تدخل الأزمة الخليجية مرحلة جديدة من مراحل التبريد وذلك حين سجلت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر ما أسمته “تراجعًا إيجابيًا” من قبل المملكة العربية السعودية بعد فصول من الشد والجذب بين طرفي الأزمة منذ انطلاقها في الخامس من يونيو الماضي.
67 يومًا عمر الأزمة حتى الآن منذ أن أقدمت كل من السعودية، الإمارات، البحرين، مصر على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة على خلفية تصريحات مزعومة منسوبة لأمير قطر، ورغم تكذيبها من قبل الشيخ تميم بن حمد، فالعواصم الأربعة لم تتزحزح عن موقفها التصعيدي ضد النظام القطري.
التحول الإيجابي النسبي في الموقف السعودي مقارنة بمواقف بقية دول الحصار أثار العديد من التساؤلات عن دلالات هذا التحول وتأثيره على مستقبل الأزمة في ظل النجاح الدبلوماسي الذي حققته الخارجية القطرية خلال الأيام الماضية.
تراجعًا إيجابيًا
في مؤتمر صحفي عقدته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر أمس السبت أشارت إلى أنها رصدت “تراجعًا إيجابيًا” لـ”الانتهاكات الحقوقية” التي ارتكبتها السعودية بحق القطريين والسعوديين على حد سواء منذ انطلاق الأزمة.
علي بن صميخ المري رئيس اللجنة، كشف خلال المؤتمر عن ملامح هذا التراجع والذي تمثل في بعض القرارات والإجراءات التي أعلنتها الرياض مؤخرًا وأبرزها:
– سماح السعودية بالبقاء لمواطنيها في قطر في حال توفر أي من الشروط التالية: أن يكون المواطن حاملاً لهوية إقامة في دولة قطر، أن يكون لديه عمل أو أملاك بها، أن يكونوا طلبة يدرسون في أي من الجامعات القطرية.
– السماح للطلاب القطريين الدارسين في الجامعات السعودية بالدخول إلى المملكة لإكمال دراستهم ومباشرة حياتهم هناك بصورة كاملة.
غير كافٍ
رغم هذا التراجع الملحوظ في الموقف السعودي مقارنة بما كان عليه بداية الأزمة، فإن رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر وصفه بأنه “غير كافٍ” و”غير واضح”.
المري علل تلك التصريحات بأن هناك ازدواجية في القرارات السعودية تفتقد للعدالة لا سيما مع القطريين، ملفتًا أنه في الوقت الذي تسمح فيه الرياض لمواطنيها ممن لهم أملاك أو هويات إقامة في قطر بالسفر إليها تمنع القطريين ممن ينطبق عليهم نفس الشروط، لديهم أملاك أو إقامات، من الدخول لأراضيها.
كما ذكر أنه لم يرفع حتى الآن الغبن عن المستثمرين القطريين في المملكة أو حتى العمال الذي يعلمون لحسابهم والبالغ عددهم 459 عاملاً، مبينًا أن هؤلاء العمال “يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة”.
إضافة إلى ذلك فإن اللجنة سجلت بعض الانتهاكات الجسيمة على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مثل الحق في العلاج ، ونقل معداتهم من دول الحصار، مما يمثل انتهاكًا واضحًا لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي صادقت عليها كل تلك الدول.
اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر أمس السبت أشارت إلى أنها رصدت “تراجعًا إيجابيًا” لـ”الانتهاكات الحقوقية” التي ارتكبتها السعودية بحق القطريين والسعوديين على حد سواء منذ انطلاق الأزمة
رئيس اللجنة لفت إلى أنه “سيقدم تقريرًا مفصلاً عن هذا الأمر أمام آليات حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على الصعيد الدولي، مما يساعد الضحايا من ذوي الإعاقة على تقديم شكاوى ضد السعودية أمام اللجنة المعنية بحقوق ذوي الإعاقة بالأمم المتحدة” خاصة بعد انضمام المملكة للبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بشأن الشكاوى الفردية، والذي يعطي الحق للضحايا في رفع شكوى ضدها أمام اللجنة المعنية، مؤكدًا أن هذا “ما ستقوم به اللجنة الوطنية”.
