أوصلت هيئة تحرير الشام المشهد في إدلب مدينة وريف إلى ما تريده المنظومة المعادية للثورة السورية، منظومة معادية تضم نظام بشار الأسد وأتباعه وإيران وأتباعها وتضم روسيا بكل قوتها ومن ورائهم أمريكا وأوروبا، كلهم يريدون مشهدًا يكون فيه المبرر للقتل والإبادة في إدلب قويًا حاسمًا لا خلاف ولا حرج فيه.
وهل احتاجوا مبررًا لهذه الدرجة فيما مضى حين تم ما تم من قتل وإبادة وتهجير في القصير وحمص وداريا وحلب وبلدات وادي بردى وغيرها؟ بالتأكيد لا، فقد فعلوا ما فعلوا ولم يكن هناك من مقاتلي النصرة أحد في القصير وداريا وأعدادهم كانت لا تُذكر في حمص وحلب ووادي بردى، وهل وقع عليهم حرج كبير ضاغط مؤثر عندما فعلوا ما فعلوا؟ بالتأكيد لا، لم يقع أي حرج ولم يصل إليهم إلى اليوم أي اتهام دولي رسمي.
منطقة إدلب لن تتركها المنظومة المعادية دون اكتساح عسكري وسيطرة مباشرة لأن إدلب تهدد سيطرة النظام على حلب
لا حرج ولا جناح عليهم إذا قتلوا ألوفًا من الشعب السوري تحت مظلة مكافحة الإرهاب، إذًا لم يكن المشهد الذي أوصلت إليه هيئة تحرير الشام منطقة إدلب مظلمًا محبطًا وبلا بصيص؟ لأن المنظومة المعادية كلها حصلت على الذريعة الأمثل والتوافق الأكمل.
وهناك أمر آخر يخص المدنيين في المنطقة وهو معنويات وصبر الناس الذين ضاعت أمامهم تمامًا خارطة الطريق الواضحة المقنعة للخروج إلى فرج قريب، وألم التضحيات لا يترك أمام أصحابها خيارات كثيرة، فمن يفقد طفلًا يطيش صوابه وقد يشير للريح يلومها أنها تسببت في قتل طفله إذ لم تهب بقوة لتبعد البرميل المتفجر.
وأمام هذا المشهد المظلم تنوعت المواقف والأقوال في الأوساط المختلفة الثورية وغير الثورية، فمن الناس من فرح واستبشر وشمت وقال “جاءت نهاية المتطرفين ومن آواهم وحضنهم”، وينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تباد فيه إدلب ليقول: ألم أقل لكم؟ ألم أصف لكم ما سيحصل؟ وكأنه قد فطن لما لا يخطر على بال أحد.
وهناك من نشط أكثر فتفرغ وراح يؤجج ويحرض ويفتي ويقرع طبول الحرب ولكن ليس ضد النظام ومن معه، ومن الناس من صمت واستمر يراقب كما كان دائمًا صامتًا متفرجًا مفتخرًا أنه من الأغلبية الصامتة، وقلة هي التي قدرت حجم الأخطار وسارعت لتتدارس المخارج والحلول، ثم أدركت أن هناك حل أمام الثائرين لا يقوم إلا إذا قام ألوف إليه وإلى الاشتغال لإمضائه.
منطقة إدلب لن تتركها المنظومة المعادية دون اكتساح عسكري وسيطرة مباشرة لأن إدلب تهدد سيطرة النظام على حلب من جهة شريان “أثريا – خناصر” الذي يحاذي منطقة إدلب شرقًا، ويذكر أن إدلب تتواصل مع ريف حماة كله، وهذا الريف يعتبر كبد النظام وملتقى طرقه الوسطى شرقًا وغربًا وباتجاه الجنوب.
إذا تمكن هذا الحشد الثوري الضخم من وضع مشروع سياسي فيه ثوابت الثورة وكان له مكتب سياسي قوي، فسيفرض نفسه على الجميع في الداخل والخارج وستتعامل معه كل الدول الإقليمية المعنية
ومنطقة إدلب تحاذي الساحل وتحتل البوابة الشمالية إليه، وكذلك متواصلة مع ريف حلب الغربي المحرر، ومن الممكن أن تكون قاعدة انطلاق لإنهاء الكانتون الانفصالي الغربي للمليشيات الكردية في عفرين، وشرقًا منطقة إدلب تملك بوابة واسعة إلى البادية وطرقها وثرواتها، وقد تجمع في إدلب كل الذين استعصوا على المنظومة المعادية من مقاتلين أشداء وخبرات مديدة عميقة في سائر المناطق السورية الأخرى، لذلك كله في إدلب إما أن تكون النهاية وإما أن تكون البداية.
