حين احتل الفرنسيون القاهرة بداية العام الهجري “1216 – 1798م”؛ وصف المؤرخ المعاصر الجبرتي بداية العام بكلمات قليلة معبرة جدًا، إذ قال: “أول سِنين الملاحم العظيمة، والحوادث الجسيمة، وتوالي المحن، واختلال الزمن، وانعكاس المطبوع، وانقلاب الموضوع، وتتابع الأهوال، واختلاف الأحوال وفساد التدبير وحصول التدمير، وعموم الخراب”.
ربما لو كان الجبرتي حيًا بيننا لم يُغير أو يُزد شيئًا من وصفه، فالعالم اليوم أكثر فوضى من أي وقت مضى، ويشهد انقلابًا واسعًا في موازين القوى، ومثلما دخل الجبرتي عامًا جديدًا على خلفية من الصراع العالمي والدمار وعدم الاستقرار الذي أحدثه الفرنسيون، كذلك ندخل عام 2024، لكن على خلفية وتحديات وأزمات غير مسبوقة، إذ تعيش اليوم بالعالم 27 منطقة في حالة حرب، وللعالم الإسلامي النصيب الأكبر منها.
ومع دخولنا عام 2024، تتعدد الأسئلة التي تدور في أذهاننا، وسواء كنت متحمسًا أم قلقًا، فهذه سنة “مهمة للغاية” لأنها ستنتهي إلى مسارات وترتيبات جديدة، وستحدد نغمة التفاعلات العالمية في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.
إضافة إلى أن الكثير من الأحداث التي جرت في السنوات السابقة، ننتظر تداعياتها هذا العام، بدءًا من الصراعات والحروب والتوترات إلى التحديات الكوكبية كارتفاع درجة الحرارة وظاهرة الاحتباس الحراري ثم التقلبات والصدمات الاقتصادية، مرورًا بتحولات المشهد التكنولوجي خاصة مع تقدم الذكاء الاصطناعي.
ضريح الديمقراطية.. أكبر عام انتخابي في التاريخ
سيكون عام 2024 بالغ الأهمية للانتخابات بجميع أنحاء العالم، إذ تتجه أكثر من 50 دولة تمثل أكثر من نصف البشرية إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات الرئاسية والمحلية والإقليمية، وستنتخب 30 دولة رئيسًا لها، من بينها ثماني من الدول العشرة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم.
جدول انتخابي مزدحم للغاية في عام 2024، ومن بين هذه الانتخابات، هناك انتخابات للولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والهند وتايوان وإندونيسيا وبنغلاديش وباكستان وإيران، بالإضافة إلى دول إفريقية. وبعض نتائج هذه الانتخابات ستحمل مخاطر جدية على السياسة والاقتصاد، ومن بينها أربع انتخابات من أكبر البلدان التي ستشكل مصير النظام العالمي.
ففي مباراة العودة بين بايدن وترامب، يأمل الرئيس الحاليّ في تأمين ولاية ثانية، بينما يأمل الرئيس السابق في استعادة البيت الأبيض، ورغم محاولات بايدن رسم مستقبل بائس إذا عاد منافسه للبيت الأبيض، فإن العديد من استطلاعات الرأي تشير إلى أن تولي ترامب منصب الرئيس عام 2024 ليس أمرًا ممكنًا فحسب، بل هو محتمل أيضًا، ورغم أنه يواجه 4 محاكمات جنائية في عام 2024، ما زال يتمتع بقاعدة جماهيرية صاخبة.
ويتفق الكثيرون على أن ترامب البالغ من العمر 77 عامًا يتمتع بمهارات استعراضية وتعبوية تتفوق على بايدن البالغ من العمر 81 عامًا، والذي يتهم بالضعف وتحيط به شكوك عن قدرته على التحمل والحيوية اللازمة لولاية ثانية، بجانب أن بايدن ليس المرشح المفضل لدى الشباب، وفي المقابل يجتذب ترامب الملايين من الذين يشعرون بخيبة الأمل إزاء الوضع الاقتصادي.
كما أن هناك شريحة كبيرة تنظر إلى ترمب باعتباره حصنًا ضد التغيير الاجتماعي والعرقي وحامي التصنيع المحلي، خصوصًا أن الأخير ما زال يلقي باللوم على المهاجرين في محنة الأمريكيين البيض من الطبقة العاملة.
