فصل جديد من فصول “المعركة السرية” التي تحركها القبضة الأمنية السعودية بدعوى الإرهاب في الداخل، شهدت منطقة “العوامية” التابعة لمحافظة القطيف شرقي المملكة العربية السعودية على مدار سنوات ماضية، تداعياته، لكنها بدت الآن أكثر وضوحًا.
الأحداث التي شهدها حي “المسورة” في بلدة العوامية منذ أيام أضافت لمملكة ابن سلمان نقطة سوداء جديدة في سجلها الحافل لدى الأمم المتحدة، فيما يخص المناطق الشرقية والحريات السياسية والعقائدية، خاصة بعد سلسة الإعدامات الجماعية التي كان القيادي الشيعي نمر النمر أبرز حلقاتها.
لكن ما شهدته المنطقة في الأيام الأخيرة بلغ ذروة التوتر مقارنةً بستة أعوام مضت من الشد والجذب بين السلطات السعودية وأولئك الذين تنعتهم بـ”الإرهابيين”، إلا أننا الآن بصدد معرفة ما يحدث في معقل النمر، بعيدًا عن روايات الإعلام السعودي، وما يمكن أن تصل إليه المواجهات لا سيما بعد تجاوزها لما هو مألوف.
البداية من هنا.. الصداع الشيعي في رأس السعودية
لطالما كانت بلدة العوامية من أكبر التحديات التي تواجه السعودية نظرًا للحوادث المتعاقبة التي تشهدها البلدة، وأثرت على سمعة السعودية الدولية في حقوق الإنسان، مما جعل القيادة الجديدة تتذرع بذرائع جديدة تضفي على المشهد الصبغة الشرعية.
وعُرَفت محافظة القطيف عمومًا والعوامية بشكل خاص على مدار ست سنوات كاملة مظاهرات مناوئة للنظام السعودي، توجهت فيها السلطات السعودية إلى ممارسة العنف في أكثر من مرة للتعامل مع المتظاهرين.
وكانت الأزمة في العوامية قد بدأت عام 2011، بعد ثورات الربيع العربي، لتندلع تظاهرات احتجاجية منددة بتهميش الشيعة وحرمانهم من المناصب والوظائف المهمة في الدولة، وصلت إلى حد تهديد القيادي الشيعي نمر النمر بانفصال منطقتي القطيف والأحساء، لكنها أُخمدت بمعرفة أجهزة الأمن السعودية.
واتهمت السلطات السعودية حينها رجال دين شيعة وعلى رأسهم “النمر” بالتحريض على المظاهرات، واعتقلته في 2012، ليحكم عليه بالإعدام مع 46 آخرين بتهم تتعلّق بالإرهاب ويُنفذ الحكم في مطلع 2015، مما أدى إلى تصاعد الاضطرابات في بلدة العوامية والمناطق المجاورة لها، وألقت بظلاله على العلاقات بين السعودية وإيران.
ما إن تهدأ الأوضاع في العوامية، حتى يعكر صفوها الممارسات الأمنية، فمنذ ثلاثة أشهر، تضغط الحكومة السعودية باتجاه إخلاء ما تبقَّى من الحي القديم، بدعوى اتخاذه وكرًا للهاربين من القانون
وقبل هذا كله، كانت شرارة البدء عندما اندلعت سلسلة تظاهرات ضخمة عام 1979، عرفت بـ”انتفاضة محرم”، عقب مطالبة السكان بإحياء مراسم عاشوراء بشكل علني، ووقع الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، اتفاقية مع عدد من المعارضين عام 1993، تقضي بالسماح لهم بالعودة إلى البلاد مقابل وقف أعمالهم العدائية في الخارج.
ومنذ ذلك الوقت، ما إن تهدأ الأوضاع في العوامية، حتى يعكر صفوها الممارسات الأمنية، فمنذ ثلاثة أشهر، تضغط الحكومة السعودية باتجاه إخلاء ما تبقَّى من الحي القديم، بدعوى اتخاذه وكرًا للهاربين من القانون.
