في الوقت الذي تركز فيه جل الأطراف المحلية والدولية والأممية على بحث سبل حل الأزمة السياسية الليبية المتواصلة منذ أكثر من ست سنوات، تشهد ليبيا، هذا البلد المنهار، أزمة أشد فتكًا بالليبيين.
أزمة اجتماعية، ما فتئت تزداد حدة وتمس أغلب الليبيين في معظم مدن البلاد، حتى وصل الأمر بالأمم المتحدة للتحذير من أزمة إنسانية يمكن أن تحصل هناك إذا تواصل الأمر كما هو عليه الآن، وهو المنتظر.
أكثر من 550 ألف طفل في حاجة إلى المساعدة
في أحدث تقرير لها، كشفت وكالة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف أن الصراع المستمر وانهيار الاقتصاد أثر على أكثر من نصف مليون طفل، وجعلهم في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية في ليبيا، وقال جيرت كابيليري المدير الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في بيان له عقب زيارته الأولى للبلاد: “منذ ست سنوات من بدء الأزمة في ليبيا، أكثر من 550 ألف طفل أصبحوا في حاجة إلى المساعدة بسبب عدم الاستقرار السياسي والنزاع المستمر والنزوح والانهيار الاقتصادي”.
ذكر كابالاري أن العائلات أجبرت على الفرار من منازلها، بسبب العنف الشديد المنتشر في بعض أنحاء البلاد
وأكد أن العنف الشديد في بعض أنحاء البلاد أجبر العائلات على الهروب من ديارهم، مما أدى إلى نزوح أكثر من 80 ألف طفل داخليًا، وعرض الأطفال المهاجرين في ليبيا للاعتداء والاستغلال، من بينها في مراكز الاعتقال، وأضاف البيان أن اليونيسيف تحاول توسيع جهودها منذ 2011 لتلبية احتياجات الأطفال على أرض الواقع، وتم تطعيم أكثر من 1.3 مليون طفل ضد شلل الأطفال خلال العام الماضي، كما تمكنت مع شركائها، إلى جانب المؤسسات الوطنية، من الحفاظ على تغطية تطعيم شاملة تقريبًا حتى في أثناء أشد أعمال العنف.
تواصل معاناة الأطفال الليبيين جراء استمرار حالة الفوضى والعنف في البلاد
وأكد المسؤول الأممي ضرورة إيجاد حل سياسي فوري للأزمة الليبية ووضع حد للعنف، حتى يتحسن الوضع هناك، وتأمل اليونيسف التي شاركت 28 مدينة في جميع أنحاء ليبيا في إطار حملة “معًا من أجل الأطفال” لدعم حقوق الأطفال الأساسية، إلى زيادة المساعدة المقدمة إلى 1.5 مليون فتاة وصبي في ليبيا.
وذكر كابالاري أن العائلات أجبرت على الفرار من منازلها بسبب العنف الشديد المنتشر في بعض أنحاء البلاد، وهناك أكثر من 80 ألف طفل نازح، لافتًا إلى أن الأطفال النازحين على وجه الخصوص يتعرضون للإيذاء والاستغلال، بما في ذلك في مراكز الاحتجاز.
خطر المجاعة
مأساة الليبيين ليست فيما يعانيه أبناؤهم فقط، بل أيضًا في خطر المجاعة الذي يتهددهم، ففي تقرير لها، أفادت منظمة الأغذية والزراعة العالمية “الفاو”، أن نحو 400 ألف ليبي يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، وخص التقرير بالذكر سكان مناطق الجنوب والشرق، حيث لا تكفي إمدادات المواد الغذائية الأساسية بما فيها القمح والخبز والدقيق والمعكرونة والزيت وكذلك الحليب والأغذية المعززة المخصصة للأطفال.
زاد توقف المصدرين الخارجيين للقمح لتعاملاتهم إلى حين إيفاء الدولة الليبية بالتزاماتها تجاههم، من معاناة الليبيين
ووصفت منظمة الفاو الوضع في ليبيا بـ”انعدام أمن غذائي شديد ومتمركز”، ويمثل اللاجئون وطالبو اللجوء والنازحون الداخليون الشريحة الأضعف، وأرجع التقرير الوضع إلى تواصل حالة الاقتتال الداخلي وانتشار السلاح في البلاد، وزاد توقف المصدرين الخارجيين للقمح لتعاملاتهم إلى حين إيفاء الدولة الليبية التي تعاني من نقص السيولة في المصارف بالتزاماتها تجاههم، من معاناة الليبيين، إذ يبلغ استهلاك الليبيين للقمح المستورد نحو مليوني طن سنويًا.
قطاع صحي منهار
إلى جانب ذلك، يعاني قطاع الصحة في ليبيا من مشاكل عدة جعلته قريبًا من الانهيار، حيث تعاني المستشفيات في المدن الليبية من نقص حاد في الأدوية الأساسية المتعلقة بإنقاذ الحياة والسوائل الوريدية (خاصة أدوية الأمراض المزمنة) والأكسجين والطاقم الطبي وسيارات الإسعاف، مما يعرض المرضى للخطر خاصة الأطفال وكبار السن.
تراجع القطاع الصحي في ليبيا ينذر بكارثة وشيكة
وفي كثير من الأحيان، يؤدي نقص الوقود أو عدم توفره إلى توقف سيارات الإسعاف وتعذر وصول العاملين بالقطاع الصحي إلى أعمالهم للقيام بواجباتهم تجاه المواطن، إلى جانب صعوبة تنقل المرضى لأي مرافق صحية لتلقي العلاج، وعدم توفر الوقود لمولدات الكهرباء في المستشفيات لتشغيل الأجهزة الطبية، مما يجعل القطاع الصحي عاجزًا عن تقديم الخدمات العلاجية لليبيين.
مآسي المهاجرين
المآسي في ليبيا لا تقتصر على الليبيين فقط، بل أيضًا المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين الذين يقصدون الأراضي الليبية لاستعمال سواحلها وركوب أمواج البحر الأبيض المتوسط نحو السواحل الأوروبية، أملاً في غد أفضل ينسيهم معاناة سنوات طوال، حيث تعتبر ليبيا المنفذ الرئيسي للاجئين الراغبين في الهجرة إلى أوروبا، وقد وصل 26886 منهم إلى إيطاليا هذه السنة، بزيادة نحو سبعة آلاف عن عددهم في الفترة نفسها من العام الماضي، بينما مات أكثر من 600 غرقًا في البحر.
استغلت شبكات تهريب البشر، الفوضى السياسية والأمنية التي تعيش على وقعها ليبيا للتوسيع من نطاق عملها
ويواجه المهاجرون الذين يقعون فريسة المهربين سوء تغذية وانتهاكات ويُستخدم أغلبهم كعمالة يومية في البناء والزراعة، ويتقاضى بعضهم أجرًا والبعض الآخر يكره على العمل دون أجر، فيما تتعرض النساء للاغتصاب وتجبر على العمل بالدعارة، وقد يموت بعضهم بسبب الجوع والمرض، وفق تقارير أممية.
واستغلت شبكات تهريب البشر الفوضى السياسية والأمنية التي تعيش على وقعها ليبيا للتوسيع من نطاق عملها، واحتجاز المهاجرين القادمين في الغالب من نيجيريا والسنغال والغابون في أثناء توجههم إلى الساحل الشرقي لليبيا بحثًا عن قوارب تقلهم إلى أوروبا، وتعتبر مدينة سبها في جنوب ليبيا، أحد المراكز الرئيسية لتهريب المهاجرين في البلاد.