عدم كفاية خطوات التراجع السعودي كما يصفها المري تعود في جزء منها إلى العراقيل التي وضعتها المملكة أمام الحجيج القطريين حسبما نوه في كلمته أمس خلال المؤتمر الصحفي، حيث أبدى تعجبه من تصريحات بعض المسؤولين السعوديين التي اتهموا فيها دولة قطر بـ”تدويل الحرم” و”تسييس الحج”، مؤكدًا أن “ما تدعيه الجهات السعودية غير صحيح”، مفسرًا حقيقة ما حدث بقيام اللجنة بـ”مخاطبة المؤسسات الدولية لرفع الانتهاك الحاصل على الحجيج من دولة قطر ووقف العراقيل أمامهم، وتسهيل عملية الحج”.
كما أوضح أن عدد الحجاج القطريين المتقدمين رسميًا لحج هذا العام بلغ 21.255 حاج، تم اعتماد 2400 حاج منهم، مما يشير إلى “كون السعودية لا تزال مستمرة في عرقلة عملية الحج للمواطنين والمقيمين من دولة قطر”.
تصريحات المري تتزامن مع ما قاله وزير الحج والعمرة السعودي محمد بن صالح بنتن، بشأن توجيه قيادة المملكة بـ”توفير أعلى درجات الراحة والأمان لجميع الحجيج، دون استثناء، بمن فيهم حجاج إيران والأخوة من قطر” مجددًا في تصريحات صحفية له بالأمس – نقلتها وكالة واس السعودية – رفضه الكامل لما أسماه “تسييس الحج” مهما كان الأمر”.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
فشل اجتماع دول الحصار بالقاهرة في الخروج بقرارات ضد الدوحة
عنصرية إماراتية
بينما تسجل لجنة حقوق الإنسان القطرية تراجعًا إيجابيًا في الموقف السعودي حتى وإن كان غير كافٍ إلا أنه في المقابل تسجل تراجعًا سلبيًا في الموقف الإماراتي والبحريني.
المري في حديثه لفت إلى أن لجنته “لم ترصد بالمقابل أي تراجع من جانب الإمارات أو البحرين بخصوص القرارات التي اتخذتاها”، مضيفًا “وعلى العكس، اتخذ البلدان مزيدًا من الإجراءات التعسفية، واستمرا في قراراتهما التي تخالف الاتفاقيات الدولية كافة، وتنتهك حقوق مواطني دولة قطر والمقيمين فيها”.
اللجنة في رصدها كشفت عن “انتهاك إماراتي للحق في التعليم” وذلك في صورة “تمييز عنصري ضد طلبة قطر الدارسين هناك” بحسب رئيس اللجنة الذي نوه في هذا الخصوص إلى أن “إحدى الجامعات الإماراتية قد أوقفت قيد طالب قطري لمجرد أنه قطري ومنعت الطلاب القطريين من دخول حسابهم على الموقع الإلكتروني في الجامعة التي يدرسون بها”.
وتابع “تجاهل هذه الدول لمعالجة أوضاع المستثمرين والملاك القطريين، يؤكد جليًا أنه لا توجد بيئة قانونية آمنة للاستثمارات فيها، خاصة الإمارات وبالتحديد في دبي”.
يذكر أن الشكاوى التي تلقتها اللجنة منذ بدء الحصار بلغت 3269 شكوى، تتعلق بمختلف أنواع الانتهاكات، أبرزها ما يتعلق بالملكية، والتي بلغت 984 شكوى، منها 607 تتعلق بالسعودية، و331 بالإمارات، و46 بالبحرين.
رئيس الهيئة العامة للطيران المدني القطري اعتبر أن اعتماد المسارات الجديدة يعد “نجاحًا كبيرًا”
فتح الأجواء الجوية أمام الطيران القطري
التراجع الإيجابي السعودي جاء بعد أيام قليلة من اعتماد المنظمة الدولية للطيران المدني مسارات جديدة فوق الأجواء الجوية لدول الحصار أمام شركات الطيران الدولية للمرور من خلالها إلى المطارات القطرية حسبما أشار رئيس الهيئة العامة للطيران المدني القطري عبد الله بن ناصر تركي السبيعي.