وبعد رفض السكان المحليين الامتثال لقوات الأمن التي جهزت الجرافات ومعدات البناء الأخرى من أجل هدم المنطقة القديمة وإعادة تطويرها، فُرض الحصار عليها منذ مايو/أيار الماضي.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت البلدة اشتباكات بين الأجهزة الأمنية السعودية وبعض المسلحين هناك، وقد تصاعدت حدتها عندما دخلت قوات خاصة البلدة.
إلى ذلك، دخلت الاشتباكات الدامية منذ أيام مرحلة جديدة أكثر خطورة وأقرب إلى الحرب، في منطقة يقطنها نحو 30 ألف شخص، أغلبهم من الشيعة، ويحملون الجنسية السعودية.
الزمان والمكان.. لماذا الآن؟ وفي العوامية؟
كل ما سبق استعراضه – وإن اُختزلت أحداثه – يشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي تشتعل فيها النار الخامدة تحت الرماد، فأحدث موجة من الاضطرابات الشديدة في المنطقة التي تقطنها أغلبية شيعية حملت بين طياتها دلالات عملية نوعية تثير التساؤلات عن دلالات الزمان والمكان.
“نون بوست” ألقى الضوء في تقرير سابق على أهمية الطبيعة المذهبية والجيوسياسية لهذه المنطقة، مما جعلها أيقونة المشهد الأمني والسياسي السعودي بصورة كبيرة، فباتت تلك المنطقة التي تضم نسبة 10-15% من إجمالي السكان، شوكة بخاصرة المملكة.
ورغم العوامل الثقافية والسياسية والدينية التي تضفي أهمية كبيرة على هذا الوجود الشيعى، فإن أحد أبرز العوامل المهمة في هذه المسألة كون المنطقة الشرقية تحتوي على أكبر مخزون نفطي في العالم (25% من إجمالي الاحتياط العالمي) إلى جانب وجود كميات هائلة من الغاز.
أما على الصعيد الجيوسياسي، فإن شيعة المنطقة الشرقية تربطهم علاقات قوية ووثيقة ومترابطة مع المناطق ذات الكثافة الشيعية في الدول المجاورة كالعراق وإيران والكويت والبحرين وغيرها، وهو ما يعطي زخمًا لأي تحركات شيعية ضد السلطات السعودية في تلك المنطقة، مما جعلها دومًا صداعًا في رأس نظام آل سعود.
ماذا عن التوقيت إذًا؟ فموعد عملية مداهمة بلدة “العوامية” وإخلاء حي “المسورة”، يأتي بعد أول زيارة خارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى السعودية، مايو/أيار الماضي، وفي هذا التوقيت كانت الحكومة السعودية قد بدأت للتو حربًا على المنطقة الشرقية المضطربة في معركة لا تزال ملتهبة جدًا، بحسب تقرير صحيفة الإندبندنت البريطانية.
كما جاء توقيت هذه الهجمات لإيصال رسالة خفية أوضحها الباحث والناشط السياسي السعودي الدكتور فؤاد إبراهيم، من خلال ربط الهجوم الأول على العوامية قبل شهرين، مع إعلان “تحرير” الموصل، كما جاء التصعيد الأخير في اليوم الذي أعلن فيه خطاب لحزب الله بخصوص “تحرير” جرود عرسال.
بالتزامن مع تصاعد وتيرة التوتر بين الرياض وطهران على خلفية تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات الإقليمية المتعلقة بالأمن القومي، لا سيما بعد انقلاب الحوثيين في اليمن وتهديد أمن السعودية من الحدود الجنوبية، تأتي التطورات المتلاحقة في المنطقة الشرقية ذات الكثافة الشيعية لتطفو على ساحة الخلافات السعودية الإيرانية
وبحسب إبراهيم، يحاول النظام السعودي، تعويض خسائره بالخارج من خلال التصعيد الذي يرتكبه بالداخل، فالخسائر التي مُنيت بها الرياض خلال قيادتها لعاصفة الحزم، حكمت عليها بالفشل في فرض سيطرة قواتها مع التحالف العربي على كامل اليمن.
