أصبح مفهوم الخصخصة ذو معنى سيء لدى المصريين فلم يتم خصخصة شيء إلا وزادت معاناة المواطنين أكثر من السابق، فمن تحرير سعر الجنيه ورفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات إلى بيع ممتلكات ومقدرات، كل ذلك كان له تأثير سيئ على الاقتصاد والمواطن المصري.
وبين من يرى أن خصخصة قطاع السكك الحديدية – نظرة الحكومة اليوم وسابقًا – الحل الأمثل في الفترة الحالية، حيث تكمن فائدتها في كفاءة الإدارة الخاصة عن الإدارة العامة بفضل المعايير الخاصة في استخدام الموارد وتقديم الخدمة وفق أفضل جودة ممكنة، إلى جانب عدم وجود قيود لحساب المتقاعس عن العمل ومحاسبة المخطئين والمقصرين، فضلاً عن الاعتماد على العمالة الماهرة، وهناك من يرى أن السكك الحديدية في مصر لا تحتاج إلى خصخصة بقدر ما تحتاج إلى إدارة خاصة، متذرعين أن إصلاح هيئة السكك وتأمين الركاب لا يحتاج إلى المليارات التي تتكلم عنها وزارة النقل والمسؤولين في الحكومة.
وزارة النقل المصرية ستخصخص السكك الحديدية
استبق وزير النقل المصري هشام عرفات، المحاكمة العلنية من نواب لجنة النقل، عقب حادث قطاري الإسكندرية الأخير الذي أدوى بحياة 49 شخصًا، حيث أشار الوزير إلى وجود خطة لتطوير مرفق السكك الحديدية، موضحًا أنه أطلع الرئيس عبد الفتاح السيسي على تفاصيلها، مؤكدًا أن مصر متأخرة 30 عامًا في هذا المجال، وأن السكة الحديد لم يتم تطويرها في مصر منذ حرب الاستنزاف.
وأوضح الوزير أن الخطة تتضمن خصخصة السكك الحديدية ومشاركة القطاع الخاص في تطويرها، لافتًا إلى أن الحكومة تعد قانونًا جديدًا للسكة الحديدية، يسمح بمشاركة القطاع الخاص في تطويرها وإدارتها، والسماح للشركات الاستثمارية الكبرى بالمشاركة في المنظومة والعمل على تطويرها بشكل فعال، مستطردًا “العالم كله قائم بالشراكة بين القطاع العام والخاص في السكة الحديدية”.
هناك 6.5 مليون متر متاح فعليًا للاستثمار من أراضي الهيئة البالغة 191 مليون متر مربع، موزعة بواقع 5500 كم، إضافة إلى حرم طريق (7.5 أمتار) على جانبي خطوط السكك الحديدية
وأعلن عرفات أمس الإثنين 14 من أغسطس/آب، صراحة، أمام لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، عن الانتهاء من تعديلات تشريعية تتيح للقطاع الخاص الاستثمار في قطاع السكك الحديدية، تمهيدًا لتحرير أسعار تذاكر القطارات، كما رجح الوزير المصري عرض هذه التعديلات خلال اجتماع مجلس الوزراء، الأسبوع المقبل، تمهيدًا لإحالتها إلى البرلمان.
وقال عرفات إن الخطة تشمل تقليص دور العنصر البشري في إدارة القطاع، سعيًا نحو إنهاء وجودهم في الإدارة بشكل كامل، والعمل على نقل التجارب الأوروبية المتعلقة بتفعيل التكنولوجيا في جميع مراحل إدارة السكك الحديدية، منوهًا بأن البنية التحتية للقطاع لم تمسها يد التطوير منذ ستينيات القرن الماضي”.
ومن المقرر أن يجري العمل على ثلاثة مشروعات، بهدف تحويل الإشارات اليدوية إلى إلكترونية وكهربائية، خلال العامين المقبلين، بتمويل من البنك الدولي، وتشمل خطوط (بنها – الإسكندرية)، بتكلفة 70 مليون يورو، (بني سويف – أسيوط)، تحت إشراف شركة فرنسية، (بنها – الإسماعيلية – بورسعيد).
وأضاف الوزير أن هناك 6.5 مليون متر متاح فعليًا للاستثمار من أراضي الهيئة، البالغة 191 مليون متر مربع، موزعة بواقع 5500 كم، إضافة إلى حرم طريق (7.5 أمتار) على جانبي خطوط السكك الحديدية، علاوة عن سكك تخزينية تبلغ 4 آلاف كيلومتر، وورش بإجمالي 40 مليون متر.