السبيعي في تصريحات له لفت إلى أن “شركات الطيران العالمية العاملة في السوق المحلية بدأت اعتبارًا من الإثنين، تشغيل رحلاتها عبر المسارات التي تم اعتمادها بعد الاجتماع الاستثنائي لمجلس منظمة الطيران المدني الدولي” وذلك إثر التحقيق في الشكوى التي تقدمت بها الدوحة للمنظمة طالبتها فيها بـ”التدخل لفتح المسارات الملاحية الجوية التي أغلقتها دول الحصار”، حيث قدّمت ملفًا مدعومًا بالوثائق بشأن ما أسمته “انتهاك دول الحصار للمواثيق الدولية، وتعريض أمن وسلامة الطيران للخطر” وهو ما استجابت له المنظمة الدولية.
رئيس الهيئة العامة للطيران المدني القطري اعتبر أن اعتماد المسارات الجديدة يعد “نجاحًا كبيرًا نظرًا لقدرة الجهات المعنية بقطاع الطيران في قطر على إقناع المنظمة الدولية للطيران المدني بأهمية امتثال دول الحصار لاتفاقية شيكاغو وملاحقها المنظمة لحركة النقل الجوي في العالم وذلك لتحقيق السلامة والأمن والكفاءة للحركة الجوية”.
وردا على هذه الخطوة أعلن وزير الطيران المصري، شريف فتحي، أن هذا القرار يأتي في إطار التزام جميع الدول بما ورد في اتفاقية شيكاغو وملاحقها المنظمة لحركة النقل الجوي في العالم، ومن ثم لم يكن أمام سلطات تلك الدول سوى الالتزام بما ورد في هذه الاتقاقية لتحقيق السلامة والكفاءة.
الوزير في مداخلة له ردًا على سؤال حول دلالة هذه الخطوة كونها تراجعًا عن مقاطعة قطر أشار إلى أن فتح مسارات وممرات جوية أمام الطيران القطري لا يعني هبوط الطائرات القطرية في مطارات أي من الدول الأربعة، ملفتًا أنه كوزير طيران يتحرك وفق ما تقتضيه الضرورة والالتزامات الموقعة بصرف النظر عن الموقف السياسي
خط سير #طيران_الاتحاد الاماراتية
هذا اللي لاقال لك شين وقوي عين ?
الرحلة الساعة ٥:٣٦ صباح الأثنين
٧/ أغسطس / ٢٠١٧م ?#تميم_القلب_الكبير pic.twitter.com/QO91Ru0of9— ?? ابوجاسم#تميم_المجد ?? (@bojasim502) August 7, 2017
اعتبارا من اليوم وبالقانون وبالسياسة القطرية الواعية المتأنية والواثقة بعلو كعبها وبعيدا عن المهاترات الطيران القطري يمر في اجواء البحرين ?? pic.twitter.com/sYTm7UsZOu
— BO-MESHAL ?? (@QATAR__4EVER) August 7, 2017
اللجنة في رصدها كشفت عن “انتهاك إماراتي للحق في التعليم” وذلك في صورة “تمييز عنصري ضد طلبة قطر الدارسين هناك”
نجاح الدبلوماسية القطرية
تعكس تلك الخطوات حجم النجاحات التي حققتها الدبلوماسية القطرية منذ انطلاق الأزمة، فعلى مدار ما يزيد على 67 يومًا استطاعت الخارجية القطرية وفق ما تبنته من حراك دبلوماسي متعدد الجوانب في تفتيت موجة الأزمة من بدايتها والتي كان يراهن الكثيرون على فشل الدوحة في الصمود أمامها لساعات وليس شهور.
اعتمدت الدوحة في خطابها ابتداءً على الهدوء والتروي والبعد عن الانزلاق إلى مستنقعات الاستفزاز وما يترتب عليها من ردود ربما كانت تسيء للموقف القطري، وهو ما وعته الخارجية القطرية بصورة كبيرة في مقابل ضغوط مكثفة تمارسها دول الحصار بهدف الخروج بأكبر المكاسب في أقل وقت ممكن.
وفي الوقت الذي ألقت فيه دول الحصار بكل أوراقها مرة واحدة، نجحت قطر في كسب دعم كل من أنقرة وباريس وبرلين وبعض العواصم العربية كالجزائر، إضافة إلى تحييدها لمواقف بعض القوى الدولية على رأسها الصين وروسيا وبريطانيا وبعض الدول الإفريقية.