وبالتزامن مع تصاعد وتيرة التوتر بين الرياض وطهران على خلفية تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات الإقليمية المتعلقة بالأمن القومي، لا سيما بعد انقلاب الحوثيين في اليمن وتهديد أمن السعودية من الحدود الجنوبية، تأتي التطورات المتلاحقة في المنطقة الشرقية ذات الكثافة الشيعية لتطفو على ساحة الخلافات السعودية الإيرانية في المنطقة.
وداخليًا، يسعى نظام الحكم في السعودية لمواجهة أي تزايد للنفوذ الشيعي في المملكة، ويمثل نجاح العملية الأمنية في العوامية والتخلُّص من النفوذ الشيعي هناك انتصارًا لولي العهد الجديد محمد بن سلمان، ويُمكن استغلاله للترويج له داخليًا، باعتباره “حامي حمى الديار”، وهو ما حدث بالفعل خلال الحملة التي تمحورت حوله عقب إطلاق عمليات عاصفة الحزم لمواجهة الحوثيين في 2015، باعتباره وزير الدفاع.
كما أن تصاعد الحملة الأمنية خلال الفترة المقبلة ربما تكون ضربةً لولي العهد محمد بن نايف الذي تم إعفاؤه من منصبه خاصة أنه كان وزيرًا للداخلية، لبيان أنه لم يكن قادرًا على بسط الأمن بالصورة التي كان يتخيّلها الكثيرون.
وبعيدًا عن استغلال الحملة الأمنية سياسيًا، فإنها قد تمكن لوزير الداخلية الجديد من قيادة الوزارة بشكلٍ كبيرٍ، وترفع أسهمه لدى النظام الحاكم والشعب السعودي، باعتبار أنه تخلص من النفوذ الشيعي في المملكة الذي بات مصدر قلق وإزعاج للنظام خلال أكثر من عشرة أعوام بشكل كبير، وباتت المسؤولية في هذا كله على عاتق الإعلام.
الإعلام السعودي.. الرؤية بعين واحدة
وأدّي منع دخول الصحافيين للمنطقة إلى تعتيم إعلامي كبيرٍ على الخسائر في الأرواح والممتلكات التي أحدثتها المواجهات المسلحة في مدينة العوامية السعودية، في مقابل معسكر إعلامي مقرب من إيران يصوّر الأحداث في المنطقة الشرقية على شاكلة استهداف طائفي تمارسه الرياض بحق مكوّن أساسي من الشعب السعودي.
وبحسب الإندبندنت، فإنه من الصعب التحقق من المعلومات عن العوامية، مما جعل العالم يعتمد على وسائل الإعلام الحكومية السعودية، وبعض وسائل الإعلام المحلية، ووسائل التواصل الاجتماعي، من أجل معرفة ما يحدث من ناحية.
هذا المناخ الضبابي وفَّر لوسائل الإعلام السعودية مجالاً أوسع لتفنِّد الروايات على هوى السلطات، لكن الأمر بات محور متابعة وسائل الإعلام الأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أوجد ما يُبطل الرواية الرسمية، ويمكننا أن نلمسها في مواقف عدة.
ووسط احتكار من قبل السلطات في بثّ الأخبار، خرجت صحيفة عكاظ بأسماء قتلى القوات الخاصة السعودية الذين سقطوا على مدار الأحداث التي شهدتها المنطقة، لكن بالنسبة للضحايا من الجانب الآخر فهم “إرهابيون” لا يزيدوا عن رقم ثنايا فقرة من الكلام.
لكن المنظمة السعودية الأوروبية أشارت إلى وجود ما يقارب 79 جريحًا و12 قتيلاً سقطوا برصاص عشوائي أطلقته قوات الأمن السعودية، والإطلاق المتواصل للقذائف حيث أطلقت القوات في 3 من أغسطس/ آب ما يقارب 20 قذيفة.
وذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن الاشتباكات الدائرة بعيدًا عن وسائل الإعلام، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى من الجانبين، ونقلت شهادات لنشطاء معارضين، قالوا إن 25 شخصًا قُتلوا في قصف الأمن السعودي على البلدة.
الإعلام السعودي كذلك سلط الضوء على مقطع فيديو لضابط يبكي بعد مقتل زميله، وآخر لطفلة تستقبل والدها الشرطي بالورود لدى وصوله إلى مطار الطائف الدولي على كرسي متحرك، عقب إصابته في الاشتباكات.