وعنحجم الأموال التي تحتاجها السكك الحديدية فإنها تحتاج إلى 10 مليارات، و700 مليون جنيه سنويًا، لتطويرها ومواجهة التدهور، وهو نفس المبلغ الذي ذكره أمام السيسي، في مايو/أيار الماضي.
كان الملياردير المصري نجيب ساويرس قد تقدم بطلب للحكومة المصرية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك لشراء خطوط السكك الحديدية في بادرة لخصخصة هذا القطاع، إلا أن طلبه جوبه بالرفض من قبل الحكومة لأسباب لم يتم الإفصاح عنها حتى الآن
وتجدر الإشارة أن معظم أعضاء اللجنة يرفضون مخطط الحكومة لخصخصة القطاع، ورفع الدولة يدها عن هذا المرفق الحيوي الذي يخدم ملايين المصريين يوميًا، محذرًا من تداعيات إشراك القطاع الخاص كمستثمر في نشاطات الهيئة، لما سيسفر عنه من تحرير لسعر تذكرة القطار، ومضاعفتها بواقع 4 أو 5 أمثال قيمتها الحالية.
علاج المشكلة عبر الخصخصة
مسألة خصخصة خطوط السكك الحديدية ليست جديدة، فالملياردير المصري نجيب ساويرس كان قد تقدم بطلب للحكومة المصرية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك لشراء خطوط السكك الحديدية في بادرة لخصخصة هذا القطاع، إلا أن طلبه جوبه بالرفض من قبل الحكومة لأسباب لم يتم الإفصاح عنها حتى الآن.
تعد هيئة السكك الحديدية من الهيئات الاقتصادية التي لها موازنة مستقلة، ولا تدرج ضمن الموازنة العامة للدولة، وكل ما تحصل عليه من مخصصات من الموازنة يأتي في إطار دعم الدولة لنقل الركاب لبعض الخطوط ودعم فروق أسعار التذاكر المخصصة للطلبة، وكذلك دعم سداد بعض مديونياتها لبنك الاستثمار القومي.
ويصل إجمالي ديون هيئة السكك الحديدية لبنك الاستثمار القومي نحو 1.5 مليار دولار، كما منحتها الموازنة العامة عن العام المالي الحالي نحو 170 مليون دولار لدعم مصروفات التشغيل وتمويل المشروعات الاستثمارية.
تحتاج السكك الحديدية إلى 10 مليارات و700 مليون جنيه سنويًا، لتطويرها ومواجهة التدهور الحاصل فيها
وسجلت خسائر التشغيل خلال السنة المالية التي انتهت في يونيو/حزيران الماضي نحو 210 ملايين دولار بعد تسجيل خسائر أخرى بنحو 290 مليون دولار في السنة المالية السابقة، خبراء أشاروا أن مشكلة السكك الحديدية لن تحل إلا من خلال منظومة متكاملة ترتكز على خصخصة المرفق، ووضع نظام إداري محكم يتم الاستعانة به من الخارج وتعزيز عمليات الصيانة الغائبة، إضافة إلى تجديد القضبان والإشارات التالفة، وتطوير الورش لتكون مؤهلة لصيانة أي وحدة خاصة بالسكك الحديدية، بحسب إبراهيم مبروك أستاذ هندسة السكك الحديدية في جامعة الأزهر.
ويصل إجمالي طول خطوط السكك الحديدية في مصر نحو 9200 كيلومتر، وهي غير مستغلة، في حين أن دول العالم الأخرى تستغل جميع المساحات الموجودة بخطوط السكك الحديدية لعمل ممرات وإنشاء دور سينما ومحلات، وغيرها من المشروعات التي تدر ربحًا، كما أن نسبة نقل البضائع بالسكك الحديدية في مصر تصل إلى نحو 5% من حجم السوق، في حين أن تلك النسبة تصل على الأقل لنحو 25% في أوروبا، وتتضاعف في الولايات المتحدة.
وهناك 3 أنظمة للخصخصة يمكن أن تطبق على السكك الحديدية في مصر الأولى أن يتم الخصخصة والبيع بشكل نهائي بحيث لا يكون للدولة أي سيطرة عليها، والثانية أن تشترك الدولة مع القطاع الخاص بنسبة بسيطة تسمح لها بالإشراف وإبداء الرأي في الأزمات والمشاكل، والثالثة أن يتم خصخصتها لمدة معينة بالاتفاق بينهما ثم تستردها الدولة بعد ذلك،
بينما أشار آخرون إلى أن خصخصة هذا القطاع قد لا يجذب شركات ومستثمرين بسبب الوضع المتردي للسكك.
