نحو مستدام.
ومن أشهر التراث الثقافي غير المادي المدرج على قائمة اليونسكو:
الرقص بالمزمار – السعودية
الرقص بالمزمار فلكلور سعودي
في العام الماضي سجلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة “اليونسكو” في اجتماعها فولكلور الرقص بالمزمار الذي يمارس في السعودية في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية كفولكلور سعودي، وكانت منظمة اليونسكو قد قالت في بيانها إن رقصة المزمار من الرقصات التقليدية في منطقة الحجاز في المملكة العربية السعودية، وعادة ما تمارس لإحياء المناسبات العائلية أو الاحتفالات الوطنية.
وتجرى هذه الرقصة بمشاركة نحو 100 رجل مصطفين في صفين مقابل بعضهما البعض ويصفقون ويرددون أغنيات عن البطولة والحب، ويرقص رجلان بالعصي في وسط ساحة الرقص على إيقاع الطبول لفترة محددة ثم يفسحان المجال لغيرهما وهكذا.
ويتم تناقل هذه الرقصة في فرق الفنون المسرحية ومراكز التراث، وتعد رمزًا من رموز هوية المجتمع وجزءًا من تاريخه المشترك.
وكان جدلًا قد أُثير قبل أن تحسمه اليونسكو بشأن هذه الرقصة، حيث ادعى البعض أن الرقص بالمزمار يعود إلى أصول إفريقية وأتى الحجاز مع الوافدين.
موسيقى إمزاد – الجزائر
ألة الإمزاد الموسيقية
وموسيقى إمزاد تتلخص في آلة أحادية الوتر أشبه بالربابة العربية تُصنع على شكل قدح بواسطة الخشب، يُربط رأسه بقطعة من جلد الشاة ويُوصل الحدين الفاصلين بوتر مصنوع من شعر ذيل الحصان ليتم ضبطه بعناية فائقة، يُعزف عليها باستخدام قوس، حيث تُصدر صوتًا موسيقيًا طربيًا يتم من خلالها مخاطبة الروح والتأثير فيها، ومن أكثر الأشياء المميزة في هذه الآلة الطقوسية أنه يتم العزف عليها من قبل النساء فقط، ولا يُمكن بحال من الأحوال أن يعزف عليها الرجل، خاصة أن الأسطورة حاضرة بقوة في حياة الطوارق، والتي تقول في هذا الشأن إن الرجل إذا عزف على هذه الآلة فإنه سيأتي الخراب على العشائر والقبائل ويعم الحزن على الناس، وعليه كان محرمًا على الرجل العزف عليها.
واعتمدتها اليونيسكو كإرث ثقافي إنساني عالمي وموسيقى طوارقية بامتياز، حيث تشكل موسيقى الإمزاد وآلتها الموسيقية إحدى مميزات قبائل الطوارق، وتعزفها النساء بوضع الآلة على ركبتيها مستخدمة القوس في العزف، وتصاحب أنغام آلة الإمزاد أشعار أو أغاني شعبية غالبًا ما يؤديها الرجال في المناسبات الاحتفالية في مخيمات الطوارق.
نساء من قبيلة الطوارق يعزفن على آلة إمزاد الموسيقية
وكانت تُعزف هذه الموسيقى حسب الاعتقاد القديم لإبعاد الأرواح الشريرة وتخفيف آلام المرضى النفسيين.
وحرصًا على عدم اندثار هذا التراث المميز تُنقل خبرات صناعة هذه الآلة الموسيقية من جيل إلى جيل، وتنقل طرق العزف والإنشاد والمعرفة الموسيقية شفهيًا من جيل إلى جيل.
وأُدرجت آلة إمزاد وما يتعلق بها من مهارات ضمن لائحة التراث العالمي الثقافي اللامادي تحت عنوان “الممارسات والمهارات والمعرفة المرتبطة بمجموعات إمزاد عند الطوارق”.
الصقّارة/فن تربية الصقور – العديد من الدول
الصقارة أو فن تربية الصقور حول العالم
يعد هذا الفن في الأصل من أساليب الصيد والحصول على الطعام، لكنه سرعان ما تطور ليصبح وجهًا من وجوه حماية الطبيعة والتراث الثقافي والتزام المجتمع.
حيث يدرب مربو الصقور هذه الطيور ويحرصون على تكاثرها وتناسلها ليصبحوا حماة لها، ويمارس هذا الفن في نحو 60 دولة، وتتباين جوانبه من بلد إلى آخر ولكن تبقى أساليبه وأهدافه ثابتة، ويمارس مربو الصقور هذا الفن ضمن مجموعات من الأشخاص، حيث يسافر بعضهم لأسابيع للتمتع بهذا الفن وسرد القصص والحكايات عنه.
