يستمر مسلسل القمع الممنهج من قبل السلطات السعودية تجاه معارضيها سواء كانوا على الأراضي السعودية أم خارجها، باستدعاء النيابة السعودية حديثًا مجموعة من الناشطين المغردين على موقع تويتر دون الإفصاح عن أسمائهم، بعد اتهامها لهم بالإساءة إلى النظام العام والتأثير على ما وصفته “سلامة واعتدال المنهج الفكري للمجتمع”.
تُحاكم السلطات السعودية التأثير على سلامة واعتدال المنهج الفكري طبقًا للقوانين الجنائية، وتطبق على كل من يشترك في هذا العمل سواء كان داخل السعودية أم خارجها، الإجراءات الشرعية والنظامية باعتبارهم متهمين بغض النظر عما استخدموه من وسائل للتعبير عن آرائهم ونشرها.
في خضم الأحداث السياسية خلال السنوات القليلة الماضية في المملكة، طورت السلطات السعودية الأحكام الخاصة بالجرائم الإلكترونية، وزادت من إجراءتها ضد المعارضة السياسية، مستخدمة قوانين صارمة وجديدة وبالأخص في المجال الإلكتروني، لتصدر أحكامًا بالسجن على من يدونون على الإنترنت، معتبرة تلك الوسيلة في التعبير عن الرأي إهانة للحكام ومسيئة للنظام العام.
فيلم وثائقي جديد يكشف كواليس اختطاف الأمراء
تكشف قناة بي بي سي العربية في فيلمها الوثائقي الجديد بعنوان “أمراء آل سـعود المخطوفون” المعروض مساء أمس تفاصيلاً جديدة عن عمليات اختطاف الأمراء الثلاث التي لم يكشف عنها طول السنوات الماضية
في عام 2016 خطفت السلطات السعودية الأمير السعودي سلطان بن تركي المعارض للسلطة الحاكمة بعد إجباره على عدم الهبوط في مطار القاهرة مثلما كان متوقعًا بعد وصوله من سويسرا، لتقتاده طائرة تحمل العلم السعودي إلى الرياض قسريًا، ويختفي بعدها دون تفسير من الجهات السعودية الرسمية، إلا أن تلك لم تكن الخطوة الأولى في البرنامج الذي تديره الدولة السعودية بشكل منهجي لاختطاف الأمراء المعارضين للنظام السعودي.
فما بين عامي 2005 و2016 كان هناك عمليات اختطاف ممنهجة لأمراء سعوديين معارضين وناشطين سياسيين معارضين للنظام الحاكم في السعودية، كان أبرزهم الأمير تركي بن بندر والأمير السعودي سعود بن سيف النصر آل سعود وآخرهم الأمير سلطان بن تركي العام الماضي، والأخير تعرض بالفعل لمحاولة اختطاف سابقة عام 2003.
#مرآة_الصحافة | الغارديان البريطانية: تفاصيل جديدة عن عملية اختطاف ثلاثة أمراء سعوديين معارضين لنظام بلادهم من #سويسرا pic.twitter.com/IDG0gpiMGV
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 15, 2017
لم تبق تلك المحاولات القمعية من قبل النظام السعودي تجاه معارضينه طي الكتمان، حيث تكشف قناة بي بي سي العربية في فيلمها الوثائقي الجديد بعنوان “أمراء آل سـعود المخطوفون” المعروض مساء أمس تفاصيلاً جديدة عن عمليات اختطاف الأمراء الثلاث التي لم يكشف عنها طول السنوات الماضية، ووصفتها صحيفة الغارديان البريطانية بـ”عمليات خطف ممنهجة تستخدمها أجهزة الدولة لقمع المعارضة”.
بحسب تقرير الغارديان فإن الفيلم يكشف أساليب النظام السعودي في اختطاف المعارضين، والتي كان بعضها أساليبًا عنيفة، كالتي تعرض لها الأمير السعودي سلطان بن تركي وادعائه أنه حقن وخدر فور اقتياده لطائرة متجهة إلى الرياض تحمل رجال سعوديين ملثمين، وذلك بحسب تقرير طبي من مستشفى الملك فيصل في الرياض، الذي يظهره الفيلم كدليل على أساليب النظام السعودي العنيفة في قمع واختطاف المعارضين.