وفي الواقع، يرى كثير من الأمريكيين أن البلاد أفسدتها “المُثُل الليبرالية”، وفي النقاشات الأمريكية عن الانتخابات المقبلة، يظهر معسكران أساسيان بشأن الكيفية التي ينبغي للولايات المتحدة أن تتعامل بها مع بقية العالم، ولكل معسكر انقسامات عميقة حول بعض الجوانب الرئيسية.
الأول “معسكر الليبراليين”: وهؤلاء يريدون استمرار الهيمنة والحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في جميع أنحاء العالم، مع إعطاء الأولوية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والثاني “معسكر أمريكا أولًا”: وهؤلاء يريدون مشاركة دولية محدودة، وتقليل التدخلات العسكرية في الخارج والانسحاب من بعض التحالفات، وبالتالي فإن أي تغيير في القيادة بالبيت الأبيض، سيستلزم تقلبات على الساحة الدولية.
كما يعتبر الأمريكان أن انتخابات 2024 ستكون أهم انتخابات تشهدها البلاد منذ عام 1860، في إشارة إلى الحرب الأهلية والاستقطاب الإيديولوجي الذي قد يشعل البلاد مرة أخرى، ولا شك أن نتائجها سيكون لها أهمية سياسية كبيرة على أوروبا وحرب أوكرانيا بجانب المنافسة الأمريكية مع الصين والتي باتت قضية حاشدة في الانتخابات.
أما بالنسبة لروسيا، فمن المقرر أن تجري انتخابات رئاسية لتعيين زعيمها الجديد حتى عام 2030، ويتطلع بوتين إلى تمديد حكمه المستمر منذ 24 عامًا لمدة ستة أعوام أخرى في الانتخابات القادمة، والتي ستجري في مارس/آذار المقبل. (ربما قد يتأخر التصويت بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا).
ويكاد يكون من المؤكد أن بوتين سيعاد تنصيبه في هذه الانتخابات التي لن تكون تنافسية، فقد نجح في تحصين نظامه الغامض واستخدام أساليب مثل تقسيم القوة العسكرية، كما قام في عام 2020 بتعديل الدستور للسماح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2036، وهو ما قد يجعله يحكم لفترة أطول من ستالين، وحتى الآن لا يوجد منافس له، لقد نفى واحتجز أقوى منافسيه في سيبيريا مثل أليكسي نافالني.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، أسكت المعارضة وفرض قيودًا على الصحافة، فضلًا عن تعزيزه القيم الاجتماعية التقليدية ونقد القيم الليبرالية، لذا فإن فرصة أن يقف شخص في طريق بوتين ضئيلة جدًا. ومع ذلك فإن نسبة إقبال الناخبين الروس والمزاج السائد في الشارع، سوف يكشفان معدلات تأييد بوتين وقبضته على السلطة.
في كل الأحوال، تظل فرص إنهاء موسكو لغزو أوكرانيا منخفضة للغاية، فما زال الكرملين مصممًا على السعي لتحقيق أهدافه بالوسائل العسكرية، ويبدو أن بوتين واثق من أن الوقت سوف يضعف عزيمة داعمي أوكرانيا في الغرب، وبكل المقاييس، يشعر براحة أكبر من أي وقت مضى بسبب الانقسامات التي بدأت تظهر في الغرب بشأن التعامل مع أوكرانيا.
وقد يسعى بوتين إلى تحقيق انتصارات عسكرية في أوكرانيا قبل الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس/آذار. ربما التطور الحاسم هذا العام، هو استمرار تأثير بوتين على المسرح العالمي وتحديه الهيمنة الغربية التقليدية.
كذلك ستكون الانتخابات الهندية التي ستُجرى في الفترة من أبريل/نيسان إلى مايو/أيار 2024 هي الأكبر في العالم، ويأمل رئيس الوزراء الحاليّ ناريندرا مودي في إعادة انتخابه لولاية ثالثة وقيادة البلاد حتى 2029، ورغم قومية مودي المتطرفة وتركيزه بشكل خاص على الثقافة الهندوسية في بلد متنوع عرقيًا ودينيًا ولغويًا، لا تزال الولايات المتحدة تأمل إعادة انتخابه من أجل استكمال التحالف معه ضد الصين.
