انتهت فعاليات مؤتمر الاستثمار الأول على مستوى الشمال السوري، الذي أقيم ضمن المنطقة الصناعية الوسطى في مدينة الراعي الواقعة على الحدود السورية-التركية، خلال يومَي الأربعاء والخميس الماضيَين، بمشاركة واسعة ضمّت رجال أعمال ومستثمرين من الداخل والمغترب السوري، إضافة إلى مشاركة مستثمرين عرب وأجانب.
شاركت في مؤتمر الاستثمار فعاليات ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات اقتصادية وباحثون اقتصاديون ناقشوا خلاله أوراقًا بحثية تتحدث عن واقع وبيئة الاستثمار في الشمال السوري، لاستعراض فرص الاستثمار المتاحة التي تهدف إلى جذب المستثمرين والنهوض بالمنطقة اقتصاديًّا.
كما استعرضت قصص نجاح شركات ومنشآت تجارية وصناعية نشطت في الشمال السوري، وحققت تقدمًا واسعًا في ظروف صعبة للغاية، إلى جانب عرض منتجات غذائية وصناعية لشركات عاملة في الشمال السوري، في 53 استادًا ضمّت منتجات غذائية وبلاستيكية وورشات ألبسة.
تنتشر في مناطق ريفَي حلب الشمالي والشرقي 7 مناطق صناعية تابعة لغرف التجارة والصناعة في المجالس المحلية، في مدن إعزاز والباب والراعي ومارع وصوران وجرابلس وعفرين، استعرضت مصانعها المنتجات المحلية في المعرض.
ماذا حقق مؤتمر الاستثمار؟
نظّم مؤتمر الاستثمار من قبل وزارة المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، وجامعة حلب في المناطق المحررة ممثلةً بمركز الدراسات والأبحاث، ونقابة الاقتصاديين، ومؤسسة IDEA2020، وبرعاية المنتدى السوري، والسفارة السورية في قطر، ومركز حرمون، ووحدة المجالس المحلية، ووحدة دعم الاستقرار، ومشاركة اتحاد غرف التجارة والصناعة.
اتخذ المؤتمر شعارًا مع انطلاقة فعالياته هو “استثمار استقرار تنمية وازدهار”، ضمن رؤية “الارتقاء ببيئة الاستثمار في الشمال السوري”، بهدف تنمية المناطق المحررة اقتصاديًّا وتحسين مستوى المعيشة من خلال زيادة فرص العمل، حسب رئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر المهندس علي حلاق.
قال حلاق خلال حديثه لـ”نون بوست”: “يهدف المؤتمر إلى خلق بيئة استثمارية جاذبة، وتقييم واقع الاستثمار في الشمال السوري وتحديد متطلباته، وإنشاء حاضنات الأعمال لتنمية المشاريع الصغيرة وتحفيز الطاقات الشابة للمبادرة في ريادة الأعمال، والوصول إلى شراكات استراتيجية على المستويَين الداخلي والخارجي في قطاع الاستثمار، ووضع خارطة للاستثمار من منظور التنمية المستدامة”.
وأضاف: “ساهم المؤتمر في تقديم نقاط القوة والفرص الاستثمارية الموجودة في المناطق المحررة للعالم، كما أنه أفسح المجال أمام الزوار القادمين من خارج سوريا من رجال أعمال ومستثمرين عرب وأجانب للتشبيك مع المستثمرين المحليين، فضلًا عن المساهمة في عرض المدن الصناعية والمعامل والصناعات المتنوعة، والموارد البشرية الكفؤة”.
بُني المؤتمر على عدة مجريات وأبحاث وأوراق عمل تتكلم عن واقع الاستثمار، كما استعرض خطوات دعم الاستثمار في الجانب السياسي والأمني والقانوني، وتأهيل البنية التحتية، وتوفير مصادر تمويل للمؤسسات المالية، فضلًا عن عمل المناطق الصناعية، ودور السلطة السياسية في دعم الاستثمار، والجهود المبذولة في مساندة صنّاع الاستثمار، حسب منسق المؤتمر ووزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري.
قال المصري خلال حديثه لـ”نون بوست”: “عرضَ المؤتمر قصص نجاح مشاريع أُنشئت في المناطق المحررة بصعوبة ووسط تحديات لكنها كبرت ونجحت، والمنتجات المحلية المتميزة والمتنوعة التي عُرضت أعطت انطباعًا إيجابيًّا للمستثمرين، ومنحتهم ثقة العمل في المنطقة، وكان مهم جدًّا دور المؤتمر في مناطق صناعية والبنية التحتية”.
وأضاف: “أن رجال أعمال ومستثمرين سوريين وعرب وأجانب من أمريكيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا حضروا المؤتمر، وهذا جانب إيجابي يشجّع المستثمرين على اتخاذ خطوات جدّية بعد اطّلاعهم على العمل والحلول والتحديات التي يمكن تجاوزها في المناطق المحررة، فضلًا عن نقلهم صورة المنطقة إلى دولهم وصنّاع القرار فيها”.
ميزات الاستثمار في الشمال السوري
تعمل الحكومة السورية المؤقتة على تشجيع الاستثمار من خلال حمايتها للصناعات المحلية، وتخفيف الرسوم الجمركية للمواد الأولية، وتخفيف رسوم الصادرات، إضافة إلى تأمين الطاقة والبنية التحتية، ووضع التشريعات المناسبة، ويعتبر المؤتمر خطوة مهمة نحو إعادة الإعمار والتحفيز على النمو الاقتصادي في مناطق شمالي سوريا، ما يساهم في تحسين واقع السكان اقتصاديًّا.
