لم يكن محسن مرزوق القيادي السابق في جبهة الإنقاذ، يمزح عندما هدد مراسل قناة الجزيرة في تونس حافظ مريبح بأن مصير قناة الجزيرة في تونس سيكون مثلما حدث لموظفيها في مصر بعد نجاح الانقلاب من اعتقالات ومنع من العمل، حيث قال له حرفيًا: “صبرنا عليكم إلى حد الآن وسنعاملكم مثلما عاملوكم في مصر…”.
تهديد محسن مرزوق لمراسل قناة الجزيرة لم يكن مجرد زلة لسان من السياسي التونسي الذي كان له دورًا بارزًا في إيصال الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج، إنما كان هدفًا سعى آلاف الانقلابيين المعتصمين أمام مقر البرلمان أواخر يوليو 2013، لتحقيقه مهما كانت الخسائر.
بعد نجاح الانقلاب العسكري في مصر صيف العام 2013، أعلنت مجموعة من الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني في تونس في 26 من يوليو 2013 تأسيس جبهة الإنقاذ الوطني للانقلاب على الشرعية وإسقاط الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي والقيام بانتخابات جديدة، وذلك على إثر مقتل السياسي محمد البراهمي واتهام حركة النهضة بتحمل مسؤولية انتشار العنف والتحريض عليه.
جبهة الإنقاذ التونسية لم تتوقف عند هذا الحد، بل عبرت عن استعدادها لدعوة الشعب التونسي للعصيان المدني السلمي دون المساس بالخدمات الاجتماعية والصحية الدنيا وحركة المرور، كما حملت حركة النهضة كامل المسؤولية عن أي استفزاز تقوم به المليشيات ضد الحراك الشعبي، موضحة أن مهمتها تكمن في تشكيل الهيئة الوطنية العليا للإنقاذ الوطني الممثلة للأحزاب السياسة ومكونات المجتمع المدني التي ستتولى بالاستعانة مع خبراء القانون الدستوري، استكمال صياغة الدستور في ظرف شهرين يعرض على الاستفتاء الشعبي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد لا تترشح في الانتخابات القادمة.
كان هدف الحشود المجتمعة أمام البرلمان من سياسيين وناشطين استنساخ التجربة المصرية وإسقاط الحكومة والمجلس التأسيسي في أيام معدودات كما فعل المشير عبد الفتاح السيسي
على إثر ذلك، بدأ الانقلابيون في تونس بتجميع قواهم وحشد أنصارهم في الشوارع وأمام مقر البرلمان، فصرفوا أموالاً كثيرة، ودفعوا مكافآت لأحزاب وشخصيات معروفة للالتحاق باعتصاماتهم في باردو وسوسة وصفاقس والمنستير، كما أصدروا تعميمًا لوسائل الإعلام الموالية لهم بالتغطية اليومية والمباشرة لمجريات اعتصام الرحيل علهم يحققون بعض أهدافهم من وراء ذلك.
كان هدف الحشود المجتمعة أمام البرلمان من سياسيين وناشطين استنساخ التجربة المصرية وإسقاط الحكومة والمجلس التأسيسي في أيام معدودات كما فعل المشير عبد الفتاح السيسي، إلا أن ذلك لم يتحقق رغم التحاق عشرات الآلاف بالاعتصام في مناسبات عديدة، فالأوضاع مختلفة والجيش ملتزم بالحياد ولم يعرف عنه مشاركة سابقة في الحياة السياسية مثل نظيره المصري.
فهمت حركة النهضة اللعبة جيدًا، فهي تعلم أنها المستهدفة بالأساس، فقررت هي الأخرى دعوة أنصارها للخروج إلى الشوارع والتظاهر لنصرة الشرعية، فكان لها ما أرادت بخروج عشرات الآلاف في مناطق متفرقة من البلاد لتحقيق التوازن، كما أعرب هؤلاء عن نيتهم الاعتصام لمساندة حزبهم وعدم السماح لأي كان باستهداف الانتقال الديمقراطي.
ليلة 14 من أغسطس 2013، كانت كل الأمور تشير إلى فشل اعتصام الرحيل، لكن كان لما حدث في اعتصامي رابعة والنهضة في مصر رأي آخر، فالمجازر الجماعية التي قام بها قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، روعت قياديي حركة النهضة وبعثت الأمل من جديد في صفوف الانقلابيين
نحو 3 أسابيع مضت وحكومة النهضة بقيادة علي العريض ترفض الاستسلام، والمشاورات في الكواليس بين قياديي الترويكا على قدم وساق، وفي نفس الوقت، زادت فاتورة المصاريف والتكاليف عند الطرف الآخر، فبعد “الأرز بالفواكه الجافة” كفطور للمعتصمين، لوحظ أن هناك مشاكل في التمويل والتموين عند الانقلابيين، كما لوحظ فتور كبير في صفوف “المعتكفين” أمام مقر المجلس التأسيسي لأن الخطة “أ” و”ب” و”ج” فشلت.
ليلة 14 من أغسطس 2013، كانت كل الأمور تشير إلى فشل اعتصام الرحيل، لكن كان لما حدث في اعتصامي رابعة والنهضة في مصر رأي آخر، فالمجازر الجماعية التي قام بها قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، روعت قياديي حركة النهضة وبعثت الأمل من جديد في صفوف الانقلابيين الذين عبروا عن سعادتهم بما حدث وأعلنوا الشماتة في مئات القتلى من أنصار الإخوان المسلمين.
فهمت النهضة الرسالة المصرية وفقهتها جيدًا، والتي مفادها أن المجتمع الدولي لن يكون معارضًا لأي انقلاب أو محرقة يكون الإسلاميون طرفًا فيها، فبدأت بالتفاوض السري مع قادة جبهة الإنقاذ التي سرعان ما تعززت بأحزاب ووجوه سياسية جديدة بعد ما حدث في ميداني رابعة والنهضة، وفي المقابل ظل أنصارها يتناوبون على الخروج إلى الشوارع لشد أزر حزبهم.
باختيار “جمعة” رئيسًا للحكومة، سحبت حركة النهضة البساط من تحت الانقلابيين ومنعت تكرار سيناريو رابعة في تونس، والذي كان يطبخ على نار قوية
أواخر شهر أكتوبر 2013 وبعد نحو 3 أشهر من تواصل الاحتجاجات، قررت حركة النهضة الجلوس على طاولة الحوار بعد أن تلقت ضمانات محلية ودولية، فبدأت مفاوضات تشكيل حكومة كفاءات وطنية تترأسها شخصية مستقلة، أسفرت على اختيار مهدي جمعة رئيسًا لها بعد مشاورات مضنية.
باختيار “جمعة” رئيسًا للحكومة، سحبت حركة النهضة البساط من تحت الانقلابيين ومنعت تكرار سيناريو رابعة في تونس، والذي كان يطبخ على نار قوية، ولعل ما كشفه القيادي بالحزب الجمهوري عصام الشابي في 19 من سبتمبر 2014 أن أطرافًا شاركت في اعتصام الرحيل كانت فعلاً تعد لانقلاب وتريد استنساخ السيناريو المصري بالتوجه لاحتلال قصر الحكومة بالقصبة واحتلال مقرات السيادة، دليلاً قويًا على ذلك.