يومًا بعد يوم تتصاعد الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة اتفاقًا مع “أرض الصومال” يمهّد الطريق لتأمين وصول أديس أبابا إلى منفذ بحري، وهو ما ترفضه الحكومة الصومالية التي يعدّ الإقليم جزءًا من أراضيها بموجب الأعراف الدولية، إذ لم تحظَ “أرض الصومال” بأي اعتراف دولي حتى الآن.
الصومال يمنع طائرة إثيوبية من دخول مجاله الجوي
آخر محطات التصعيد تمثلت في قيام هيئة الطيران المدني الصومالية، الأربعاء 17 يناير/ كانون الثاني، بمنع طائرة خاصة من الخطوط الإثيوبية من طراز 8-Q400 من دخول المجال الجوي الصومالي.
Mesfin Tasew, Chief Executive Officer of Ethiopian Airlines, provided clarification to the BBC, articulating, “The aircraft en route to Hargeisa had to return due to the discovery that it lacked authorization from Somalia.” @addisstandard https://t.co/zVNmIY7aRP
— Harun Maruf (@HarunMaruf) January 17, 2024
كانت الطائرة التي تقل وفدًا إثيوبيًّا رفيع المستوى في طريقها إلى عاصمة “أرض الصومال” هرجيسا، قبل أن تضطر للعودة إلى أديس أبابا بعد منعها من دخول المجال الجوي الصومالي.
ويأتي هذا التصعيد في الوقت الذي يتصاعد فيه الخلاف الدبلوماسي بين مقديشو وأديس أبابا، والذي نشب عقب توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إدارة أرض الصومال الانفصالية، بهدف تأمين وصولها إلى منفذ على خليج عدن قرب مدخل البحر الأحمر.
ومع تصاعد الأزمة بين الصومال وإثيوبيا، تتزايد المخاوف من أن يصل الخلاف إلى نقطة اللاعودة، في ظل حالة الاستقطاب والاصطفاف الحاد التي تشهدها المنطقة منذ توقيع الاتفاق.
إذ قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أيام قليلة من توقيع الاتفاق، بزيارة عمل إلى العاصمة الإريترية أسمرة استغرقت يومَين، وحظيَ باستقبال حافل من الرئيس الإريتري إسياس أفورقي.
President @HassanSMohamud arrived in Asmara for a working visit. The President was warmly received by his counterpart President Isaias Afwerki. The two leaders will discuss issues of mutual benefit for both nations including strengthening ties & fostering cooperation 🇸🇴🤝🇪🇷 pic.twitter.com/SrebhdAOYw
— Villa Somalia (@TheVillaSomalia) January 8, 2024
وفي ظل رفض القاهرة لموقف أديس أبابا، حطَّ وزير الخارجية المصري رحاله في العاصمة ذاتها بعد يوم واحد من مغادرة الرئيس الصومالي، وأفاد متحدث الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، أن “وزير الخارجية وصل العاصمة الإريترية أسمرة، وكان وزير خارجية إريتريا عثمان صالح في استقباله بمطار أسمرة”، دون تفاصيل إضافية.
وفي الإطار ذاته، استقبل مؤخرًا الرئيس الصومالي، شيخ محمود، وفدًا مصريًّا رفيع المستوى، حيث نقل الوفد دعوة رسمية للرئيس الصومالي لزيارة مصر، وأكد مجددًا على دعم مصر القوي لسيادة الصومال ووحدته وسلامة أراضيه، وفقًا لبيان صادر عن الرئاسة الصومالية.
الصومال يحشد دعم الحلفاء الإقليميين
فور توقيع إثيوبيا وأرض الصومال مذكرة التفاهم، سارع الصومال إلى حشد الدعم الإقليمي من الحلفاء الذين تجمعهم مصالح متعددة في إجهاض الطموحات الإثيوبية، وفي مقدمة هؤلاء الحلفاء مصر وإريتريا.