وفي حالة نجح مودي في تأمين ولاية ثالثة، فقد يؤدي ذلك إلى تصاعد التوترات خاصة مع الأقلية المسلمة الكبيرة، فهو وحزبه “بهاراتيا جاناتا” ضاعفا من الجهود القومية الهندوسية والخطابات المتطرفة لحشد الناخبين ولتحقيق التأثير السياسي.
كذلك في عام 2024 ستعقد ثاني أكبر انتخابات برلمانية في الاتحاد الأوروبي في الفترة من 6 إلى 9 يونيو/حزيران لتشكيل مفوضية أوروبية جديدة، وهي أكبر انتخابات عابرة للحدود في العالم، إذ سيقوم أكثر من 400 مليون شخص بانتخاب 720 عضوًا في البرلمان الأوروبي من 27 دولة مختلفة، وستحدد نتائج هذه الانتخابات أولويات أوروبا خاصة فيما يتعلق بأوكرانيا.
ولا تزال موضوعات كالمخاوف من ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض النمو الاقتصادي، والطاقة والمناخ، والحدود ونظام اللجوء والهجرة غير الشرعية التي تربك حكومات جانبي الأطلسي تسيطر بشكل كبير على الانتخابات، ويكافح سياسيو أوروبا لإثبات القدرة على مواجهة هذه التحديات، وفي بعض الأحيان تُستغل قضايا الهجرة لتحقيق مكاسب سياسية.
وفي الواقع، فإن الأحزاب السياسية المناهضة للهجرة والمعادية للأجانب تحظى بشعبية، ويبدو أنها ستلعب دورًا في المستقبل المنظور، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أحزاب اليمين المتطرف ستصعد في جميع أنحاء القارة، بينما ستخسر أحزاب الوسط والأحزاب التقليدية، ما قد يؤدي إلى تحول عام نحو مواقف أكثر يمينية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
أما الرئيس الأوكراني فإنه لا ينوي إجراء انتخابات رئاسية جديدة، والتي كان من المقرر أن تجرى في شهر مارس/آذار من هذا العام. وتشير تصريحاته الأخيرة إلى أنه بات أمام خيار صعب ويشعر بأن الغرب سيدير له ظهره، خصوصًا مع كثرة الحديث عن انخفاض الدعم الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا، وهو ما قد يمهد الطريق أمام تقدم روسي.
وربما قد يتقرر مستقبل أوكرانيا هذا العام، وقد لا يكون أمام الأخيرة في نهاية المطاف خيار إلا قبول تسوية غير رسمية مع روسيا تنهي القتال وتتنازل بحكم الأمر الواقع عن أجزاء كبيرة من أراضيها. وفي هذه الحالة ستكون هزيمة أوكرانيا حدثًا محوريًا، ما يعني عدم وجود طريق للعودة إلى عالم ما قبل الهزيمة. في كل الأحوال، سيكون هذا العام مصيريًا ومليئًا بالتحديات بالنسبة لأوكرانيا.
أيضًا ستتجه إيران هذا العام إلى الانتخابات البرلمانية بعد عام سابق من الاحتجاجات الحاشدة، لكن بمجموعة محدودة للغاية من المرشحين، ومن المستبعد أن تُحدث نتائج الانتخابات تغييرًا ملحوظًا في المشهد السياسي، خصوصًا أن أجهزة صنع القرار خاضعة مباشرة لخامنئي، مع ذلك يرى بعض المراقبين أن تغيرًا محتملًا يلوح في الأفق مع اقتراب المرشد الأعلى خامنئي من الثمانينيات من عمره وتدهور صحته.
أما تايوان، فقد كانت أول دولة تتوجه إلى صناديق الاقتراع هذا العام، وخسر المرشح الوحيد القادر على تجنب الحرب مع الصين، وفاز لاي تشينج تي، الرجل القومي والمؤيد للاستقلال والساعي إلى إقامة علاقات أوثق مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما يعني احتمال تصاعد التوترات مع الصين، وقد شهدت الأشهر التي سبقت الانتخابات التايوانية مستويات جديدة من الضغط العسكري الصيني على تايوان.
