ترجمة حفصة جودة
مع كل قصة أو خبر أبحاث السرطان يأتي تحذير صحي: ثق بالأمل وليس الدعاية، فالعناوين الجيدة سريعة وجذابة لكن العلوم الجيدة تتخذ خطوات ثابتة في القضايا المعقدة لفترة طويلة من الوقت، فإذا كان العلاج الجديد تحت فترة البحث والاختبار فربما ما زال هناك عدة سنوات ليصبح في متناول اليد أو في أجسام المرضى.
يقول المدون كاي كورتن – في مرحلة متقدمة من سرطان الجلد -: “تميل وسائل الإعلام إلى اختيار سطر فقط من تقرير وتعمل عليه، لكنها لا تهتم أو تلقي الضوء على أن الأمر مجرد فائدة محتملة، أو حقيقة أن هذا العلاج تم تجربته مع الفئران فقط ولم يثبت فعاليته مع الإنسان، من القسوة أن يطالب المرضى الحاليين بالعلاج الجديد الذي سمعوا عنه نتيجة عناوين مضللة”.
واحدة من أفضل الطرق في التعامل مع السرطان هي تقسيمه وقهره، استنادًا إلى كم المعرفة التي نستطيع الحصول عليها عن طريقة عمل الأورام الخبيثة بشكل فردي، فعلاج جميع أنواع السرطان في أحد أجزاء الجسم بشكل متساوٍ ليس أمرًا جيدًا بما فيه الكفاية، يجب أن نحاول التوفيق بين المريض والعلاج المناسب له.
فهمنا للخصائص الفريدة لأنواع السرطان المختلفة ساعدنا على إنتاج أحد مجالات الأبحاث المثيرة لجميع أنواع السرطان وهو: الطب الشخصي
على سبيل المثال، بعض أنواع سرطان الثدي تحتاج لبروتين “HER2” لتبقى على قيد الحياة، لذا يمكن علاجها باستخدام دواء “Herceptin”، أما أنواع السرطان الأخرى فتعتمد على الأوستروجين ويمكن علاجها باستخدام أدوية مثل “tamoxifen” والذي يقوم بتجويع تلك الخلايا، يعتبر “tamoxifen” من أول الأدوية المستهدفة للسرطان وأثبت أن هناك طرق أكثر ذكاءً لمساعدة المرضى بدلاً من العلاج الكيميائي التقليدي والذي لا يستطيع في أغلب الوقت أن يفرق بين الخلايا السرطانية والخلايا الصحية.
يقول الدكتور جوستين ألفورد كبير مسؤولي المعلومات العلمية في شركة أبحاث السرطان بالمملكة المتحدة، موضحًا: “بينما يستمر العلم في اكتشاف أشياء جديدة تتعلق بالسرطان، بدأنا في التفكير في الأمر بصورة مختلفة، فكما نعلم هناك نوعان من السرطان يؤثران في الجزء الواحد من الجسم ولا يجب معاملتهما بنفس الطريقة، فبعضها سيكون عدائيًا وبعضها سيكون مقاومًا لأحد أنواع العلاج ويستجيب لآخر، وعليه ففهمنا للخصائص الفريدة لأنواع السرطان المختلفة ساعدنا على إنتاج أحد مجالات الأبحاث المثيرة لجميع أنواع السرطان وهو: الطب الشخصي”.
أما الدكتور روبرت أوكونور رئيس قسم الأبحاث في جمعية السرطان الأيرلندية، فيقول إن سرطان البروستاتا شهد في السنوات الأخيرة ثورة كبيرة فيما يتعلق بالعوامل الجديدة، إحدى الخطوات للأمام كانت استخدام الإشعاع للحد من تأثير سرطان البروستاتا الذي ينتشر في العظام، الأمر الآخر كان تطور عملية التشخيص بشكل أفضل ومن ضمنها اختبار “PSA” مما يعني أنه من الممكن تشخيص معظم الرجال بينما لا يزال المرض قابلاً للعلاج، وما زال الحكم على العلاج مبكرًا لكن الباحثين في جامعة برمنجهام وجدوا هذا الصيف أن الحصول على العلاج المبكر ينقذ الكثير من الأرواح.