فبعد أيام قليلة من توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا و”أرض الصومال”، اختار الرئيس شيخ محمود أسمرة كأول وجهة خارجية، وأجرى محادثات على مدى يومَين مع نظيره الإريتري إسياس أفورقي، الذي جمعه تحالف مؤقت مع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد لم يدم سوى 4 أعوام، إذ كان تحالفهما لهدف مشترك هو القضاء على جبهة تحرير تيغراي، وانتهى التحالف بين الرجلَين بتوقيع آبي أحمد اتفاقية سلام مع قيادات الجبهة نهاية عام 2022، وهو ما لم يرضِ أفورقي الذي لا يؤمن بمبدأ السلام والحوار.
تكمن أهمية الزيارة التي قام بها شيخ محمود إلى إريتريا، في أنّ الأخيرة تعدّ قاعدة التدريب الرئيسية للجنود الصوماليين المنخرطين في القتال ضد حركة الشباب المتمردة.
وبدأت أسمرة منذ عهد الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله “فرماجو”، تدريب آلاف الجنود الصوماليين على أراضيها باتفاقية أمنية بين البلدَين، حيث عادت دفعات منهم أواخر عام 2022 بعد أن أكملوا التدريبات العسكرية.
وبحسب بيان لوزارة الإعلام الإريترية، “أجرى الرئيس حسن شيخ محمود والرئيس إسياس أفورقي محادثات مستفيضة وعميقة بشأن القضايا الثنائية والإقليمية والدولية”، وأضاف البيان: “اتفق الزعيمان على العمل بقوة من خلال التعاون الثنائي والتكاملي، وفي إطار تكامل إقليمي أوسع بصبر وروح بنّاءة، مع الامتناع عن اتخاذ رد فعل تجاه مختلف الأجندات الاستفزازية”.
تصعيد دبلوماسي متوقع من أسمرة
“تعلن حكومة إريتريا أنها ستصدر في المستقبل القريب بيانات مستفيضة بشأن المسائل الثنائية والإقليمية التي ورد وصفها أعلاه”، هكذا اختتمت وزارة الإعلام الإريترية بيانها عن زيارة الرئيس الصومالي، ويمكننا أن نفهم بسهولة أن أسمرة على وشك أن تدخل الحلبة بتصعيد دبلوماسي وشيك.
Press Statement
President Hassan Sheikh Mohamud flew back home in mid-morning hours today winding down his two-day working visit to Eritrea.
In the past two days during his stay in the country, President Hassan Sheikh Mohamud and President Isaias Afwerki held extensive and… pic.twitter.com/zqRdKY4ESV
— Ministry of Information, Eritrea (@shabait) January 9, 2024
أما الزيارة المرتقبة للرئيس الصومالي إلى القاهرة استجابة للدعوة التي حملها إليه الوفد المصري رفيع المستوى، تشير إلى رغبة القاهرة في استثمار الغضب الصومالي من إثيوبيا، إذ إن مصر تخشى عواقب سدّ النهضة الإثيوبي الكبير الذي اقتربت إثيوبيا من إكماله، حيث تعتمد مصر على نهر النيل لتوفير نحو 97% من احتياجاتها المائية.
فيما يرى الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، رامي زهدي، أن الاهتمام المصري بدعم الصومال له أبعاد متعددة، من بينها البُعد الاستراتيجي، مشيرًا لصحيفة “الشرق الأوسط” إلى أن الاتفاق الإثيوبي مع “أرض الصومال” ستكون له تداعيات على أمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي، التي تمثل أولوية استراتيجية لمصر.
وتوقع زهدي أن تسعى القاهرة إلى اتخاذ “نهج المبادرة”، بتقديم دعم سياسي ودبلوماسي ومساندة قوية للتحركات الصومالية في المحافل الإقليمية والدولية، وهو دعم “سيحاول قطع الطريق على أديس أبابا قبل أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ ويتحول إلى أمر واقع”، وفقًا لرامي زهدي.
آبي أحمد لن يتسرّع في الاعتراف بـ”أرض الصومال”
الأكاديمي والكاتب المختص في شؤون القرن الأفريقي محمد خير عمر لديه رأي آخر، إذ يلفت إلى أن مكتب الاتصالات الحكومي الفيدرالي الإثيوبي أصدر بيانًا يوضح أن مذكرة التفاهم تمنح إثيوبيا فرصة لإنشاء قاعدة بحرية وخدمات بحرية تجارية في خليج عدن، كما يسلط المكتب الضوء على التزام الحكومة الإثيوبية بـ”التقييم الشامل” لموقفها من جهود “أرض الصومال” المستمرة للاعتراف الدولي، بحسب الأكاديمي الإريتري.