كما أن بكين غضبت بشدة من فوز لاي تشينج تي، وأصدرت بيانًا بعد وقت قصير من ظهور النتائج، أصرت فيه على أن “تايوان جزء من الصين”، ومن المرجح أن ترد الصين بزيادة ضغوطها العسكرية والاقتصادية والسياسية على الجزيرة هذا العام.
تُحكم تايوان بشكل مستقل عن بكين منذ 1949، لكن الصين تصر على أن الأولى جزء من أراضيها، وتعهدت بالسيطرة عليها في نهاية المطاف، ما يمثل واحدة من كبرى المخاطر التي قد يترتب عليها نشوب حرب كبرى.
ويشير العديد من المراقبين إلى أن أزمة تايوان يمكن أن تنفجر خلال العامين المقبلين، وفي حالة هزيمة أوكرانيا أو إعلان تايوان الاستقلال، سترد الصين بحملة عسكرية، وبالفعل لا يخفي الرئيس الصيني نيته بالغزو، وقد صرح بأن التوقيت هو السؤال الوحيد، لأن توحيد تايوان مع الصين بحسبه “حتمية تاريخية”.
ومن اللافت أن التوترات ارتفعت في تايوان بشكل حاد منذ أن أطلق الاتحاد الأوروبي عام 2021 إستراتيجيته الجديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفي جنوب شرق آسيا، ستشهد إندونيسيا في فبراير/شباط الانتخابات الأكثر أهمية لها منذ عقود، حيث سيكون وزير الدفاع برابوو سوبيانتو المرشح الأوفر حظًا لخلافة الرئيس جوكو ويدودو، وقد ينذر انتصار برابوو الشعبوي والقومي بتحولات سياسية مهمة. إضافة إلى ذلك، سوف تشهد المكسيك لحظة تاريخية، فكلا المرشحين في الانتخابات الرئاسية المقبلة من النساء.
أيضًا ستلعب الانتخابات الإسرائيلية والتي من المؤكد أنها ستعقد هذا العام دورًا مهمًا في وضع غزة، وإذا استمر نتنياهو وحكومته في السلطة، فربما تتوسع نطاق الحرب.
أما بالنسبة لعدد من الديمقراطيات الزائفة في المنطقة العربية، فلا يوجد في الواقع أي فرق بين وجود انتخابات من عدمها، الانتخابات مجرد واجهة وذريعة لبقاء النخب الحاكمة في السلطة، فالأنظمة هي من تشكل الانتخابات التي تنجح فيها، لكن ربما تنجح تونس والجزائر ولبنان في تغيير المشهد ولو قليلًا، إذ ستجرى انتخابات رئاسية بهم هذا العام.
وأمام هذه اللوحات الجيوسياسية، فمن المتوقع أن تؤدي سلسلة انتخابات 2024 إلى سياقات اجتماعية واقتصادية وجيوسياسية مختلفة ستؤثر بشكل مباشر على الشؤون العالمية والعلاقات الدولية خلال الفترة المتبقية من هذا العقد، فالعديد من البلدان لديها القدرة على إحداث تغيير حقيقي.
ويبدو أن “الميول الشعبوية القومية” ستلعب دورًا مركزيًا في انتخابات هذا العام، وفي حين يتخوف الكثيرون من عودة شبح ترامب إلى البيت الأبيض، إلا أن ترامب ليس الشعبوي الوحيد الذي قد يعود إلى الظهور من جديد، فالانقسام يخيم بشكل كبير على القيادة الأوروبية، وأحزاب اليمين المتطرف تكتسب زخمًا، ومن المتوقع أن يحصل هؤلاء الشعبويون بأوروبا على أكبر تمثيل لهم، وهو ما سيؤدي إلى تغيير سياسي كبير في السياسة المحلية والعالمية، وقد تؤدي إلى تفتيت الإجماع الغربي.
الرياح المعاكسة
رغم أن الكثيرين يحلمون بالسلام في هذا العام، فمن المرجح أن تندلع صراعات جديدة، دعونا نتذكر أنه قبل أيام قليلة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقف جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، وقال متفائلًا: “منطقة الشرق الأوسط أصبحت اليوم أكثر هدوءًا مما كانت عليه خلال العقدين الماضيين”، بعدها بفترة قليلة بدا الرجل مشؤومًا للغاية، ربما جاز لنا أن نقول إن العالم بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول ليس كما كان قبله، ويبدو أن أحداث غزة الحاليّة ستلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الشرق الأوسط في عام 2024.
