“رابعة وغيرها من وقائع القتل هي على الأرجح جرائم ضد الإنسانية”، “تعد أحداث رابعة من أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث”. هيومن رايتس ووتش
بهذه الأوصاف خرجت المنظمة الدولية متحدثة عما وقع في مثل هذا اليوم منذ 4 سنوات بميدان رابعة العدوية (تم تغيير اسمه بعد ذلك بواسطة السلطات المصرية إلى ميدان الشهيد هشام بركات) في القاهرة الذي تم فضه باستخدام القوة القاتلة بالإضافة إلى ميدان النهضة في محافظة الجيزة.
قُتل المئات وأصيب الآلاف على يد قوات من الشرطة المصرية مدعومة بقوات من الجيش اقتحمت الاعتصامين اللذين امتدا لقرابة 45 يومًا لمؤيدي الرئيس المصري محمد مرسي من الإخوان المسلمين وغيرهم، بعدما عزله الجيش في الثالث من يوليو من العام 2013.
بحسب ما ورد في عدة تقارير حقوقية دولية ومحلية هاجمت قوات الأمن اعتصام رابعة والنهضة من كل المداخل الرئيسية، باستخدام ناقلات الجنود المدرعة والجرافات والقوات البرية والقناصة، حتى انفض اعتصام النهضة أولًا في الساعات الأولى من صباح يوم الرابع عشر من أغسطس بعد مقتل العشرات وإصابة المئات دون وجود إحصاء دقيق لعدد الضحايا هناك.
بينما ظلت قوات الشرطة المصرية في صدام مع المعتصمين في ميدان رابعة لأكثر من 12 ساعة، حيث وثقت هيومن رايتس ووتش قيام قوات الأمن المصرية بفتح النار على الحشود الكبيرة، مع عدم ترك مجال للمتظاهرين للخروج الآمن، كما استهدفت القوات المشفى الميداني الملحق بقاعات مسجد رابعة بالنيران حتى أحرق تمامًا، وكذلك المنصة الرئيسية للاعتصام، إلى أن سيطرت القوات ميدانيًا بشكل تام، عقب اعتقال المئات من المعتصمين.
وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون استخدام العنف ضد المتظاهرين، وقال المتحدث باسم الأمين العام إنه يدين بأشد التعابير حزمًا أعمال العنف التي وقعت في القاهرة عندما استخدمت قوات الأمن المصرية القوة ضد المتظاهرين.
كما أدان الاتحاد الأوروبي سقوط قتلى في فض الاعتصامات، وفي يوم 21 من أغسطس أعلن الاتحاد تعليق ترخيص تصدير الأسلحة التي قد تستخدم في القمع الداخلي في مصر، هذا وعقدت جلسة مغلقة في مجلس الأمن عن الأحداث، بطلب من بريطانيا وفرنسا وأستراليا.
وشجبت بشدة عدة دول الأحداث وتعامل السلطات المصرية آنذاك معها، وعلى رأسها تركيا وقطر وفرنسا، فيما دعت دول أخرى إلى ضبط النفس بين الأطراف.
ورغم هذا الشجب والإدانة فإن المجتمع الدولي ممثلًا في “الأمم المتحدة” أو “مجلس الأمن” في النهاية لم يعترف بما حدث في رابعة والنهضة كـ”مجازر” ضد الإنسانية.
كم عدد ضحايا الأحداث؟
عقب كل هذه الضجة التي حدثت بعد فض الاعتصامات، لم يستطع أحد حتى اللحظة الإجابة عن هذا السؤال وإعطاء رقم دقيق لعدد القتلى والجرحى والمعتقلين.
الرواية الرسمية خرجت على لسان وزير الداخلية آنذاك محمد إبراهيم الذي عقد مؤتمرًا صحفيًا أعلن فيه مقتل 43 شرطيًا و149 مدنيًا فقط، بينما ذكرت وزارة الصحة المصرية أن 578 قتيلًا و4201 مصاب سقطوا كحصيلة لجميع الاشتباكات على مستوى الجمهورية يومي الرابع عشر والخامس عشر.
أما مصادر جماعة الإخوان المسلمين بصفتها قائدة الاعتصام لم تستطع إصدار رقم دقيق لعدد الضحايا حتى الآن، واختلفت أعداد توثيق الحقوقيين التابعين لها، إذ قدم منسق المستشفى الميداني في ميدان رابعة وقتها تقديرات لعدد الضحايا بلغت 2200 شخص ونحو عشرة آلاف إصابة، بينما خرجت تصريحات إعلامية من منسوبين للجماعة تتحدث عن لفظ “آلاف القتلى” دون تحديد للرقم.
وفيما يتعلق بمنظمة هيومن رايتس ووتش فقد أقرت في تقاريرهاالمبدئية بسقوط ما لا يقل عن 800 متظاهر على يد قوات الأمن، وقالت المنظمة في تقرير آخر لها إن مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين أقاموا اعتصامين كبيرين في القاهرة، ومظاهرات أصغر حجمًا في أنحاء مصر للتنديد باستيلاء الجيش على السلطة والمطالبة بعودة مرسي إلى الحكم، وفي معرض الرد قامت قوات الشرطة والجيش مرارًا بفتح النيران على المتظاهرين، فقتلت أكثر من 1150 منهم، ومعظمهم في 5 وقائع منفصلة من القتل الجماعي للمتظاهرين.
وأضافت المنظمة تحديدًا عن فض الاعتصامات: “وقعت أخطر وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين يوم 14 من أغسطس/آب، حين سحقت قوات الأمن الاعتصام الكبير المؤيد لمرسي في منطقة رابعة العدوية بحي مدينة نصر شرقي القاهرة، استخدم أفراد الشرطة والجيش، ناقلات الأفراد المدرعة والجرافات وقوات برية وقناصة، للاعتداء على مخيم الاعتصام المرتجل حيث كان متظاهرون وبينهم سيدات وأطفال، قد خيموا لما يزيد على 45 يومًا، وفتحوا النيران على المتظاهرين فقتلوا ما لا يقل عن 817 شخصًا، وأكثر من ألف على الأرجح”.