كما أذاعت السلطات السعودية مقاطع فيديو على التليفزيون الرسمي، يظهر فيه مواطنون يقولون إنهم تركوا حي المسورة بإرادتهم، بعدما وفرّت لهم المملكة مساكن جديدة في بلدة أخرى غير العوامية، غير أن نشطاء محليين يتهمون قوات الأمن السعودية بإجبار مئات السكان على الخروج من العوامية، وهو ما تنفيه السلطات كالعادة.
لكن تقريرًا لموقع ميدل إيست آي البريطاني تحدث عن اضطرار مئات من المسلمين الشيعة لترك منازلهم وسط الاشتباكات العنيفة وعمليات الإخلاء القسري من قبل السلطات السعودية، لصالح شركات تنمية خاصة، وأظهرت صورة أرسلها ناشط من العوامية للموقع قرار مصادرة أحد المنازل في حي الوشيكة الذي يقع على بعد 6 كيلومترات جنوب حي المسورة.
وذكر موقع سبق الإخباري السعودي أن قوات الأمن واصلت تأمين خروج السكان من العوامية، يومي السبت والأحد الماضيين، عبر عدة طرق، مضيفًا أن النقاط الأمنية شهدت خروج أعداد كبيرة من العائلات، فيما ذكرت رويترز أن مئات السكان اضطروا للفرار من منازلهم وسط اشتداد القتال.
أما صحيفة الرياض فقد رسمت صورة وردية عن منطقة العوامية خلال جولة لها بالمنطقة، فيما نشر سكان ونشطاء محليون صورًا ولقطات مصورة تشير إلى أن البلدة تحولت إلى ساحة حرب أشبه بحلب والموصل، ما اُضطر أبواق إعلامية سعودية فيما بعد لنشر صور أظهرت المباني وعليها آثار القذائف والرصاص مع تناثر الحطام في الشوارع، لكن العناوين اختلفت.
الرواية الرسمية قالت… لكن في رواية أخرى
وفي واحدة من حلقات الزخم الإعلامي السعودي، تحدثت الرواية الرسمية عن محاولة الحكومة السعودية إزالة حي المسورة العريق بالعوامية، مع إطلاق وعود بتعويض سكانه من أجل تنفيذ مخطط تطويري، ضمن رؤية 2030 التي تبناها ولي العهد الجديد محمد بن سلمان.
لكن تصميم الشرطة على التهجير القسري لمواطني الحي الذي تسكنه أغلبية شيعية من خلال إطلاق النار بشكل عشوائي – بحسب مشاهد يسربها ناشطو العوامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي- بررته السلطات برواية أخرى تمثلت في منع من وصفتهم بالإرهابيين من استغلال المباني المهجورة في البلدة والشوارع الضيقّة والملتوية بها كمخابئ ومنطلق لعملياتها ضد قوات الأمن.
وتعليقًا على روايات المملكة، يقول رئيس المنظمة السعودية الأوروبية علي الدبيسي: “الدولة أعلنت هدفين من الحملة على العوامية هما التنمية والقبض على مطلوبين، لكن ما يحدث اليوم على الأرض لا علاقة له بذلك، حيث تحولت المنطقة إلى خرائب بأيدي الحكومة نفسها بعد أن أتلفت منازل وسيارات ومحال تجارية دون الحاجة إلى كل ذلك”.
وخلف دعاوى التطوير للمنطقة اتضحت أهداف السلطات السعودية في ضرب أحد المعاقل والحواضن الشعبية لمجموعة سياسية معارضة، وبدا ذلك بعد دخول القوات للبلدة وشروعها في هدم الحي على رؤوس ساكنيه، فقصفت حوزة النمر الشيعي التي كان قد أعيد إعمارها مؤخرًا وشرعت في البحث عن عناصر نشطة في المعارضة.
وكانت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد أصدرت بيانًا ذكرت فيه أن ما تقوم به السلطات السعودية في منطقة العوامية يمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان، مطالبةً إياها بوقف أعمال الهدم الفورية في حي المسورة الذي يمتد عمره إلى أكثر من 400 عام.
