لقد أربكت مطالبة القسام الأخيرة بإحداث حالة من الفراغ السياسي والأمني جميع الأوساط السياسية سواء في غزة أو الضفة، إذ إن هذا القرار له تأثيراته على الصعيد الداخلي والخارجي، وقد يعتبر آخر الحلول.
وعلم مراسل “نون بوست” من مصدر خاص أن القسام من أرسل خبر مطالبته جناحه السياسي بإحداث حالة الفراغ لوكالة الأناضول في غزة، وعلى الرغم من نفي عضو المكتب السياسي لحماس صلاح البردويل الخبر، فالمصدر أكد تعرض البردويل لانتقادات حادة في أوساط قيادة حماس بسبب نفيه لخبر القسام المتعمد.
ويتخوف من أن حالة الفراغ الأمني والسياسي قد تفتح المجال لجميع التنظيمات المتشددة والفصائل للرد على أي هجوم ينفذه الاحتلال الإسرائيلي دون ضبط حماس للحالة الأمنية في غزة، لكنه قد يشكل خطرًا على حماس في غزة، إذ من المحتمل أن تدعم أطراف خارجية جماعات مسلحة متشددة لمواجهة القسام، خصوصًا في ظل وجود تنظيم أنصار بيت المقدس المتشدد في سيناء، وقد تخرج الأمور عن السيطرة في أي لحظة.
الكاتب والمحلل السياسي حمزة أبو شنب قال لـ”نون بوست”: “لم تعد طروحات الحلول السابقة كالانتخابات الرئاسية والتشريعية، مقنعة للقاعدة الشعبية للخروج من المأزق، وعلى الكل الفلسطيني التفكير في العودة إلى ما قبل نشأة السلطة، والانتهاء من المظاهر الرسمية، والاكتفاء بالقطاع الخدماتي، فالاحتلال لا يحترم أي نتائج للانتخابات ويلاحق النواب ويتحكم بالسلطة”.
وقد رأى أبو شنب أن لجنة التكافل التي غادرت غزة باتجاه القاهرة والتي ضمت وفدًا من حماس والجهاد الإسلامي، تشكل “مدخلًا مهمًا ونموذجًا يعتمد عليه في إدارة شؤون قطاع غزة كالقطاع الخدماتي، وتلتقي وتزور كل الدول التي ترغب في دعم الفلسطينيين، لكي يتوفر الأمن للأطراف كافة”.
حالة الفلتان قد تنفجر في وجه حماس إذا ما تركت حالة الانضباط الحدودي لمنع دخول جماعات مسلحة متشددة، الذي قد يؤدي إلى تسرب متشددين من غزة إلى سيناء للقتال هناك أو العكس
وعلى النقيض تمامًا فقد كان موقف الجهاد الإسلامي من دعوة القسام لإحداث الفراغ الأمني والسياسي الصمت، واكتفى القيادي في الجهاد الإسلامي خضر حبيب برده لـ”نون بوست”: “لن أعلق للإعلام بشأن هذه الدعوة، فالأمر لم يدرس بعد في قيادة الجهاد”.
وخوفًا من تفرد حماس بالقرار أكد القيادي في حركة حماس يحيى العبادسة في تصريح خاص: “أي مقترح يخرج من أي طرف يجب أن يتم وضعه على الطاولة أمام الجميع، وأن تجتمع كل القوى والفصائل والشخصيات الفلسطينية لتبت فيه، لأن كل الخيارات مفتوحة أمام الشعب الفلسطيني للخروج من حالة المراوحة في المكان وحالة الاستنزاف الداخلي إلى حالة إجماع وطني تحت قيادة موحدة”.
