ترجمة وتحرير نون بوست
منذ فترة طويلة، لعبت الكويت دورًا بناءً في مجلس التعاون الخليجي من خلال العمل على توحيد صفوف الأطراف المتعارضة. كما تربط الكويت علاقات قوية مع كل من المملكة العربية السعودية وقطر. وفي مطلع شهر حزيران/ يونيو، عندما قطعت السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين علاقاتها مع قطر، اعتُبرت الكويت وسيطا مقبولا يمكنه إصلاح الانشقاق الأخير الذي ضرب مجلس التعاون الخليجي.
لمدة 40 سنة، عمل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح كوزير للخارجية بين سنة 1963 و2003، ثم شغل منصب رئيس الوزراء قبل أن يصبح أمير الكويت سنة 2006. في واقع الأمر، جعلت التجربة الواسعة التي اكتسبها في مثل هذه المواقف وشدة تورطه في حل القضايا التي تؤثر على المنطقة ككل، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الرجل المناسب لهذه المهمة الصعبة. وعندما اندلعت الأزمة، طلبت الكتلة التي تقودها السعودية وقطر تدخل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وفي الحقيقة، كانت دوافع كلا الجانبين مختلفة عن الآخر.
بالنسبة لقطر، تعتبر الكويت جارة جديرة بالثقة ليس لها مصلحة في نشوب أي نزاع داخلي بين دول مجلس التعاون الخليجي. علاوة على ذلك، تعتبر الدوحة الشيخ الصباح رجل دولة حكيم وذو خبرة. ومن المثير للاهتمام أن الكويت، تلك البلاد الصغيرة، تعرف جيدا من تجربتها مع العراق كيف تواجه عدوان جارٍ كبيرٍ وقوي. وبالتالي، تعتقد الدوحة أن الكويت يمكن أن تفهم بسهولة وضعها وتساعدها على حلّ الأزمة الراهنة.
تأثير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “السام” لعب دورا في إفشال جهود الكويت. في المقابل، يعد السبب الأهم وراء ذلك الاخفاق في رفض الكتلة التي تقودها السعودية المشاركة في المفاوضات
من ناحية أخرى، تملك الكتلة التي تقودها السعودية وجهة نظر مختلفة جدا فيما يتعلق بطبيعة الدور الذي يمكن أن تضطلع به الكويت في هذه الأزمة. وعلى الرغم من أنها تُظهر ترحيبها بالوساطة الكويتية، بيد أنها تملك دوافع مختلفة عن قطر، فهي ترغب من خلال الوساطة الكويتية في الحدّ من تدخل أطراف خارجية في الأزمة. في المقابل، يبدو أنها لا ترغب في حلّ الأزمة التي تعتبر تحديًا مهمًا بالنسبة للكويت.
عرقلة جهود الوساطة
على الرغم من وجود إجماع إقليمي ودولي واسعٍ يدعم دور الصباح كوسيط في الأزمة، إلا أن الكويت لم تتمكن من لعب دور فعال يسهم في حل الأزمة. وحتى اللحظة الراهنة، لم تًحقق جولات الوساطة الكويتية الثلاث النتائج المرجوة.
وتجدر الإشارة إلى أن تأثير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “السام” لعب دورا في إفشال جهود الكويت. في المقابل، يعد السبب الأهم وراء ذلك الاخفاق في رفض الكتلة التي تقودها السعودية المشاركة في المفاوضات، فضلا عن أنها لم تظهر أي حماس يسهم في نجاح الوساطة الكويتية.
منذ بداية الأزمة، فرضت الكتلة السعودية قيودا خطيرة على الدور الذي يمكن أن تلعبه الكويت في الأزمة. ومن خلال ذلك، أرادوا ضمان فرض نفوذ الرياض القوي على دول مجلس التعاون الخليجي الصغيرة، فضلا عن إجبار قطر على الامتثال لرغباتها.
يوم 5 يونيو/ حزيران، زار مستشار العاهل السعودي، الأمير خالد الفيصل، الكويت لإيصال رسالة إلى أمرائها. ولم تكشف وكالة الأنباء الكويتية عن مضمون تلك الرسالة. ومع ذلك، قال لي مصدر، كان على إطلاع على الوضع، إن “الغرض من تلك الزيارة كان ثني أمراء الكويت عن لعب دور الوساطة في الأزمة”.
في هذا السياق، صرّح المصدر نفسه أن “أمير قطر كان يستعد لتقديم خطاب قوي يعلن فيه اتخاذ إجراءات انتقامية ردًا على الإجراءات المتخذة ضد بلاده”. ولكن، على الرغم من جهود السعودية الرامية إلى تثبيط الوساطة الكويتية، إلا أن الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قد حث أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على ضبط نفسه”.
اكتفت الكتلة التي تقودها السعودية في هذه المرحلة بتقييد دور الكويت وجعلها مجرد “ساعي بريد”.
والجدير بالذكر أن أمير الكويت يريد أن يتجنب الطرفان الوقوع في حلقة مفرغة من الأعمال المدمرة وردود الفعل. وقد تفاعل أمير قطر بإيجابية مع الأمير الكويتي ليُسهل عليه مهمة الوساطة، حيث لم يقدم الأمير القطري الخطاب القوي الذي أعده. في المقابل، أعاقت تصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جهود قطر والكويت لتخفيف حدة التوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي.
