انتهى يوم دامٍ آخر في صفوف الدفاع المدني في إدلب خاصة وسوريا عامة، إذ استيقظت إدلب أمس السبت على وقع حادثة هزت المحافظة، حيث اغتالت جماعة مجهولة لم يتم معرفتها حتى الآن 7 عناصر من الدفاع المدني بعد مداهمة مركزهم في مدينة سرمين بريف إدلب وسرقة محتوياته كافة.
تراءى في البداية أن الداعي من العملية السرقة، لكن تبددت رواية السرقة بعد ساعات حيث عثر بطريق سرمين بنش على إحدى الفانات المسروقة، وذكر مركز إدلب الإعلامي أن الفان عثر عليها محروقة بشكل كامل بما فيها من معدات، وهو ما فسره ناشطون أن حرق الفان دليل أن الهجوم على المركز لم يكن بداعي السرقة وإنما بدافع أوامر بتصفية عناصر المركز من قبل جهة مجهولة ولسبب مجهول على الأقل حتى الآن.
الدفاع المدني ينعي عناصره
نعى الدفاع المدني في بيان له كل من زياد حسن قدحنون، باسل مصطفى قصاص، محمد شبيب (أبو زيد)، عبد الرزاق حسن حاج خليل، محمد ديب الهر (أبو كفاح)، محمد كرومة (حمص)، عبيدة (حمص)، وجاء في البيان: “قامت المجموعة بتصفية الزمرة المناوبة في المركز والبالغ عددها 7 عناصر، وسرقة سيارتين من نوع فان إلى جانب خوذ بيضاء وقبضات هيترا”.
فيما قال شهود عيان في المنطقة إن المسلحين استخدموا مسدسات مزودة بكواتم صوت، إذ لم يسمع صوت إطلاق النار في أثناء عملية الاغتيال.
وكان من بين الضحايا أبو كفاح الذي سبق وبث له مقطع فيديو أثار تفاعلًا كبيرًا في الأوساط السورية، إذ ظهر أبو كفاح باكيًا وهو يحتضن طفلة لم يتجاوز عمرها شهرًا واحدًا خرجت من بين ركام منزلها الذي تعرض للقصف في مدينة إدلب، وقال أبو كفاح وقتها إن سبب البكاء “شعوري الأبوي تجاه هذه الطفلة، وأنا أفتخر بعملي مع بقية عناصر الدفاع المدني بعد عمل استمر لساعتين وخرجت بعده الطفلة سالمة”.
بلغ عدد الضحايا 69 خلال 135 حادثة اعتداء على مراكز حيوية يعملون فيها، حسبما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الانتهاكات بحق الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني والمنشآت العاملة فيها، من قبل أطراف النزاع في سوريا
في الحقيقة واقعة اغتيال عناصر الدفاع المدني ليست الأولى من نوعها، إذ عنونت مواقع معارضة بشأن هذه الواقعة: “ما الجديد؟!”، فالأشهر الماضية تكررت حوادث الاغتيال في محافظة إدلب، واستهدفت بشكل أساسي موظفي المنظمات المدنية والإغاثية، إلى جانب قادة عسكريين.
ووفق إحصائيات المنظمات الحقوقية فليست المجموعة أول ضحايا الدفاع المدني، إذ قتل أكثر من 150 عنصرًا خلال السنوات الماضية، خلال عملهم في إخلاء المدنيين من أماكن القصف.
فان عناصر الدفاع المدني المسروقة والذي وجدت محروقة بالكامل
كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الانتهاكات بحق الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني والمنشآت العاملة فيها، من قبل أطراف النزاع في سوريا خلال النصف الأول من العام الحالي، وبلغ عدد الضحايا 69 خلال 135 حادثة اعتداء على مراكز حيوية يعملون فيها.
ويعمل الدفاع المدني كمنظمة مستقلة على إسعاف الجرحى من وإلى المشافي الميدانية وانتشال وتوثيق القتلى في عموم سوريا وإطفاء الحرائق ودعم العاملين في شبكات المياه والكهرباء، ويُستهدف مركزه بشكل شبه دائم من جانب قوات النظام السوري والطيران الروسي.
لم تتبن العملية أي جهة حتى الآن، إلا أن القراءة الأولية تشير لاتهام كل من هيئة تحرير الشام والنظام السوري
وسبق أن ترشح فريق الخوذ البيضاء لنيل “جائزة نوبل” للسلام إلا أنها ذهبت لغيره، وحاز على “جائزة نوبل البديلة” السويدية في سبتمبر/أيلول 2016، كما حصد على جائزة “الأوسكار” لأفضل فيلم وثائقي قصير، ويُذكر أن بشار الأسد سخر في 22 من سبتمبر/أيلول الماضي، من مؤسسة الدفاع المدني السوري في أثناء مقابلة أجرتها معه وكالة “أسوشيتد برس” في دمشق.