حالة الفلتان قد تنفجر في وجه حماس إذا ما تركت حالة الانضباط الحدودي لمنع دخول جماعات مسلحة متشددة، الذي قد يؤدي إلى تسرب متشددين من غزة إلى سيناء للقتال هناك أو العكس، وهو ما يشكل خطرًا على مصر التي دأبت في الفترة الأخيرة لعقد اجتماعات أمنية مطولة مع حماس ومناقشة ضبط الحدود بين مصر وغزة، وقد رأى الكاتب والمحلل السياسي أن هذه رسالة لمصر للإسراع في حلحلة الأمور وفتح معبر رفح للعالقين من الطرفين، والبدء في علاج أزمة الكهرباء والتبادل التجاري.
وكانت صحيفة هآرتس العبرية كتبت عن طلب القسام التخلي عن السلطة السياسية في قطاع غزة أنه لخلق فراغ سياسي والضغط على السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي للتدخل وحل الأزمة الإنسانية في قطاع غزة.
انعكاسات تطبيق قرار الفراغ السياسي والأمني سيفاقم المشكلة الأمنية في سيناء، وستصبح غزة ملعبًا لكل التيارات من التوجهات كافة، ولأجهزة المخابرات العالمية والمعادية
المختص العسكري والسياسي في الشأن الفلسطيني يوسف حجازي أكد أن معظم المثقفين والمختصين في الوضع السياسي طرحوا على حماس وفتح أن يتم حل السلطة كمدخل لصلاحيات الشعب، لأن السلطة بعد 22 عامًا لم تقدم شيئًا للفلسطينيين على المستوى السياسي والتنموي، بل قسمت الضفة وغزة، وزادت من الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيين.
وقال حجازي لـ”نون بوست”: “سيناريو القسام قد يجعل غزة مفتوحة في كل الاتجاهات لدخول جماعات مسلحة غير منضبطة تتحرك من الحدود بحرية تامة لنقل أسلحة وخلف فوضى تؤدي إلى مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، ويتيح ذلك الفرصة أمام عباس لإعلان غزة إقليم متمرد يستوجب دخول قوات دولية”.
مضيفًا “انعكاسات تطبيق قرار الفراغ السياسي والأمني سيفاقم المشكلة الأمنية في سيناء، وستصبح غزة ملعب لكل التيارات من التوجهات كافة، ولأجهزة المخابرات العالمية والمعادية، وهذا لن يرضي مصر أو السلطة أو الاحتلال الإسرائيلي، لأن غزة ستصبح من دون عنوان تمامًا، وتشكل خطرًا على جميع الأطراف”.
ولكن حجازي أكد أن القسام أراد من القيادة المصرية تسريع تطبيق الحلول المطروحة من قبل غزة ومصر للخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية الحاصلة قبل أن تختلط كل الأوراق، حيث تم تشكيل لجنة مصرية إماراتية التقت بالوفد الفلسطيني المجتمع حاليًا في القاهرة للإشراف على مشاريع تنموية في قطاع غزة بواقع 15 مليون دولار شهريًا على غرار اللجنة القطرية في غزة.
قد تصبح غزة بلا عنوان ومرتعًا لكل الأحداث السياسية والعسكرية وهو ما لا يريد الاحتلال تحقيقه حاليًا
وقد قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية شادي عثمان في تصريح سابق: “حالة الفراغ السياسي في غزة ليست من مصلحة أحد، وهناك جهود دولية تعمل الآن للوصول إلى صيغة تحل الأزمة في غزة لأن الجميع معني بحلها”.
وقد تصبح غزة بلا عنوان ومرتعًا لكل الأحداث السياسية والعسكرية وهو ما لا يريد الاحتلال تحقيقه حاليًا، فقد شهد عدد من قادة الاحتلال أن حالة الهدوء التي تمر بها غزة منذ حرب 2014 لم تشهد المنطقة لها مثيل منذ عام 1973، وهو ما يعبر عن حاجة الاحتلال لوجود مؤسسة رسمية وقوية قادرة على ضبط الحالة الأمنية هناك، مما يدفعها لتقديم تنازلات قريبًا توصل إلى تفاهمات باتفاق دولي بين حماس والاحتلال الإسرائيلي من ناحية وبين حماس ومصر من ناحية ثانية.