أوكرانيا، وفلسطين، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، هم أهم ثلاث بؤر ساخنة للصراعات ذات التأثير العالمي، لذا فإن الحربين المشتعلتين هذا العام لا تنحصران داخل حدود غزة وأوكرانيا، إذ تظل مخاطر التوسع والتصعيد قائمة ليس على دول الجوار فحسب، بل على المنطقتين برمتهما، بجانب تأثيرهما على النظام العالمي.
وإلى جانب غزة، يسود القهر والاستبداد المنطقة العربية، فالأنظمة العربية لم تعد قادرة عن تلبية مطالب شعوبها، ولا تزال العديد من الدول العربية تعاني من أزمات اقتصادية وتفكك اجتماعي وتدهور بيئي ومشاكل أخرى ستكون لها تداعياتها الخاصة.
بدءًا من تبدد الآمال في تحقيق انفراجة بسوريا والقصف العنيف والمستمر الذي ما زالت تتعرض له إدلب منذ 3 أشهر، إلى الحرب في السودان، إلى غياب اتفاق سياسي موحد في ليبيا، إلى إنهاء الصراع في اليمن، ثم العراق الذي على ما يبدو يُجر رويدًا رويدًا إلى مربع الصراع الواسع خصوصًا مع العودة المحتملة لتنظيم الدولة هذا العام.
ونظرًا لهذا المزيج من العوامل، تبدو نهاية هذه الصراعات بعيدة المنال وأن المنطقة لا تنتظر السلام في 2024، والواقع أن معظم البلدان العربية تواجه عددًا لا يحصى من المشاكل، ما قد يدفع المنطقة إلى انفجار اجتماعي وسياسي.
على صعيد آخر، أصبحت الانقلابات مرة أخرى شائعة في إفريقيا ويجري سباق بين الغرب نفسه من أجل مد النفوذ إليها، كما تشهد منطقتا البلقان والقوقاز تطورات متسارعة، لقد اشتعلت الصراعات المجمدة من جديد، والعداء العرقي والعنصري يتزايد، والجميع أصبح ينتظر الطلقة الأولى، إضافة إلى أن هناك مناطق أخرى في كل قارة، بوادر انفجارها بات على المحك.
وبالتالي من المتوقع أن تتسم الساحة السياسية العالمية في عام 2024 بتحولات أكثر سخونة، مع قيام كل قوة بإعادة تحديد العلاقات والسياسات. وفي الواقع فقد كشف الغزو الروسي لأوكرانيا أن العالم يتحرك بلا هوادة نحو تعددية قطبية.
بجانب أن هناك كتلًا مختلفة ومتوسطة القوى تحاول رفع مستوى حضورها على المسرح العالمي وإعادة تشكيل التحالفات وترتيب المشهد الجيوسياسي دون الالتزام الكامل بمعسكر معين، وهو ما يشير إلى تحول محتمل في النظام العالمي لعام 2024.
ويعتقد كثير من الاقتصاديين أن التغيرات الجيوسياسية المحتملة في 2024 ستخلق صدمات وتقلبات اقتصادية، وستهدد النماذج الاقتصادية التقليدية بشكل كبير، ما قد يخلق اضطرابات على نطاق عالمي.
من الواضح أن عام 2024 سيضع الأساس لنظام عالمي جديد، لقد أصبحت الولايات المتحدة تواجه جبهة منسقة تتألف من روسيا والصين، ولكل منهما مصالح مختلفة ولكنهما تشتركان في الهدف المتمثل في تآكل نفوذ الأولى، لكن في الواقع ليس لدى بوتين وشي جين بينغ أهداف محددة للنظام الدولي الذي يسعيان إليه.
في النهاية، العالم يتغير ونحن عند نقطة انعطاف مهمة، وربما يمهد هذا العام الطريق لعصر جديد، ورغم أن المنطقة العربية لديها كل مقومات التأثير، فإن المنظومة الجيوسياسية بها هي الأكثر ترهلًا وتفككًا بالعالم، كما كشفت الحرب على غزة عن الفجوة الهائلة بين العديد من الأنظمة ومجتمعات المنطقة.