أقرّ المجلس الدستوري الموريتاني صباح اليوم النتائج النهائية للاستفتاء حول التعديلات الدستورية الذي أقيم في الخامس من شهر أغسطس الحالي، وسط رفض مسبق للمعارضة للنتائج التي تصفها بالمزورة، ما يمكن أن يدخل البلاد في أزمة سياسية حادة.
إصرار النظام
لم يثني الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز (60 سنة) وجماعته رفض مجلس الشيوخ للتعديلات الدستورية في مارس الماضي ولا المظاهرات التي قادتها المعارضة في الشوارع الرافضة لما أقرّه الحوار الوطني في المضي قدما وتحقيق غايته التي يرى فيها ضرورة لتحقيق موريتانيا أعلى درجات التطوّر والرقي. كما لم يثنه أيضا ما يمر به المواطن من مشاكل كثيرة يتقدمها العطش الناجم عن النقص الحاد في مياه الشرب وارتفاع الانتهاكات ضده، وارتفاع نسب البطالة والأمية والفقر والخصاصة، في أن يركّز كل مجهودات نظامه لربح معركة الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي لا ينتظر منها إصلاح الحال البلاد والعباد.
يصف قادة المعارضة الموريتانية مخرجات الحوار بأنها هزيلة، وتتجاهل مطالب الشعب الذي يعاني من الغلاء وسوء الأوضاع الاقتصادية
وصباح اليوم أقر المجلس الدستوري، أعلى هيئة تشريعية في موريتانيا، النتائج التي أسفر عنها الاستفتاء الشعبي، ورفض المجلس جميع الطعون التي تقدم بها عدد من المواطنين الموريتانيين المسجلين على اللوائح الانتخابية، والتي حاولت توثيق عمليات تزوير شابت الاقتراع، من التصويت عن الغائبين والأموات، ومكاتب صوتت بنسبة 100 في المائة.
وأعلن رئيس المجلس الدستوري السغير ولد امبارك، في مؤتمر صحفي بمقر المجلس في نواكشوط، أن البت في النتائج يأتي بعد مراجعة محاضر الاقتراع في مختلف الدوائر في الداخل والخارج وتدقيقها وتمحيصها وبعد الاستماع إلى المقرر والمداولات طبقا للقانون وبعد الاطلاع على النتائج المؤقتة الصادرة عن رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات، وأظهرت النتائج النهائية للاستفتاء الدستوري في موريتانيا تقدما “كاسحا” لصالح التصويت “بنعم” على التعديلات المقترحة التي تشمل إلغاء مجلس الشيوخ وتعديل العلم الوطني، في حين قال تحالف أحزاب المعارضة الرافض لهذه التعديلات إن نسبة المشاركة لم تتجاوز 15%، واتهم الحكومة بالسعي إلى تزوير النتائج.
وفي شهر أكتوبر 2016، شهدت موريتانيا تنظيم حوار وطني شارك فيه نحو 600 شخص ممثلين عن عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وبعض هيئات المجتمع المدني، فيما قاطعه منتدى المعارضة الذي يضم 14 حزبًا سياسيًا وهيئات نقابية ومنظمات مجتمع مدني، بالإضافة إلى حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يقوده زعيم المعارضة السابق أحمد ولد داداه، وانسحب منه في منتصف الطريق التحالف الشعبي بقيادة مسعود ولد بلخير.
وأفرز الحوار عدة مقترحات لتعديل الدستور تتألف من شقين، أحدهما يتعلق بتعديل المادة 8 من دستور 20 يوليو 1991، والخاصة بالعلم الوطني لموريتانيا، ونصت المادة 8 في صيغتها الجديدة على أن “الرمز الوطني هو علم يحمل رسم هلال ونجم ذهبي اللون على خلفية خضراء وعلى جانبيه شريط أفقي مستطيل أحمر اللون”.
مظاهرات معارضة للتعديلات الدستورية
أما الشق الثاني من التعديلات، فيتعلق بإلغاء مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، إضافة إلى إنشاء مجالس محلية للتنمية، ودمج ثلاث هيئات حكومية هي المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، والمجلس الإسلامي الأعلى، ووسيط الجمهورية، في هيئة واحدة أطلق عليها اسم “المجلس الأعلى للفتوى والمظالم”، ويصف قادة المعارضة الموريتانية مخرجات الحوار بأنها هزيلة، وتتجاهل مطالب الشعب الذي يعاني من الغلاء وسوء الأوضاع الاقتصادية.
عدم اعتراف المعارضة
رغم اقرار النظام الموريتاني هذه التعديلات، تؤكّد المعارضة أنها لن تقبل بها، معتبرة إياها “انقلابا على الدستور”، بعد رصدها حالات تزوير كثيرة. وفي مؤتمر صحافي الأحد الماضي، دان أعضاء في المعارضة “المهزلة الانتخابية التي فتحت الطريق أمام تزوير اوسع”، مؤكدين أن الشعب “رفض بشكل واضح التعديلات الدستورية“.
لجنة متابعة الأزمة في مجلس الشيوخ، تتمسك بالدستور وترفض ما سمته “التلاعب به”
كما أكدوا أنهم لن يعترفوا بنتائج الاستفتاء بعدما كانوا تحدثوا في وقت سابق عن تلاعب بالتصويت من قبل الحكومة، إلى جانب ذلك رفض حزب اللقاء الحزب الوحيد المشارك بـ “لا” الطعن في نتائجها متذرعا بأن المجلس الدستوري لن يكون أفضل حظا من اللجنة العليا للانتخابات في ظل ما اسماه ارادة التزوير لدى السلطة. إلى جانب ذلك، أعلنت لجنة متابعة الأزمة في مجلس الشيوخ، الغرفة العليا في البرلمان الموريتاني، أنها تتمسك بالدستور وترفض ما سمته “التلاعب به” في إشارة إلى التعديلات الدستورية التي عرضت على استفتاء شعبي يوم السبت الماضي وتصفه اللجنة بأنه “غير دستوري“.
هل تكون المهمة الثالثة التعديل القادم؟
هذه التعديلات الدستورية التي أقرها النظام الموريتاني، يخشى موريتانيون أن تكون مطية إلى تعديلات دستورية أخرى تمهّد لولاية ثالثة للرئيس التي يفترض أن ينتخب لولايتين فقط بموجب الدستور.، خاصة وأنّ محمد ولد عبد العزيز، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب في 2008 وانتخب في 2009 واعيد انتخابه في 2014 لخمس سنوات، ألمح في مناسبة سابقة إلى أن هذا التعديل الدستوري لن يكون الأخير على الأرجح.
الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز
وقال “خلال سنتين وحتى 10 سنوات، ستأتي تعديلات أخرى لتكييف الدستور مع واقعنا”، وكان ولد عبد العزيز قد تعهد مرات عدة بعدم المساس بعدد الولايات الرئاسية، مؤكدا أن “الدستور لا يمكن ان يتغير لمصالح شخصية”. لكنه لم يتمكن من تهدئة مخاوف المعارضة التي تبرر قلقها بالإشارة إلى تصريحات لوزراء أو مقربين منه يؤيدون إدراج ولاية رئاسية ثالثة.