خالد بن فرحان ما بين الانشقاق والخوف
على اليسار صورة الأمير المنشق خالد بن فرحان
كان هؤلاء أمراء ثلاث معارضين للنظام، ومكانهم اليوم غير معروف، تحدث رابعهم في العلن بفيلم البي بي سي الوثائقي وهو الأمير خالد بن فرحان المنشق عن العائلة المالكة والمقيم في ألمانيا، وعبر عن مخاوفه من أن يكون مصيره في النهاية مشابهًا لمصير الأمراء الثلاث غير المعروف مكانهم ولا بقائهم على قيد الحياة من عدمه، فأشار في أثناء مشاركته بالفيلم أن مصير الأمراء المخطوفين بيد أعلى سلطة في المملكة السعودية.
اختفى الأمير سعود بن سيف النصر بعد أيام من تأييده لأول خطاب من المعارضة السعودية مجهولة المصدر الذي كان يروج لانقلاب للإطاحة بالملك سلمان
يكشف الفيلم أيضًا عن تفاصيل عملية اختطاف الأمير تركي بن بندر عام 2015، وهو أحد الأمراء الضباط في الشرطة السعودية، والذي كان من المتوقع رحيله إلى فرنسا من المغرب، إلا أنه احتجز في سجن سلا بحسب تقرير الجريدة المغربية “الصباح” بتاريخ 30 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ليتم بعدها ترحيله إلى الرياض بحسب أوامر السلطات السعودية، لمحاكمته على تصريحاته المعارضة للنظام وخلافه الدائم مع السلطة وانشقاقه عن العائلة الحاكمة، وزعم السلطة السعودية واتهامها له بالتخطيط لأفعال تضر بالأمن القومي كونه ضابطًا في الشرطة السعودية.
كما تأتي كواليس اختفاء ثالثهم الأمير سعود بن سيف النصر الذي لم يكن له نشاط سياسي مسبق، إلا أنه اختفى بعد أيام من تأييده لأول خطاب من المعارضة السعودية مجهولة المصدر الذي كان يروج لانقلاب للإطاحة بالملك سلمان، وهو ما يعتبر غير مألوف على العائلة المالكة، ليكون الأمير سيف النصر هو الأمير الوحيد الذي يؤيد الخطاب بشكل علني، وهو ما اعتبره الكثيرون خيانة عظمى، وربما كان ذلك هو ما حدد مصيره في النهاية.
المعارضة الخارجية
المعارض السعودي سعد الفقيه
كانت تلك معارضة من داخل الأسرة الحاكمة نفسها، إلا أن هناك تكتلات سياسية من المعارضة السعودية أعلن البعض منها نفسه بشكل عام ولم يعلن البعض الآخر هويته في الخارج، حيث تكون تلك التكتلات من خارج الأسرة الحاكمة واتخذت مكانًا آخر أكثر حرية للتعبير عن آرائها بدلًا من المملكة العربية السعودية.
كان “سعد الفقيه” صاحب فكرة تأسيس قنوات بث للمعارضة السعودية من خارج السعودية، وتمكن بالفعل من إطلاق قناة كانت نقلة نوعية للمعارضة الإسلامية
يعد أهم أعضاء المعارضة الخارجية هو “سعد الفقيه” وهو مؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح في السعودية، وتهدف إلى إسقاط الحكم السعودي وإنشاء نظام حكم يعتمد على الشورى، يوجد مكتبها في لندن منذ عام 1996، وهي أولى الحركات التي دعت لمظاهرات ضد الحكم خرج على إثرها المئات في مدينة الرياض اعتقل بسببها 350 شخصًا وصدرت أحكام بالجلد على بعضهم.
كان سعد الفقيه صاحب فكرة تأسيس قنوات بث للمعارضة السعودية من خارج السعودية، وتمكن بالفعل من إطلاق قناة كانت نقلة نوعية للمعارضة الإسلامية، حيث وصف مفتي السعودية السابق عبد العزيز بن باز المعارضة الإسلامية الإصلاحية السعودية في لندن ممثلة بسعد الفقيه أنها “من ناشري الدعوات الفاسدة الضالة”.
تعرض الفقيه أيضًا لمحاولة اختطاف فاشلة أصيب خلالها بعدة طعنات وكسرت ساقه قبل أن ينقل إلى مستشفى في العاصمة البريطانية عام 2003.