وذكر وزير المالية والاقتصاد عبد الحكيم المصري خلال حديثه لـ”نون بوست”، عدة ميزات يمكن للمستثمرين الاستفادة منها في الشمال السوري، وهي: رخص قيمة العقارات في المناطق الصناعية التي لا تتجاوز التكلفة، وتوفير إذن عبور تجاري مجاني للمستثمرين للتنقل بين سوريا وتركيا، وتوافر الأيدي العاملة المؤهّلة للانضمام إلى سوق العمل، وعدم الحاجة إلى تراخيص، وتقديم تسهيلات تشريعية للمستثمرين، ووجود إعفاءات على معظم المواد الأولية جمركيًّا التي تدخل إلى شمال سوريا، إضافة إلى تخفيف الرسوم الجمركية على المنتجات المصدرة.
في السياق، عبّر رجال أعمال سوريين قدموا من عدة بلدان عربية وأجنبية عن رغبتهم في الاستثمار في الشمال السوري، رغم وجود بعض التحديات والمعوقات التي تواجه المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بالجانب الأمني، لكنهم في الحكومة المؤقتة يعملون على إيجاد حلول حقيقية، لأن العائد يكون أكبر وله دور مهم في عمل المستثمرين وزيادة اهتمامهم في الاستمرار في المناطق المحررة.
يرى يحيى السيد عمر، وهو باحث في الاقتصاد السياسي، أن مؤتمر الاستثمار في الشمال السوري خطوة هامة لتطوير وتشجيع الاستثمار، لكنه يحتاج إلى خطوات تنفيذية، مؤكدًا “وجود عدة مزايا للاستثمار في منطقة الشمال السوري، منها توافر اليد العاملة، والقرب من مصادر الطاقة، والقرب من أسواق التصدير المستهدفة، وعدم وجود استثمارات في المنطقة”.
وأوضح خلال حديثه لـ”نون بوست”: “يعدّ الاستثمار عاملًا اقتصاديًّا مهمًّا في قدرته على تحسين واقع المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية في الشمال السوري، وتعزيز المؤشرات الاجتماعية، لكن يحتاج إلى عدة متطلبات، على رأسها الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني، وتوفر المتطلبات التشريعية والبنية التحتية وحوامل الطاقة وأسواق التصريف وبيئة مالية متطورة، وجزء كبير من هذه المتطلبات لا يتوفر، وفي حال توفره فإنه ضمن الحدود الدنيا”.
تحديات وعقبات تواجه الاستثمار
لا تعدّ مناطق الشمال السوري جاذبة للاستثمار في ظل الظروف الحالية السائدة، نتيجة ظروف أمنية غير ملائمة، ما يعطي انطباعًا عن غياب مشهد الاستقرار عن المنطقة رغم عودته لكن بشكل متقطع، بسبب تكرار عمليات القصف والمفخّخات والعمليات الإرهابية التي تطال التجمعات السكانية الكبيرة.
وذكر الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر، خلال حديثه لـ”نون بوست”، عدة عقبات تواجه الاستثمار في الشمال السوري، من بينها:
- هشاشة الاستقرار السياسي والأمني، لأن المنطقة مفتوحة أمام احتمالات تصعيد عسكري في أي لحظة.
- عدم استقرار البيئة الاقتصادية العامة لأن التضخم مرتفع، ولا توجد مؤسسات اقتصادية تدير المؤشرات المالية والنقدية، فحاليًّا يوجد 3 عملات في التداول، الليرة التركية والليرة السورية والدولار الأمريكي، كما أن الليرة التركية غير مستقرة.
- غياب سياسة اقتصادية واضحة في المنطقة وتعدُّد الجهات الإدارية.
- صعوبات تصدير الإنتاج، فالشمال السوري غير معترف به كحكومة رسمية، لذلك لا يمكن تصدير المنتجات المصنّعة في المنطقة دون وجود شهادات منشأ.
- عدم توافر سوق خارجية مماثلة لحجم الإنتاج المحلي المفروض تصديره، ما يعرقل عملية الإنتاج الذي لا يمكن تسويقه محليًّا بسبب ظروف سكان المنطقة اقتصاديًّا.
- وجود فصائل مسلحة تستقطب الشباب السوري، ما ينعكس على ضعف العمالة في سوق العمل.
- ضرورة وجود مؤسسات رسمية تهيّئ البيئة الاستثمارية والتشريعية وتدعم البيئة التحتية، كما لا بدَّ من دعم سياسي من الدول الإقليمية والدولية، وكل هذا غير متوفر حتى اللحظة.
اعتبر الباحث أنه يمكن تجاوز العقبات من خلال توفر دعم إقليمي ودولي من تركيا والدول الكبرى والمؤسسات الدولية، لوضع خطة طريق عامة تهدف إلى حل القضية السورية، لأن الوضع السياسي والعسكري لا يدعمان الاستثمار، حيث المنطقة وإن طال الاستقرار ستكون مرشحة في أي لحظة لتصعيد عسكري، ورأس المال جبان، فورًا ستهرب رؤوس الأموال عند أي حدث أمني أو عسكري.
رغم الجهود التي تبذلها مؤسسات حكومية ومؤسسات مجتمع مدني وفعاليات وشخصيات مهمة تهدف إلى تنمية واقع الشمال السوري اقتصاديًّا، إلا أنها تصطدم أمام تحديات لا يمكن تجاوزها إلا من خلال اتخاذ خطوات تطبيقية يمكنها أن تساعد في النهوض بالمنطقة اقتصاديًّا، من خلال العمل على الشقَّين الأمني والسياسي، ما يدفع المستثمرين إلى اتخاذ قرارات حقيقية.