ترجمة حفصة جودة
إذا كان هناك ما يجسد ويمثل النفاق المذهل والخطاب المزدوج للسياسة الخارجية للمملكة المتحدة، سيكون بالتأكيد سجل الحكومة لصادرات الأسلحة، شهدت الأسابيع الأخيرة الكثير من الحديث الشاق والصارم لوزراء الحكومة عن تزايد حجم القمع وانتهاكات حقوق الإنسان في فنزويلا، وقال بوريس جونسون عضو البرلمان البريطاني، أن البلاد تنقلب على نفسها والديموقراطية والحقوق الأساسية معرضة للخطر.
هذا الأمر أثار قلق شارعي وايت هول وداونينغ (شارعين في لندن بهما مكاتب وزارية مهمة) لفترة من الوقت، ولهذا السبب تقع فنزويلا على قائمة “FCO” (مكتب الخارجية والكومنولث) للدول التي تحتاج لأن يكون لديها أولوية لحقوق الإنسان في العامين الماضيين.
رغم الإدانة والقلق، حصلت فنزويلا على تراخيص لمعدات عسكرية تتجاوز قيمتها 1.4 مليون جنيه إسترليني منذ أن تولى المحافظون السلطة عام 2010، ولسوء الحظ ففنزويلا ليست حالة فريدة، فقائمة “FCO” تتضمن 30 دولة تشعر المملكة المتحدة إزاءهم بمخاوف خطيرة فيما بتعلق بحقوق الإنسان والديموقراطية، ومع ذلك، ففي العامين الأخيرين وحدهما منحت الحكومة تراخيص بأسلحة تبلغ قيمتها 4.2 مليار جنيه إسترليني لـ22 دولة منهم.
تقول أبحاث منظمة العفو الدولية إن الأسلحة التي باعتها المملكة المتحدة للحكومة العراقية حصلت عليها داعش
تتضمن قائمة المشترين دولاً تقع في حالة نزاع الآن مثل العراق وأفغانستان، وبالطبع فعمر السلاح أطول بكثير من الموقع السياسي الذي بيع فيه، وبمجرد دخول المعدات العسكرية إلى منطقة الحرب فهناك القليل من التحكم فيما يحدث به – إن وجد بالأساس -، ولهذا السبب تقول أبحاث منظمة العفو الدولية إن الأسلحة التي باعتها المملكة المتحدة للحكومة العراقية حصلت عليها داعش.
تشمل قائمة “FCO” العديد من الدول الأخرى التي تمارس القمع والانتهاك السياسي بشكل موسع مثل الانتهاكات التي تحدث في فنزويلا وربما أسوأ، ومن ضمنها البحرين والصين ومصر.
لا يمكن أن تكون مبيعات الأسلحة بمعزل عن السياسة، هذه المبيعات لا تقدم فقط الدعم العسكري لكنها ترسل إشارة موافقة واضحة ودعم سياسي، فهي ترسل علامة واضحة تدل على الثقة وتقدم الاحترام والشرعية لمشتريها.
نتائج هذا الأمر قد تكون كارثية وقاتلة، فأفراد العسكرية السعودية يستخدمون مقاتلات جوية من صنع المملكة المتحدة ويسقطون قنابل المملكة المتحدة كذلك على اليمن، هذا القصف استمر لأكثر من عامين ونصف وتسبب في أزمة إنسانية وحشية لشعب اليمن.
تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر مشترٍ للأسلحة البريطانية
لقي أكثر من 10 آلاف شخص مصرعهم في هذا الصراع، كما مات الكثيرون نتيجة انهيار البنية التحتية ونقص المساعدات الطبية وخدمات إنقاذ الحياة، وشهدت الشهور الأخيرة تفشي وباء الكوليرا المرعب وهناك ما يقارب 365 ألف حالة مشتبه بها بينما قُتل نحو 2000 شخص بهذا المرض القاتل.
وبغض النظر عن الوحشية وتصاعد عدد القتلى بشكل سريع، تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر مشترٍ للأسلحة البريطانية، فقد حصلت على رخصة لشراء أسلحة بمبلغ يتجاوز 3.8 مليار جنيه إسترليني منذ بدء التدخل في اليمن.
من الناحية النظرية، ينبغي لمعايير تصدير الأسلحة في المملكة المتحدة أن تتوقف عن بيع الأسلحة للدول التي بها خطر واضح يقول بأن تلك الأسلحة قد تستخدم في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني أو للقمع الداخلي، ومع ذلك فعلى مر العقود استمرت الحكومات ذات الأطياف السياسية المختلفة في الترويج للأسلحة وإعطاء الأولوية في بيع الأسلحة لأكثر الأنظمة القمعية في العالم.
هذا التناقض والنفاق ليس من قبيل المصادفة، لكنه في صميم الأمر، فحكومة المملكة المتحدة ليست مجرد مراقب على تجارة الأسلحة العالمية لكنها مشارك نشط، حتى إنها تمتلك دائرة خدمة مدنية – منظمة الأمن والدفاع – هدفها الوحيد زيادة صادرات الأسلحة.
إذا كانت ماي وزملاؤها يؤمنون حقًا بتعزيز حقوق الإنسان والديموقراطية، إذا ينبغي عليهم التوقف عن تسليح منتهكي حقوق الإنسان
في الشهر المقبل سوف يستضيف مركز إكسيل في شرق لندن معدات الدفاع والأمن الدولية “DSEI” وهي واحدة من أكبر معارض السلاح في العالم، سوف تجمع “DSEI” بين أكثر الأنظمة القمعية في العالم وأكبر شركات الأسلحة، ولن يهتم تجار السلاح بهؤلاء الأشخاص المعرضون للتعذيب والاعتقال من قِبَل مشتريي أسلحتهم، فما يهمهم فقط هو الربح.
هذا المعرض لم يكن ليقام دون دعم الحكومة الكامل، وفي الواقع فكبار الوزراء ومن بينهم ليام فوكس وزير التجارة الدولية ومايكل فالون وزير الدفاع سيكونان هناك لاستقبال المندوبين، وفي الوقت نفسه سيكون موظفو الخدمة المدنية والعسكريون في استقبال الضيوف والدفع نحو مزيد من الشراء.
سيكون هناك آلاف من النشطاء يتظاهرون قبل أسبوع من بدء المعرض لمنع استكمال إعداداه، ستكون الرسالة التي نرسلها واضحة وعالية، سواء كانت الأسلحة لفنزويلا أو الممكلة العربية السعودية أو أي مكان بينهما، فإذا كانت ماي وزملاؤها يؤمنون حقًا بتعزيز حقوق الإنسان والديموقراطية، إذًا ينبغي عليهم التوقف عن تسليح منتهكي حقوق الإنسان.
المصدر: إندبندنت