وقد حاول الأسد التهرب من الإجابة بشكل صريح لدى سؤاله إذا كان سيدعم ترشح فريق الخوذ البيضاء لنيل الأوسكار، ورغب بتسييس المنظمات الإنسانية عمومًا، وألمح بأنها تنفذ أجندات معينة، ثم تحدث عن قصف المستشفيات وحاول نفي الاتهامات المستهدفة لنظامه بعشرات الأدلة، وراح يؤكد أن حكومته تقدم اللقاحات للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وقال الأسد: “كيف نقدم اللقاحات ونقصف المستشفيات؟” ولدى سؤال الأسد من قبل الصحفي “وأنت ماذا فعلت بسوريا؟” أجابه بسؤال “ما الذي حققوه في سوريا؟ وما مدى خلو جائزة نوبل من التسييس؟” ثم ضحك وقال “إذا حصلت على جواب على هذين السؤالين أستطيع أن أجيبك”.
لمن توجه أصابع الاتهام؟
لم تتبن العملية أي جهة حتى الآن ومن غيرالمتوقع أن يتبناها أحد بحكم التجربة من الاغتيالات السابقة التي حصلت في إدلب على مدى الشهور الماضية، إلا أن القراءة الأولية تشير لاتهام كل من هيئة تحرير الشام والنظام السوري.
وُجهت أصابع الاتهام للهيئة بحكم أنها تسيطر على مدينة سرمين، وسبق أن حصل اقتتال هو الأكبر من نوعه بين “تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام”، حيث تبادل الطرفان السيطرة على عدة مناطق في محافظة إدلب وخاصة المناطق الحدودية مع تركيا وانتهت المعارك بتهدئة أوقفت الاقتتال، وتوسيع الهيئة سيطرتها على إدلب والتحكم بشكل أكبر بمعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
مراقبون أشاروا لضلوع النظام السوري بهذه العملية وأن له مصلحة كبيرة في ذلك، من جانب أن المعارضة ستتهم هيئة تحرير الشام بقتل عناصر الدفاع المدني أو سمحت بذلك على الأقل وتعيد الاقتتال إلى المحافظة
ناشطون ألقوا باللوم على الهيئة وقالوا إنها تتحمل المسؤولية كاملة عما حصل في سرمين، حيث دخلت الهيئة لسرمين بـ3000 مقاتل على حد زعمهم وأزالت عناصر الشرطة الذين كانوا يخرجون دوريات ليلية في كل سرمين، وألغت محكمة سرمين وحواجز المدينة لتصبح المدينة من دون حواجز وحماية وتصبح غابة يدخلها خفافيش الظلام ليلًا ليقتلوا ويسرقوا ويخطفوا، ومن جهتها أصدرت الهيئة بيان تعزية للدفاع المدني أعربت فيه عن حزنها نتيجة مقتل العناصر، وأعلنت أنها ألقت القبض على المجرمين.
مراقبون لم يستبعدوا ضلوع النظام السوري بهذه العملية وأن له مصلحة كبيرة في ذلك، من جانب أن المعارضة ستتهم هيئة تحرير الشام بقتل عناصر الدفاع المدني أو سمحت بذلك على الأقل لأن سرمين تقع تحت سيطرة الهيئة، وبالتالي عودة الاقتتال في إدلب مجددًا بين الهيئة وفصائل المعارضة وإلهائهم ببعضهم البعض، ليتمكن النظام السوري من اختراق المحافظة وتصدير نظرة أن إدلب معقل الإرهاب، وأنه الأحق من غيره بقتال التنظيمات الإرهابية التي فيها وإعادة الاستقرار إليها، فيما تقف إدلب على حافة إطلاق حملة دولية لفرض خفض التصعيد فيها، كونها المنطقة الرابعة ضمن الاتفاق الذي تم إقراره في محادثات أستانة السورية.
أيًا كانت الجهة التي أصدرت أوامربقتل عناصر الدفاع المدني في سرمين، فهي استهدفت إذكاء الاقتتال بين الفصائل الموجودة في إدلب وإبقاءها في حالة قتال وعدم توافق واستقرار، وهو ما يجعل إدلب تنحو منحى خطيرًا لصالح فشل الجهود الدولية بفرض منطقة خفض التصعيد فيها، وتضافر الجهود الدولية بين روسيا وأمريكا وإيران وتركيا للقضاء على التنظيمات الإرهابية هناك.