من بين أنواع السرطان التي لا تظهر معها تحذيرات مبكرة سرطان البنكرياس
فيما يتعلق بسرطان الثدي فثماني من بين كل عشر سيدات يستطعن النجاة من السرطان اليوم، لكن الأبحاث لن تتوقف إلا عندما تنجو جميع السيدات وتصبح رحلة العلاج أكثر سهولة، تحاول الأبحاث أن تعرف الكثير عن كيفية الوقاية من سرطان الثدي وتصبح بعض الأنواع مقاومة للعلاج وكيف يمكن منع انتشارهم.
ومع التوقعات بارتفاع عدد الناجين من السرطان في المملكة المتحدة إلى مليون في كل عقد، فما زالت الأبحاث مهتمة بكيف يعيش الناجون حياتهم بأكثر الطرق راحة في أثناء العلاج وبعد الشفاء من السرطان.
مع ذلك فسرطان الرئة ما زال مميتًا، فهذا السرطان لا تظهر له أي أعراض غالبًا حتى ينتشر في جزء كبير من الرئتين وربما بعض أجزاء الجسم الأخرى بالإضافة إلى أنه ينمو سريعًا ويقاوم العلاج الكيميائي نوعًا ما.
من بين أنواع السرطان الأخرى التي لا تظهر معها تحذيرات مبكرة سرطان البنكرياس، تقول مؤسسة أبحاث سرطان البنكرياس إنه النوع الوحيد الذي لم يشهد أي تحسن في نسبة الناجين منذ 40 عامًا، بالإضافة إلى سرطان المرئ الآخذ في الارتفاع جزئيًا نتيجة السمنة واستهلاك الكحوليات.
هناك طرق مبتكرة لإدخال الأدوية إلى سرطان المخ من بينها تعديل سم النحل، أو ضبط كيمياء الجسيمات النانونية
يعتبر سرطان البنكرياس والمخ من أصعب الأنواع التي يمكن علاجها، فالمخ محاط ببوابة انتقائية تسمى حاجز الدم في الدماغ والتي عادة ما تمنع دخول أي سموم ممكنة، بينما تتكون 90% من سرطانات البنكرياس داخل أنسجة تُسمى “ستورما” والتي تحيط بالسرطان مثل الدرع.
يستمر الباحثون في البحث عن علاج أكثر فعالية ولطف لتلك السرطانات، وهناك طرق مبتكرة لإدخال الأدوية إلى سرطان المخ من بينها تعديل سم النحل أو ضبط كيمياء الجسيمات النانونية مما يمنحنا بعض الأمل.
أما أبحاث سرطان الرئة والتي تحدث في جامعة مانشستر ويو سي إل، فهي تحاول أن تفهم بشكل أفضل كيف يعمل السرطان وكيف يمكن علاجه بشكل أفضل، في الوقت نفسه وفي هذا العام هناك تقدم علمي مفاجئ يتعلق بسرطان البنكرياس والمرئ حيث تم اكتشاف أنواع فرعية لكليهما، هذا يعني أنه من الممكن علاجها بالطب الشخصي في المستقبل.
الحقيقة الوحيدة الثابتة هي أننا لن نستسلم أبدًا
بالطبع لو كنا نعلم الجواب لما استمرت الأبحاث، والتحدي الأكبر الذي يواجهنا هو الطبيعة المعقدة والخبيثة للسرطان، لكننا لسنا بمنأى عن حقيقة أن تمويلات السرطان المحدودة لا توزع بالتساوي بين أنواع السرطان المختلفة، فالكثير من الناس يتبرعون لأبحاث سرطان الثدي أكثر من سرطان الرئة، ويعكس ذلك جزئيًا عدد مصابي سرطان الثدي والحملة المنظمة التي تدعمهم.
يقول أوكونور في أيرلندا هناك عشرات آلاف الأشخاص تم تشخيصهم بأنواع السرطان المختلفة كل عام، أقل من 200 منهم من الأطفال، ومع ذلك ولأن سرطان الأطفال له بُعد عاطفي فالكثير من التبرعات توجه لسرطان الأطفال عن سرطان المسنين.
في أحد الفيديوهات الحديثة على تويتر لمؤسسة “Breast Cancer Now”، تقول المؤسسة إن كل تبرع بمبلغ 25 جنيهًا إسترلينيًا يدعم ساعة واحدة من الأبحاث، ومن المستحيل أن نخمن كم عدد الساعات التي نحتاجها قبل أن نتمكن من الحياة دون خوف من السرطان، لكن الحقيقة الوحيدة الثابتة هي أننا لن نستسلم أبدًا.
المصدر: الغارديان