يوم 6 حزيران/ يونيو، نشر ترامب على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تغريدة كتب فيها أن قطر “تمول أيديولوجية التطرف”. وفي الحقيقة، ساهمت هذه التغريدة في تعزيز موقف الكتلة التي تقودها السعودية، فضلا عن أنها جعلت من مهمة الكويت أصعب بكثير.
وعلى إثر تغريدة الرئيس الأمريكي، تصاعدت هجمات السعودية والإمارات على قطر. وفي هذا الصدد، أفاد وزير الدولة للشؤون الخارجية الكويتية، أنور قرقاش، بأنه “لا شيء يوجد لنتفاوض من أجله مع قطر”. ولعل هذا ما ساهم في فشل الجولة الأولى من جهود الوساطة الكويتية.
وخلال الجولة الأولى من جهود الوساطة الكويتية، رفضت اللجنة الرباعية المناهضة للقطر الكشف عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندلاع الأزمة، فضلا عن أنها لم تقدم أي دليل على الادعاءات الخطيرة التي أثارتها ضد الدوحة. علاوة على ذلك، لم تقدم قائمة المطالب التي ترجو تلبيتها. ويبدو أن هذا ما أدى إلى فشل جهود الوساطة الكويتية في تلك الجولة.
“مجرد ساعي بريد”
بعد مرور أكثر من شهر، انطلقت الجولة الثانية من الجهود الكويتية عندما أعدت الكتلة التي تقودها السعودية في نهاية المطاف قائمة تضم 13 مطلبا. في المقابل، اكتفت الكتلة التي تقودها السعودية في هذه المرحلة بتقييد دور الكويت وجعلها مجرد “ساعي بريد”.
وخلال تلك الجولة، أوضح وزير خارجية المملكة العربية السعودية، عادل الجبير، مرة أخرى، أنه لن تكون هناك أية مفاوضات مع قطر. وبناء على ذلك، لن يسمح للكويت سوى بتسليم 13 مطلبا إلى الدوحة وتلقي رد قطر في غضون عشرة أيام. وقد جعلت هذه القيود جهود الوساطة الكويتية غير مجدية تماما.
وفي الأثناء، قام وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، بزيارات إلى المنطقة لمساعدة الكويت في مهمة الوساطة التي تضطلع بها، ما أسهم في إحراز تقدم طفيف. وفي السياق ذاته، قال مسؤول خليجي إن “الكويت طلبت من الدوحة عدم الكشف عن ردها على الشروط 13 للجمهور من أجل مساعدتها في الوساطة”. في المقابل، أوضح المصدر نفسه لي، أن “خارطة طريق ومجموعة من المبادئ نُقلت إلى الكتلة السعودية بعد أن وقّعت الدوحة اتفاقا مع الولايات المتحدة حول مكافحة الإرهاب”.
لا يوجد أي اتصال مباشر بين الجانبين المتعارضين للصراع الخليجي. فقد حُرمت الكويت من لعب دور وساطةٍ فعالٍ في هذه الأزمة. ويبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة ترحب بفكرة جمود المفاوضات بين الجانبين.
وفي هذه المرحلة من العملية، تم تسريب مجموعة من الاتفاقيات بين دول الخليج، أُبرمت بين سنتي 2013 و2014، والمعروفة باسم اتفاقات الرياض، إلى شبكة التلفزيون الأمريكية سي إن إن، التي تملك مقرا إقليميا في أبوظبي. وعلى نطاق واسع، اعتُبرت عملية تسريب هذه الاتفاقيات محاولة أخرى لعرقلة الجهود المشتركة التي يبذلها أمير الكويت ووزير الخارجية الأمريكي لحلّ الأزمة.
وعلى الرغم من تردد الكتلة السعودية في مساعدة الكويت في جهود الوساطة التي تبذلها، إلا أن أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أبدى استعداده للحوار في أول خطاب له عن الأزمة. وبعد مرور أسبوع واحد فقط من خطابه، التقى كبار المسؤولين في الكتلة التي تقودها السعودية في البحرين وأكدوا أنهم لن يجروا مفاوضات مع قطر إلا إذا نفذت قائمة المطالب 13 التي وضعتها. وبالنسبة للكويت، كان يعد هذا عودة إلى المربع الأول مرة أخرى.
وحتى اللحظة الراهنة، لا يوجد أي اتصال مباشر بين الجانبين المتعارضين للصراع الخليجي. فقد حُرمت الكويت من لعب دور وساطةٍ فعالٍ في هذه الأزمة. ويبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة ترحب بفكرة جمود المفاوضات بين الجانبين.
ونتيجة لذلك، لم تحقق جهود الوساطة الكويتية الأهداف المرجوة منها. وخلاصة القول هنا، أن الكويت لن تجد على الأرجح فرصة للنجاح في مهمتها، دون تحييد تأثير ترامب السلبي في الأزمة، ناهيك عن ممارسة الضغط على الكتلة التي تقودها السعودية للمشاركة في مفاوضات فعالة.
المصدر: الجزيرة