هذا وقالت منظمة العفو الدولية إنه عقب مرور عام كامل على المذبحة التي شهدت مقتل أكثر من 600 محتج على أيدي قوات الأمن المصرية في يوم واحد، لم يحاسب ضابط واحد حتى الآن.
وعلى صعيد مبادرة ويكي ثورة فقد نشرت: “تم حصر 932 قتيلاً من خلال جثامين كاملة التوثيق، 133 قتيلاً آخر بمبادرات حصر بلا وثائق رسمية، 5 جثث مفقودة وفقًا لشهادات ذويهم، 29 قتيلاً مجهول الهوية بحصر أولي لجهات حقوقية به احتمال تكرار، 80 جثة بمستشفيات الصحة غير معلومة البيانات بها احتمال تكرار، 81 حالة وفاة أو أشيع وفاتها بلا بيانات كافية”.
وأضافت المبادرة في توثيقها عن المصابين: “أما في حصر المصابين، نظرًا لاستحالة التوصل إلى حصر كامل ودقيق لكل المصابين خلال الواقعة بسبب ظروفها المتشابكة، تم الاعتماد مبدئيًا علي حصر وزارة الصحة الذي يشمل 1492 مصابًا موزعين على 23 مستشفى، موضحين في عرض أرقام وزارة الصحة”.
وبخصوص المقبوض عليهم خلال واقعة فض اعتصام رابعة، قالت مبادرة ويكي ثورة: “تم حصر 848 من المقبوض عليهم، حيث كان توزيهم كما يلي: حصر 821 من المقبوض عليهم خلال واقعة فض اعتصام رابعة وكان المحضر الرئيسي للواقعة رقم 15899 إداري أول مدينة نصر 2013”.
“والتهم الموجهة فيه قتل وشروع في قتل وانضمام إلى عصابة مسلحة وتعدٍ على الأمن وحيازة أسلحة نارية، بالإضافة إلى 27 تم القبض عليهم من كمائن شرطة بمحيط الواقعة (الجماليةلا- الأزبكية – الظاهر – قصر النيل) عائدين من رابعة، وهذا مما تم التمكن من الوصول إلى بياناته، وهناك أعداد أخرى من المقبوض عليهم بكمائن مختلفة متجهين إلى أو عائدين من اعتصام رابعة يوم فضه، وتم إدراجهم وفقًا للموقع الجغرافي لكل واقعة قبض في الحصر الشامل للمقبوض عليهم”.
كما صدرت أرقام أخرى عن مؤسسة “رابعة ستوري” أو قصة رابعة التي تعمل على التعريف بمجزرة رابعة وتوثيق ما حدث بدقة وزيادة الوعي بالجرائم التي ارتكبت بحق المعتصمين، الأرقام تتحدث عن 868 قتيلاً في فض اعتصامي رابعة والنهضة تم توثيقهم عبر المؤسسة، و199 آخرين تم توثيقهم خارج المؤسسة، و37 مفقودين بعد توثيقهم، ولكن حسب توثيقهم هذا لا يعد رقمًا نهائيًا، إذ ما زالت هناك حلقات مفقودة من الضحايا.
وعلى صعيد تقديرات المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر أكد في مؤتمر صحفي عقد في يوم السادس من مارس 2014 عن طريق لجنة مشكلة من قبل المجلس قالت إن عملية الفض خلفت 632 قتيلًا بينهم 624 مدنيًّا ﻭ8 من ﺭجال ﺍلشرطة، وتم تشرﯾح 377 جثة فقط.
لماذا تضاربت الأرقام؟
لم تكن مسألة العمل على توثيق عدد الضحايا سهلة بعد عملية الفض من جانب جماعة الإخوان المسلمين بعد الضغط الأمني عليها وملاحقة أعضائها، لكن نشطاء مدنيين يتهمون الجماعة بالتقصير في هذا الجانب لأغراض سياسية.
وعلى أي حال فالأرقام التي خرجت تضاربت في حين ووصلت إلى تقديرات متوسطة في حين آخر، وبعيدًا عن تقديرات السلطات المشاركة في جريمة الفض، فإن التحقق من أرقام الضحايا اعتمد على المقارنة بين التوثيقات المختلفة بداية من وزارة الصحة وتقرير مجلس حقوق الإنسان، لكن هناك عوار شاب هذه الأرقام بحسب وجهة نظر حقوقيين بسبب تجاهلها الضحايا الذين لم يمروا بشكل رسمي على سجلات الإسعاف وأقسام الطوارئ ومشارح الموتى في ذلك اليوم.
أما أرقام مبادرة ويكي ثورة شابتها بعض المشاكل الفنية من حيث التكرار وغيره وتوقيتات الوفاة، وعلى صعيد تقرير هيومن رايتس ووتش فقد اعتمد على المقارنة بين التقارير الرسمية وغير الرسمية وتوثيقات خاصة، حتى وصلت التقارير إلى حد أدنى وحد أقصى تقديري.
وفي معظم هذه الاختلافات والتضاربات في الأرقام كان الأمر متعلقًا بأعداد الوفيات، لكن عند الحديث عن الإصابات أو الاعتقالات فإن الأمر يصبح أصعب وأكثر عشوائية، وفي النهاية عند الحديث عن محاسبات قضائية أو ما شابه فإن الأمر يبدأ من هذه الحلقة المفقودة عن أعداد ضحايا هذا اليوم في مصر.