صقارة إماراتية
كما تتناقل العائلات هذا الفن من خلال التدريب والتوجيه والالتحاق بالنوادي والمدارس الخاصة.
ومن ضمن الدول التي أُدرج فن تربية الصقور على قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي: الإمارات العربية المتحدة، المغرب، البرتغال، قطر، السعودية، سوريا، النمسا، بلجيكا، التشيك، فرنسا، ألمانيا، المجر، إيطاليا، كازاخستان، كوريا، منغوليا، باكستان، إسبانيا.
التحطيب/عصا المحبة – مصر
عصا المحبة أو فن التحطيب
“فن التحطيب” أو عصاية المحبة أو غِية الرجال، نشأ في مصر القديمة وتناقلته الأجيال عبر آلاف السنين، وهو من الفنون اللامادية التي كان يهددها الاندثار لولا أن أدركته منظمة اليونسكو مؤخرًا وسجلته على قائمتها للتراث العالمي.
حيث يفتخر أبناء الصعيد في جنوب مصر بلعبة التحطيب معتبرينها لعبة الرجال، ويتوارثونها جيلاً بعد جيل ومن عائلة إلى أخرى، وتعد لعبة التحطيب مصرية خالصة وتتركز بصعيد مصر في محافظات سوهاج وأسوان والأقصر وقنا، ورغم أنها قد تبدو لعبة غريبة حيث يتقاتل فيها شخصان باستخدام عصاة وغالبًا ما يتم هذا التقاتل على أنغام آلة المزمار، فإن اللعبة لا تزال تجد إقبالًا كبيرًا بين الصعايدة الذين يعتبرونها غية الرجال.
وتعود جذور فن التحطيب إلى مصر الفرعونية حيث وجدت نقوشات على المعابد الفرعونية، والعصاة التي استخدمها قدماء المصريين كانت مصنوعة من نبات البردي المعجون حتى لا تسبب إصابات بالغة للاعبين، وبمرور الوقت تغير نوع العصاة إلى الشومة الغليظة وحتى عصاة خفيفة من الخيزران.
جذور فن التحطيب تعود لمصر الفرعونية
وكانوا يؤدونها كنوع من التدريب للقتال وقت الحروب وللتسلية في فترات السلم، وكانوا ينزعون نصل الحراب ويتدربون بالعصا على فنون الدفاع والهجوم، وبمرور العصور باتت موروثًا شعبيًا توارثته الأجيال.
ويعكس فن التحطيب معاني إنسانية جيدة مثل روح الجماعة والدفاع عن الكرامة واحترام الآخر، كما أنه وسيلة فعالة لتفريغ الطاقة بشكل سلمي، حيث لا مجال للثأر في ممارسة التحطيب، فهى الحلبة الوحيدة في الصعيد التي إذا توفي أحد المتبارزين فى أثنائها لا يجوز لأهل المتوفى المطالبة بثأره أو حتى ديته، وذلك على نقيض حالات القتل الأخرى، كما أنه لا يُسمح لمن كانا على خصومة باللعب كطرفين متنافسين.
عيد خضر إلياس – العراق
الحلوى التقليدية في عيد خضر إلياس
عيد خضر إلياس وتبادل التهاني به، انضم مؤخرًا إلى قائمة اليونسكو للتراث غير المادي، ويحتفل العراقيون به في شهر فبراير من كل عام، وتُوقد خلاله الشموع وترمى مع غروب الشمس في مياه نهر دجلة طلبًا لتحقيق الأماني والدعاء، ويحل قبل صيام خضر إلياس عند الإيزيدين.
احتفال الإيزيديين بعيد خضر إلياس على ضفاف نهر دجلة
ويقع مقام خضر إلياس على ضفاف نهر دجلة في جانب الكرخ، ويتكون من مبنى قديم وبسيط يزوره العراقيون من جميع المحافظات تيمنًا به وتمارس خلاله طقوس خاصة كإحضار الحناء وإيقاد الشموع خلال نهاية الأسبوع بعد تثبيتها على الألواح الخشبية أو كرب النخيل لتطفو على سطح النهر مع ترديد عبارات مثل “شعلنا الشموع، ودعنا الدموع”، ويتبادل زوار المقام التهاني والحلويات خلال عيد خضر إلياس حتى تزداد المحبة والألفة بينهم.