كل هذا كان بالتوازي مع تفتيت الموقف الأمريكي وإحداث الانقسام بداخله بما يصب في نهاية المطاف في صالح الموقف القطري حتى وإن كان ذلك عبر تحييد الموقف الرسمي بعدما كان يميل بصورة كبيرة إلى فريق دول الحصار، وهو ما يعد في العرف الدبلوماسي نجاحًا كبيرًا، خاصة إن كان مع دولة بحجم الولايات المتحدة.
ونتيجة لكل كل ما سبق استقر المجتمع الدولي على أن الأزمة الخليجية لا يمكنها أن تحل إلا عبر الحوار والجلوس على مائدة المفاوضات بين طرفي الأزمة، في مقابل نجاح الدوحة في ترميم بعض الآثار الناجمة عن الحصار لا سيما على الجانب الاقتصادي، حيث نجحت في تأمين مسارات الغذاء وتفعيل التعاون البناء مع بعض الدول ليس على المستوى التجاري فحسب بل على المستوى العسكري.
يذكر أن الجهود المبذولة من الدول الأربعة لفرض رؤيتها على الدوحة لم تحقق الهدف المنشود من ورائها، فبحسب مصادر ملطعة فإن دول الحصار أبلغت الولايات المتحدة أنها لن تعاقب الشركات الأمريكية العاملة معها التى تعمل مع الدوحة أيضا، في محاولة لطمأنة الشركات الأجنبية الموجودة داخل قطر، حسبما أشارت جريدة “اليوم السابع” المصرية نقلا عن”رويترز”.
ووفق الوكالة فإن مصروالسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين قد أرسلوا خطابا إلى وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون فى يوليو تطمئنه فيه بأن الشركات الأمريكية لن تتعرض لعقوبات من جراء المقاطعة وذلك حسبما أفادت مصادر مطلعة على الرسالة، كما أبلغت بعثة الاتحاد الأوروبى إلى الإمارات الوكالة الانجليزية أن الاتحاد تلقى “تطمينات شفهية… رسمية” مماثلة من الإمارات.
تجاهل هذه الدول لمعالجة أوضاع المستثمرين والملاك القطريين، يؤكد جليًا أنه لا توجد بيئة قانونية آمنة للاستثمارات فيها، خاصة الإمارات، وبالتحديد في دبي
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
جهود مكثفة لوزير الخارجية الأمريكية لحلحلة الأزمة
تبريد الأزمة
ما وصلت إليه الأزمة الآن لا يمكن أن يقارن بما كانت عليه في بدايتها، حيث تغيرت قواعد اللعبة بصورة كبيرة، ولم تعد قطر الدولة الخليجية الصغيرة المهددة بافتراس جيرانها وأشقائها نتيجة الخلاف الأيديولوجي بشأن المواقف القطرية حيال بعض الملفات التي لا ترضى عنها عواصم تلك الدول.
ومع مرور الوقت وتراجع منحنى التصعيد الخليجي إثر نجاح الحراك الدبلوماسي القطري، تسير الأزمة رويدًا رويدًا ناحية مرحلة التبريد، مع إبقاء الوضع على ما هو عليه مع بعض الخطوات التي تأتي في إطار حلحلة الأزمة سواء عبر دول الوساطة وعلى رأسها الكويت المدعومة في هذه المهمة من واشنطن وأنقرة وموسكو وبرلين ولندن، أو من دول الحصار أنفسهم عبر التراجع خطوات للوراء كما هو الحال مع السعودية.
الضغوط الممارسة على دول الحصار من أطراف دولية وإقليمية لإنهاء الأزمة دبلوماسيًا خاصة في ظل ما تحمله من قنابل موقوتة ربما تعيد رسم خارطة المنطقة كلها، في مقابل مرونة نسبية قد تبديها الدوحة في التعاطي مع بعض المطالب مستقبلاً، ربما يدفع الأزمة إلى مسار آخر من الانفراجة في القريب العاجل، وإن كان هذا يتوقف على مدى استجابة طرفي الأزمة للتحديات الراهنة التي تتطلب جلوس الجميع على مائدة حوار واحدة.