مجتهد: معارض تويتر السعودي
حتى اليوم لا تعرف الهوية الحقيقية للحساب، رغم تخمينات عدة تطرح بشكل تحليلي وغير رسمي عبر مدونات ومقالات إلكترونية وتغريدات، وهو حساب ناشط على تويتر منذ عام 2011 بعد أن دخل حيز التنفيذ، ليصل متابعينه الآن إلى قرابة مليوني متابع.
في 2 من يناير/كانون الثاني من العام الماضي، نفذت السلطات أحكام الإعدام في 47 شخصًا، ورد أن 43 منهم أُعدِمُوا بضرب الأعناق، و4 رميًا بالرصاص، في 12 موقعًا مختلفًا بشتى أنحاء البلاد
وهو حساب يكشف وثائق ومعلومات سرية من داخل القصر الملكي، وينشر وثائق تثبت الفساد المالي والإداري للسلطة الحاكمة، كما يتميز باستباقه الإفصاح عن “الأحداث قبل وقوعها” مثل قضية الأميرة سارة بنت طلال بن عبد العزيز التي طلبت اللجوء لبريطانيا قبل تداول الأمر بوسائل الإعلام العالمية، وزيارة الرئيس المصري محمد مرسي للسعودية.
غانم الدوسري: قاهر آل سعود
حين بدأ “غانم الدوسري” نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن أحد يعتقد أنه سيتحوّل إلى ظاهرة مقلقة لآل سعود فعلاً أو يكون له ذلك التأثير الكبير على مواطني الجزيرة العربية رغم أن الوصف الذي أطلقه على نفسه منذ البداية “قاهر آل سعود” لم يؤخذ بجدّ، لكنه أثبت أن اللقب لم يكن مبالغة، فقد اقترب كثيرًا من الحقيقة، والدليل على ذلك مهاجمة مقاطعه التي ينشرها بانتظام على يوتيوب من قبل أعداد ضخمة من الجيوش الإلكترونية، وغلق عدة منصات تابعة له بسبب افتراءات الإعلام السعودي وشكواها لشركة فيسبوك وتويتر.
يعتمد غانم على الكوميديا السوداء في مقاطعه المنشورة، ويعمد على استقصاء المعلومات السرية من بين زوايا القصر الحاكم، فيعتمد على معلومات لم يسبق نشرها من قبل لا في الإعلام الغربي ولا الإعلام العربي، كما يحلل غانم السياسة السعودية الداخلية والخارجية مقدمًا رأيه في نقدها.
ما بين اختلافات المعارضة السعودية الأيدولوجية بين السلمية التي تقودها حركة الإصلاح الإسلامي في الخارج، والحركة السلمية التي تتمثل في التيار الإصلاحي داخل السعودية، والمعارضة المسلحة التي تظهر في فترات زمنية متباعدة مثل تنظيم القاعدة، تظل المعارضة في معركة شرسة ضد دائرة الفساد، تبدأ من التعرض للفاسدين وتنتهي بإزالتهم، إلا أن ذلك يبدو بعيد المنال وسط التحديات التي تواجه المعارضة ومخاوف الاختفاء القسري أو الاغتيال أو السجن والتعذيب.
حين بدأ غانم الدوسري نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن أحد يعتقد بأنه سيتحوّل إلى ظاهرة مقلقة لآل سعود فعلاً
في 2 من يناير/كانون الثاني من العام الماضي، نفذت السلطات أحكام الإعدام في 47 شخصًا، ورد أن 43 منهم أُعدِمُوا بضرب الأعناق، و4 رميًا بالرصاص، في 12 موقعًا مختلفًا بشتى أنحاء البلاد، وكان من بين من ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام مرتكبو جرائم من الأحداث، بينهم أربعة رجال شيعة حُكِمَ عليهم بالإعدام لمشاركتهم في احتجاجات عام 2012 عندما كانوا دون سن الثامنة عشرة.
وذلك بسبب فرض السلطات قيود تحد بشدة من الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، فقبضت على منتقدي الحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المعنيين بحقوق الأقليات وسجنتهم بتهم ذات صياغة غامضة، واحتجازهم وملاحقتهم قضائيًا بتهم غامضة وفضفاضة، مستخدمةً “نظام مكافحة الإرهاب وتمويله” وقوانين تهدف إلى منع الانتقاد السلمي، بحسب تقارير منظمة العفو الدولية.