أضاف عمر في مقال تحليلي: “يشير هذا إلى أن رئيس الوزراء آبي أحمد ربما يختبر ردود الفعل الدولية، قبل اتخاذ موقف حاسم بشأن هذه القضية المثيرة للجدل”.
واستطرد بالقول إن الاتفاق عزز الشعبية المتآكلة لكل من آبي أحمد وبيهي (رئيس “أرض الصومال”)، وزاد الخبير الإريتري: “يواجه آبي أحمد تحديات كبيرة، بما في ذلك الصراع مع ميليشيات فانو في إقليم أمهرة، والاضطرابات المستمرة في أوروميا.. تواجه بيهي تحديات مماثلة. تتعامل أرض الصومال، التي لطالما اُعتبرت منطقة مستقرة، الآن مع الصراع في لاسعنود والحركة الانفصالية في أودال، الموقع المفترَض للقاعدة البحرية الإثيوبية. كان كلا الزعيمَين بحاجة ماسّة إلى إيصال أخبار إيجابية لمؤيديهما”.
“ربما لعبت الإمارات العربية المتحدة، المعروفة بعلاقاتها الودّية مع كل من إثيوبيا وأرض الصومال، دورًا في تسهيل الاتفاق بين الاثنين. يتضح اهتمام الإمارات الاستراتيجي بتوسيع نفوذها في البحر الأحمر وخليج عدن ومنطقة المحيط الهندي، كما يتضح من وجودها في جزيرة سقطرى اليمنية. يتماشى هذا السعي مع طموحاتها الجيوسياسية الأوسع في المنطقة”، بحسب الأكاديمي المقيم في النرويج محمد خير عمر.
ومن جهته، بدا الكاتب الصومالي أحمد محمود ديري مطمئنًّا لموقف بلاده وقدرتها على التعامل مع الأزمة، مشيرًا إلى أن إثيوبيا قررت عدم المشاركة في قمة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيقاد” المقررة يوم الخميس 18 يناير/ كانون الثاني، بعد ضغوط سياسية من الدول الأعضاء.
ويضيف في حديث لـ”نون بوست” أن العديد من أعضاء “إيقاد” يضغطون على إثيوبيا لأجل سحب مذكرة التفاهم المثيرة للجدل، وإصدار بيان يؤكد التزامها باحترام سيادة الصومال وسلامة أراضيه، لافتًا إلى أن أديس أبابا تراوغ لكسب الوقت، بحسب تعبيره.
مخاوف في “أرض الصومال” من الإمارات وإثيوبيا
يرى ديري أن العديد من أبناء “أرض الصومال” لا يرغبون في منح إثيوبيا مساحة بحرية من بلدهم لتكون قاعدة عسكرية لمدة 50 عامًا، ويستدل محدثنا على رفض قطاع كبير من سكان أرض الصومال للاتفاق، بأنّ وزير الدفاع في هرجيسا، عبد الغني محمود عاتيي، استقال من منصبه احتجاجًا على الاتفاق الموقع بين “أرض الصومال وإثيوبيا”.
وقال ديري إنّ الوزير عاتيي حذّر من أن إثيوبيا لا تريد البحر والميناء فحسب، بل “إنها تريد الاستيلاء على أرضنا”، مشيرًا إلى كونه الوزير الوحيد في حكومة موسي بيهي الذي يمثل مدينة زيلع، بحسب أحمد ديري.
وأضاف الكاتب الصومالي أن مخاوف أهالي “أرض الصومال” مشروعة، في ظل تحالف القيادة الإثيوبية الحالية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والأخيرة -وفقًا لديري- معروفة بمطامعها وسعيها الدؤوب لتوسيع نفوذها ووجودها في البحر الأحمر وخليج عدن ومنطقة المحيط الهندي، وذكّر بأن الإمارات تدير بالفعل ميناء بربرة عبر ذراعها العملاق “موانئ دبي العالمية” بعد أن قامت بتطويره.