إذا بقي من يهمهم أمر الثورة السورية متسمرين أو يائسين فستكون النهاية بلا ريب اكتساحًا عسكريًا ثم نهاية لوطن اسمه سوريا لمئات السنين، أما إذا احتشد آلاف من الثائرين والناشطين في الداخل خاصة وشكلوا جمعًا ثوريًا ضخمًا يضم كل المُصرين على إسقاط بشار الأسد ثم انتخبوا مجلسًا يمثلهم في الداخل واستلموا كل الشؤون في كل المدن والبلدات المحررة في إدلب وحلب والساحل وريف حماة، وإذا جاوز هذا الحشد رقم العشرة آلاف فسيكون هناك كلام آخر وتوقعات أخرى.
وإذا كان هذا الحشد مستقلًا عن كل الفصائل والأحزاب والجماعات فسيكون له فعله وتأثيره في إدارة المدن، ولا بد أن يشكل هذا الجمع شرطة محلية من متطوعين جدد ويعزز الكفاءات العاملة فعلًا في كل الشؤون المدنية والخدمية، وإذا تمكن هذا الحشد الثوري الضخم من وضع مشروع سياسي فيه ثوابت الثورة وكان له مكتب سياسي قوي فسيفرض نفسه على الجميع في الداخل والخارج وستتعامل معه كل الدول الإقليمية المعنية.
وسيكون من الصعب بل من المحال على فصيل هيئة تحرير الشام أو أي فصيل آخر أن يجد منطقًا عقليًا او تأصيلًا شرعيًا لرفض ومعاداة جمع من كثرة صالحة إذا أسست كيانها وأحكمت أمرها.
إذا رأى ألوفًا من المستقلين غير التابعين وغير المُحزبين مصرين على زوال بشار الأسد ويفرضون أنفسهم على الجميع في إدلب وتنتشر عدواهم في باقي مناطق سوريا فلن يكون أمامه إلا واقع جديد لا يستطيع نفيه ولا نسفه
وإذا انسحبت هيئة تحرير الشام وكل الفصائل المقاتلة الأخرى من كل المدن والبلدات بلا استثناء انسحابًا كاملًا حقيقيًا وموثقًا وسلمتها لممثلي الجمع الثوري وخرجت لتتحصن خارج المناطق المأهولة وإلى الجبهات ونقاط الرباط فسيكون هناك قول آخر واحتمالات أخرى، وإذا تفرغت الفصائل المقاتلة ووضعت الخطط العسكرية المبادئة ضد النظام في الأماكن الاستراتيجية المؤثرة وبدأت تنفيذها بأسرع وقت فستتغير المعنويات والمعطيات والاحتمالات.
كل ذلك يشكل أسسًا رئيسية لخارطة طريق وهناك فوق الأسس أعمدة وتفصيلات أمنية واستراتيجية وسياسية واقتصادية، لكن أهم أساس هو العنصر البشري الثوري إذا تحرك واحتشد.
قد يقول كثيرون هو حلم وحصوله محال، نعم قد يكون حلمًا ولكنه الحل الوحيد، واندلاع ثورتنا أصلًا كان حلمًا بعيدًا وأصبح حقيقة.
ولا يظن أحد أن الأمر سهل فـ”مايكل راتني” أحس بتحرك أصحاب هذا الطريق ويحاول أن يقطع عليهم، فقال سنعتبر أي مجلس مدني في منطقة إدلب امتدادًا للقاعدة، ولكنه إذا رأى ألوفًا من المستقلين غير التابعين وغير المُحزبين مصرين على زوال بشار الأسد ويفرضون أنفسهم على الجميع في إدلب وتنتشر عدواهم في باقي مناطق سوريا، فلن يكون أمامه إلا واقع جديد لا يستطيع نفيه ولا نسفه.
أما إذا لم يتحرك فريق قوي لحشد جمع من ألوف ليشكلوا حشدًا للإنقاذ، أو إذا تكون الجمع وتكامل ولم تسلم هيئة التحرير كل المدن وكل الشؤون إليه، ولم تنسحب هي وسائر الفصائل لتتحصن خارج المدن، وتبادر النظام بضربات عسكرية ذات أثر استراتيجي فسيتبدد الحلم ولن تكون هناك إلا الكوابيس.