أثار انسحاب “جيش أحرار العشائر” من مواقعه على الحدود السورية الأردنية قبل أيام دون سابق إنذار، لغطًا كبيرًا لدى صفوف المعارضة في ظل الظروف الحاسمة التي تمر بها المنطقة الجنوبية بعد تطبيق اتفاق “خفض التصعيد”، إذ شكل الانسحاب من منطقة الحدود شرقي السويداء فرصة للنظام السوري للسيطرة على 50 كيلومترًا من الشريط الحدودي مع الأردن، كما رفع النظام السوري يوم الجمعة الماضي علمه على معبر أبو الشرشوح الواقع على الحدود السورية الأردنية في ريف السويداء الجنوبي الشرقي.
ويعد جيش أحرار العشائر منذ تأسيسه قبل عامين والبالغ عدده 3 آلاف مقاتل غير تابع للجبهة الجنوبية بل للسلطات الأردنية وينفذ أجندة أردنية بالدرجة الأولى، إذ يعد خط دفاع متقدم عن حدود الأردن داخل الأراضي السورية ضد تنظيم الدولة “داعش” وليس من مهامه قتال النظام السوري، ويقدم الأردن منذ عام 2014 التدريب والتسليح للجيش الذي ينشط في القنيطرة وأجزاء من محافظة السويداء.
يعتبر معبر نصيب الممر التجاري عبر سوريا والمنفذ الوحيد وجسر عبور أمام الشاحنات الأردنية المتجهة إلى لبنان وتركيا ودول البلقان، والتي تشكل نسبة لا يستهان بها من الصادرات الأردنية
وبعد انسحاب الجيش من مواقعه بيومين فقط، وقع تفجير في معسكر لجيش الإسلام في بلدة نصيب المجاورة لمعبر نصيب الحدودي مع الأردن موقعًا العشرات بين قتيل وجريح، وهو ما اعتبره البعض رسالة لفصائل المعارضة بأن وجودها غير مرغوب فيه في نصيب وفي معبرها الحدودي.
تغيرات جذرية
فتح تطبيق وثبات اتفاق “خفض التصعيد” في الجنوب السوري، الذي يضم كل من القنيطرة والسويداء ودرعا، المجال أمام حصول العديد من التطورات على الأرض في المنطقة الجنوبية، منها انسحاب جيش العشائر وتفجير مقر لجيش الإسلام في بلدة نصيب، فيما يبدو أنها تصب لصالح النظام أكثر منه للمعارضة، وكان البيت الأبيض أعلن قبل فترة إيقاف برنامج الاستخبارات الأمريكية لدعم المعارضة السورية في الجنوب.
ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه الناطق باسم الحكومة الأردنية الأحد الماضي، في مؤتمر صحفي، أن الأردن لن يقبل بمليشيات طائفية على حدوده، وهناك دول في المجتمع الدولي ودول إقليمية ترفض اقتراب المليشيات الطائفية من الحدود الأردنية، معتبرًا أن ذلك أمر مرفوض وغير مقبول على الإطلاق وتهديد استراتيجي، إلى الآن لا تزال الأسباب التي دعت جيش العشائر لتسليم منطقة حدودية واسعة للنظام السوري مجهولة، فيما تخشى المعارضة السورية من وجود صفقات بين النظام والأردن في هذا الخصوص.
وفي هذا السياق أكد خبراء أن انسحاب جيش العشائر تم ضمن صفقة بين حكومتي الأردن وسوريا لفتح معبر بين البلدين من جهة السويداء كبديل عن معبر نصيب الحدودي الذي لا يزال يشكل الخلاف الأبرز في الاتفاق الثلاثي الأردني الأمريكي الروسي بخصوص درعا، إذ ترفض فصائل المعارضة التي تسيطر على المعبر تسليمه لقوات النظام السوري أو رفع علم النظام عليه.
أكثر من ألف مستثمر تعرضوا للخسارة بسبب إغلاق المنطقة الحرة في نصيب منهم أكثر من 500 مستثمر أردني تقدر استثماراتهم بأكثر من مليار دولار، كما قدرت خسائر قطاع النقل الأردني بنحو نصف مليار دولار
فيما أكد مراقبون أن الأردن توصل لقناعة أن الولايات المتحدة وبعد قرارها بوقف برنامج دعم المعارضة السورية وتسليحها غسلت يديها من الأزمة السورية وسلمت الملف السوري لروسيا، وبالتالي فإن الأسابيع المقبلة ستشهد إغلاق غرفة “الموك” التي أقامتها الولايات المتحدة بمشاركة حلفائها في الأردن للإشراف على تسليح فصائل المعارضة السورية وتدريبها.
وأشار مؤيدون للنظام السوري أن المرحلة المقبلة قد تشهد تقاربًا أكثر بين النظام والأردن وإعادة العلاقات السياسية والاقتصادية إلى ما كانت عليه بشكل تدريجي، مع سير خطة خفض التصعيد في الجنوب وتثبيت بنوده، ولكن هل تكون فاتحة تلك العلاقات عبر فتح معبر نصيب الحدودي بعد التوصل لاتفاق مع المعارضة بشأنه؟ أم عبر افتتاح معبر جديد في السويداء يخضع لسلطة النظام وترك معبر نصيب للمعارضة من دون تفعيل؟
معبر جديد في السويداء
الحديث عن فتح معبر في محافظة السويداء كبديل عن معبر نصيب في درعا ليس حديث العهد، فمنذ سيطرة فصائل المعارضة على معبر نصيب الحدودي الوحيد مع الأردن، في أبريل/نيسان 2015، وإغلاقه من الجانب الأردني، على خلفية السرقات التي تمت فيه، تصدر بين الفينة والأخرى نوايا النظام السوري بافتتاح معبر بديل عنه في السويداء، إذ اقترح رئيس غرفة التجارة والصناعة في السويداء فيصل سيف، على الحكومة السورية افتتاح معبر مع الأردن في السويداء.