ويرجع بعض المراقبين انتهاكات السلطة السعودية في العوامية إلى أن الهدف من الهجوم على المناطق والبلدات الشرقية والتشديد على مواطنيها الانتقام من الأهالي على اعتراضاتهم السلمية في العام 2011، وهو ما يعززه شهادات بعض السكان عن تعمد السلطات إفساد حياتهم من خلال الانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء في ظل درجات حرارة تزيد على 40 درجة مئوية، حسبما نشرت الوكالة البريطانية.
لعل هذه الأحداث تعيد إلى الأذهان حملة القمع الضارية التي تشنّها السلطات على المعارضة في البلاد، صمن مخطط لتصفية الحسابات مع عدوتها إيران، حيث يواجه 14 ناشطًا شيعيًّا من أهالي القطيف حكم الإعدام بتهمة التظاهر، وأدانت ذلك منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش وطالبتا السلطات السعودية بإلغاء الأحكام، لأنها صدرت دون محاكمات عادلة.
كما دعت مجموعات حقوقية وجامعات أمريكية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتدخل لدى العاهل السعودي لوقف مسلسل الإعدامات الناجمة عن تهم واهية، لكن تبقى فرص المناشدات ضعيفة لأن ترامب وعد السعوديين بغض الطرف عن مخالفاتهم في مجال حقوق الإنسان، ولن يلعب دور المحاضر، بحسب توصيف الصحيفة الأمريكية.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أيضًا، أشارت إلى أن “الأحكام الصادرة ضد السجناء باطلة والاعترافات انتزعت تحت التعذيب الشديد”، واصفة ما يجري في مناطق شرق البلاد من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان بأنه “دليل على التخلف وأن السعودية غارقة في عصور مظلمة تداس فيها حقوق الإنسان وتُسحق حرية التعبير”، حسب وصفها
يقلل البعض من تأثير الإجراءات الأخيرة التي تتخذها السلطات السعودية على مستقبل سكان العوامية، فمن الصعب إقامة منطقة عازلة في هذه البقعة، إذ إن الالتصاق والتواصل الجيوسياسي بين شيعة الشرقية ونظرائهم في البحرين والكويت وإيران مسألة لا يمكن المساس بها
هنا، يتضح أن الهدف الأساسي للنظام السعودي القضاء على جذور تلك المعارضة التي تطالب بالحق في التعبير السلمي عن الرأي والمساواة والتنمية وتكافؤ الفُرَص وعدالة توزيع الثروة، والانتقام من أهالي المنطقة وتحويلها إلى منطقة تجارية لرجال الأعمال.
في المقابل يقلل البعض من تأثير الإجراءات الأخيرة التي تتخذها السلطات السعودية على مستقبل سكان العوامية، فمن الصعب إقامة منطقة عازلة في هذه البقعة، إذ إن الالتصاق والتواصل الجيوسياسي بين شيعة الشرقية ونظرائهم في البحرين والكويت وإيران مسألة لا يمكن المساس بها.
ويرى آخرون أنه من المؤكد أن السلطات ستتمكن في نهاية المطاف من إنهاء الموقف في حي المسورة والسير قدمًا في مخططها، وتأكد ذلك بعد إعلان وزارة الشؤون البلدية والقروية، الأحد الماضي، بدء تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تطوير العوامية، مفندةً ما قالت إنه يحمل انعكاسات إيجابية من الناحية التنموية والتطويرية.
ووسط تخاذل دولي تغلبه المصلحة، ألقت بعض المستجدات بظلالها على الأحداث الأخيرة، ونقلت صحيفة الجارديان البريطانية عن مسؤولين كنديين شعورهم بالقلق إزاء التقارير التي تفيد استخدام السلطات السعودية عربات مدرعة كندية الصنع في عمليات أمنية في العوامية، مما يعني أن هناك مخطط سعودي يُجرى التجهيز له منذ فترة.
لكن تبقى المشكلة الراهنة ما بقي شعور المواطنين في السعودية بالتهميش، وبقيت نظرة السلطات لأي مطالب ينادون بها بأنها بإيحاء من إيران، فهي – إن صح وصف البعض – ليست سوى تعبير عن أزمة كامنة ومستمرة منذ سنوات وقد تمتد.