غير أن الكاتب والمحلل الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد قال لـ”نون بوست”، إن مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال حظيت بقدر كبير من التوافق والتفاهم إقليميًّا ودوليًّا، رغم أن هناك جهات عديدة تعمل على إفشال المشروع.
إثيوبيا لديها ترتيبات وتوافقات مبكرة
يتوقع عبد الصمد أن تكون هناك “معارك إعلامية” فقط، لافتًا إلى أنّ إثيوبيا لديها ترتيبات وتوافقات مبكرة في الموضوع، في إشارة إلى حديث المستشار الأمني القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، السفير رضوان حسين، الذي قال إن “دول منطقة شرق أفريقيا كانت على علم باتفاق أرض الصومال وإثيوبيا، وتم إبلاغها بنيّة أثيوبيا الحصول على منفذ بحري، لكنها كانت لا تعلم الوقت الذي سيتم فيه توقيع الاتفاق وزيارة رئيس أرض الصومال لأديس أبابا”.
Countries in the Region were aware of the MoU with #Somaliland– Redwan Hussein, National security adviser to PM Abiy Ahmed#Ethiopia recently signed an MoU with Somaliland. Somaliland formally acknowledged granting Ethiopia sea access for Naval Forces in exchange for… pic.twitter.com/BJHKA1c53U
— Addis Standard (@addisstandard) January 15, 2024
وفيما يتعلق بقمة “إيقاد” في 18 يناير/ كانون الثاني، أوضح المحلل الإثيوبي أن هناك أنباءً تقول إن إثيوبيا اشترطت مشاركة “أرض الصومال” لأنها معنية بالملف، وكشف أن أديس أبابا قامت بترفيع مسمّى بعثة “أرض الصومال” لديها إلى سفارة بدلًا من مكتب تمثيلي، ما يشير إلى اعتزامها المضيّ قدمًا في تنفيذ الاتفاق ومناقشة الاعتراف بـ”أرض الصومال” فيما بعد.
واختتم عبد الصمد حديثه لـ”نون بوست” بالإشارة إلى ما ذكره النائب البرلماني الإثيوبي محمد العروسي، بأن بعض الدول لديها “فوبيا” من أي تحرك تقوم به إثيوبيا، مشيرًا إلى أن مصر تتزعّم تلك الدول، وربما تستطيع أن تعرقل الجهود التي ترمي إلى إيجاد حل سلمي للأزمة الطارئة بين مقديشو وأديس أبابا.
وبالعودة إلى حادثة منع السلطات الصومالية الطائرة الإثيوبية من عبور المجال الجوي وإعادتها إلى أديس أبابا، ذكر كبير محللي شؤون القرن الأفريقي رشيد عبدي، أنه تحقق من حصول الطائرة على تصريح مسبق من الصومال، وأنه لم يتأكد من كبار الشخصيات على متن الطائرة (هناك إشاعات عن وجود رئيس الوزراء آبي أحمد بينهم).
ولفت عبدي في منشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي إكس، رصدها “نون بوست”، أنه تم إلغاء رحلات أخرى من هذا القبيل، وأن السلطات الإثيوبية غاضبة وتفكر في ردود انتقامية.
I have now been able to establish that Somali authorities did indeed turn back an Ethiopia plane.
The plane had “pre-requested clearance.” Couldn’t confirm VIPs onboard
Other such flights also cancelled.
Ethiopian authorities angry, mulling retaliatory responses.
— Rashid Abdi (@RAbdiAnalyst) January 17, 2024
أخيرًا، ونظرًا إلى أن الوضع الجيوسياسي معقد للغاية في القرن الأفريقي حاليًّا، فإن الأزمة الطارئة بين إثيوبيا و”أرض الصومال” تتطلب مشاركة دبلوماسية إقليمية ودولية بشكل عاجل، لنزع فتيل التوترات المتصاعدة في القرن الأفريقي، المنطقة التي يتزايد فيها احتمال نشوب صراع جديد يضاف إلى الصراعات الأخرى، مثل الحرب في السودان والحرب ضد حركة الشباب، حيث تنمو المخاوف من استفادتها المتوقعة من الأزمة الصومالية الإثيوبية.