وقال سيف في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: “المعبر له أهمية اقتصادية كبيرة لكل الشرائح، وخاصة لتصريف المنتج الغذائي”، موضحًا أنه تمت الموافقة على اقتراح الغرفة، وكانت تقارير إخبارية في 2015 كشفت عن طلب سوري من الأردن بالموافقة على فتح معبر من السويداء، ونقلت آنذاك وكالة “عمون” الأردنية، أن القائم بأعمال سفارة النظام السوري في عمان محمد أبو سرية طلب موعدًا من وزارة الخارجية الأردنية لنقل رسالة من وزارة خارجية النظام، تتضمن طلبًا سوريًا لفتح معبر حدودي مع الأردن من جهة السويداء.
المرحلة المقبلة قد تشهد تقاربًا أكثر بين النظام والأردن وإعادة العلاقات السياسية والاقتصادية إلى ما كانت عليه بشكل تدريجي، مع سير خطة خفض التصعيد في الجنوب وتثبيت بنوده
إلا أن مصدرًا حكوميًا أردنيًا أقر بصعوبة افتتاح معبر آمن جديد على الحدود بين الأردن وسوريا من منطقة السويداء، لكنه لم يستبعده في ذلك الوقت، وأشار مراقبون أن فتح معبر من ناحية السويداء تعرقل خلال الفترة الماضية بسبب تحفظ السلطات الأردنية التي كانت تفضل إعادة التعامل مع معبر نصيب المجهز بشكل أفضل، لكن رفض فصائل المعارضة تسليم المعبر حال دون ذلك حتى الآن.
تضرر الأردن بشكل كبير جراء إغلاق معبر نصيب، فبحسب رئيس هيئة مستثمري المنطقة الحرة نبيل رمان، في تصريح سابق له لوكالة “فرانس برس” قال فيه: “معبر نصيب يعد شريان الحياة بالنسبة لنا مع الدول الأوروبية ودول الخليج”، وأضاف أن 70% من طعام ومستوردات وصادرات الأردن كان طريقها من سوريا، وبالمقابل شكل إغلاق المعبر ضربة اقتصادية للنظام، إذ تقدر خسائره اليومية بـ10 ملايين دولار.
وذكر رمان أن أكثر من ألف مستثمر تعرضوا للخسارة بسبب إغلاق المنطقة الحرة في نصيب منهم أكثر من 500 مستثمر أردني تقدر استثماراتهم بأكثر من مليار دولار، كما قدرت خسائر قطاع النقل الأردني بنحو نصف مليار دولار.
يعتبر معبر نصيب الممر التجاري عبر سوريا والمنفذ الوحيد وجسر عبور أمام الشاحنات الأردنية المتجهة إلى لبنان وتركيا ودول البلقان، والتي تشكل نسبة لا يستهان بها من الصادرات الأردنية، فبحسب بيانات التجارة الخارجية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، فإن الصادرات الأردنية إلى سوريا خسرت نحو 83.7% خلال السنوات الـ5 الماضية، وانخفضت قيمة الصادرات من 183 مليون دينار في 2011 إلى 29.8 ميلون دينار في 2016، بمقدار خسارة بلغت 153.2 مليون دينار.
وسجلت الصادرات خلال الثلث الأول من العام الحالي 9.9 مليون دينار، بدلًا من 12.5 مليون دينار لنفس الفترة من العام الماضي بنسبة انخفاض تصل 20.8%، وحسب الباحث الاقتصادي محمد العبد الله في تصريحه لصحيفة “عنب بلدي” المعارضة، فإن كمية تصدير الخضار الأردنية عبر سوريا كانت تتراوح بين 400 إلى 700 طن يوميًا، كما كان عدد الشاحنات الأردنية الداخلة إلى سوريا يوميًا بين 50 إلى 60 شاحنة.
انسحاب جيش العشائر تم ضمن صفقة بين حكومتي الأردن وسوريا لفتح معبر بين البلدين من جهة السويداء كبديل عن معبر نصيب الحدودي
والآن وبعد اتفاق الهدنة في الجنوب، وبقاء سيطرة المعارضة على معبر نصيب ورفضها تسليمه للنظام إلى جانب سيطرة الأخير على الحدود مع الأردن من ناحية السويداء، يعود الحديث مجددًا عن افتتاح الخط التجاري مع الأردن بعد توقف دام لـ3 سنوات، ولكن قد يتم السير قدمًا هذه المرة في افتتاح معبر في السويداء مع تأكد النظام من تدمير وعدم فعالية معبر نصيب في المستقبل.
ومع ذلك سيبقى المعبر في السويداء عبارة عن سيناريو ثانٍ بسبب فشل استعادة النظام معبر نصيب من المعارضة، بمعنى الموافقة على شروط النظام، وما تفجير مقر جيش الإسلام إلا الرسالة الأولى الموجهة من النظام للمعارضة، ولا يستبعد توجيه ضربات أخرى في الأيام المقبلة لإرغامهم على ترك المعبر أو الموافقة على شروطهم.