سجلت هيئة السكك الحديدية خسائر التشغيل خلال السنة المالية التي انتهت في يونيو/حزيران الماضي نحو 210 ملايين دولار بعد تسجيل خسائر أخرى بنحو 290 مليون دولار في السنة المالية السابقة
بالإضافة إلى الوضع الاستثماري العام في مصر، اقترح البعض أن يتم عمل اكتتاب عامفي شهادات استثمار خاصة لتمويل تطوير وتوسعات السكك الحديدية، أسوة بما تم في عملية تمويل حفر قناة السويس الجديدة ـ بحسب رؤية عادل الكاشف رئيس الجمعية المصرية لحماية الطرق -، ويتم التعاقد مع شركات أجنبية لتحديث المرفق بمشاركة شركات خاصة لإدارة المرفق لتعظيم استغلالها سياحيًا واقتصاديًا.
المواطن هو الضحية
قد تنعكس خطط الحكومة المقبلة على تحسين خطوط السكك الحديدية بالفعل، وتقلل بنسبة كبيرة من الحوادث والأخطاء الفادحة التي تحصل بين الفينة والأخرى، والتجارب في هذا السياق شاهدة على ذلك، إذ تم تطبيق نهج الخصخصة في هذا القطاع في اليابان بمشاركة الحكومة وترتب على ذلك زيادة التنافسية وتحسن الخدمة، وفي بريطانيا بعد خصخصة القطاع حقق نجاحًا ملحوظًا في نوعية الخدمة والانضباط، إلا أن الوضع في مصر مختلف تمامًا عن بقية الدول وفي هذا التوقيت بالذات.
نسبة نقل البضائع بالسكك الحديدية في مصر تصل إلى نحو 5% من حجم السوق، في حين أن تلك النسبة تصل على الأقل لنحو 25% في أوروبا، وتتضاعف في الولايات المتحدة
إذ لجأت مصر في الآونة الأخيرة إلى خصخصة العديد من القطاعات وتخلت الحكومة عن دعم بعض السلع والخدمات، إضافة إلى تحرير سعر صرف الجنيه، حيث رفعت الحكومة المصرية أسعار المواد البترولية في نهاية يونيو/حزيران الماضي، بنسب تصل إلى 50% في ثاني زيادة خلال 8 أشهر، كما زادت الحكومة أيضًا أسعار الكهرباء في يوليو/تموز الماضي بنحو 40%، إضافة إلى رفع أسعار المياه والدواء والمواصلات.
وقد أدى هذا الأمر إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، وصل إلى أعلى مستوياته منذ العام 1986 عندما بلغ 35.1% وفقًا لحسابات رويترز، استمرار ارتفاع الأسعار زاد من آلام المصريين خاصة الفقراء ومحدودي الدخل الذين يعيشون أوضاعًا صعبة، ولن يكون تحرير سعر تذاكر القطارات سوى استكمال لمعاناة المواطنين وإجراء يلقي بظلال ثقيلة على المواطن ومعيشته.
وطالما أن الحكومة غير ملتفة للحل فإن الأزمة ستبقى ماثلة في الأفق، حيث يتطلب الخروج من هذه الأزمة التوجه نحو مزيد من الاهتمام بقطاع الإنتاج الصناعي والزراعي لزيادة معدلات النمو الاقتصادي بما يكفل تخفيض معدلات التضخم والفقر والبطالة، فجزء كبير من الاستهلاك يعتمد على الاستيراد من الخارج مما يسبب ضغطًا على الدولار الموجود في خزائن المركزي الدولارية.
يصل إجمالي طول خطوط السكك الحديدية في مصر نحو 9200 كيلومتر، وهي غير مستغلة، في حين أن دول العالم الأخرى تستغل جميع المساحات الموجودة بخطوط السكك الحديدية لعمل ممرات وإنشاء دور سينما ومحلات، وغيرها من المشروعات التي تدر ربحًا
لذا فإن زيادة أسعار تذاكر القطارات التي ستكون نتيجة طبيعية من تحرير سعر التذاكر على إثر الخصخصة، سيكون بلا شك صدمة للمواطن وإضافة على تكاليف المعيشة الغالية، ولن تسعى الحكومة لحماية المواطن من ارتفاع أسعار التذاكر عبر دعم السعر لأن سياستها الإصلاحية الجديدة تقوم على التخلي عن الدعم وفق وصفة صندوق النقد الدولي الذي أقرض مصر مقابل خضوعها لشروط معينة.
لذلك قد يكون الحل الأنسب تأسيس هيئة خاصة تقوم على إدارة قطاع السكك الحديدية وفق معاير القطاع الخاص، والتوسع في الاستثمارات المختلفة المرتبطة بالقطاع لزيادة الربحية، ومن ثم الانتقال بشكل تدريجي في مدة لا تقل عن 10 سنوات لمنح شركات خاصة للدخول في الاستثمار في هذا الخط.