ترجمة وتحرير: نون بوست
في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه أعطى وكالة المخابرات الإسرائيلية “الموساد” الضوء الأخضر “للتحرك ضد قادة حماس أينما كانوا”. كان ذلك اعترافًا غير مباشر بأن الحملة الانتقامية التي شنّتها إسرائيل ردًا على الهجوم الذي تعرّضت له في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر سيشمل على الأرجح عمليات اغتيال في الخارج، لأن قيادة حماس لا تتمركز فقط في قطاع غزة.
منذ ذلك الحين، أصبح المسؤولون الإسرائيليون أكثر صراحةً بشأن هذا الأمر. قال رونين بار، رئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي الشاباك، إن إسرائيل “ستغتال كبار قادة حماس في قطر وتركيا”. وقال جوناثان كونريكوس، المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، لمجلة “فورين بوليسي” عندما سئل عن قيادة حماس: “إنهم جميعا رجال ميّتون يمشون”.
من الواضح أن إسرائيل ملتزمة بالبحث عن زعماء حماس في مختلف أنحاء المنطقة، حتى لو كان ذلك على حساب خطر توسّع نطاق الصراع. ففي الثاني من كانون الثاني/ يناير، قُتل ستة أعضاء من حركة حماس في غارة بطائرة مسيّرة في بيروت، لبنان. وكان بين القتلى صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس وأول زعيم رفيع المستوى في الحركة يُقتل منذ مقتل أكثر من ألف إسرائيلي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. كان العاروري أحد مؤسسي الجناح المسلح للجماعة وسفيرها الفعلي لدى إيران وحزب الله، وكان يُشتبه في قيامه بنقل الأموال والأسلحة إلى المقاتلين في غزة.
لكن حتى عندما تعلن السلطات الإسرائيلية عن نيتها مواصلة مثل هذه الاغتيالات الدولية، فإنها تدرك أن الطريق إلى تحقيق هذا الهدف مليء بالتحديّات. وهم يعلمون أنّه من الأسهل تنفيذ العمليات السريّة والاغتيالات في الدول التي تعاني من الأزمات أو التي مزّقتها الحروب مثل لبنان وسوريا مقارنة بالدول الأخرى التي تستضيف قادة حماس – بما في ذلك القوة العسكرية الكبرى، تركيا، وعملاق الطاقة قطر، وكلاهما أيضا حلفاء للولايات المتحدة. وتشير محادثات مجلة “فورين بوليسي” مع العديد من المسؤولين الأمنيين السابقين في إسرائيل إلى أن الموساد قد كُلّف بوضع خطط مختلفة تمامًا لكل دولة تستضيف قادة حماس.
قالت ساريت زهافي، مؤسسة مركز ألما للأبحاث والتعليم الإسرائيلي، أن كل عملية سريّة تحتاج إلى معلومات استخباراتية دقيقة وفرصة تشغيلية. ولكن يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أيضًا “العلاقة بين إسرائيل والدولة التي يوجد فيها الهدف”. وأضافت أن أيّ عملية في تركيا أو قطر ستكون “أكثر تعقيدا”، مقارنةً بلبنان أو إيران.
قبل أسابيع قليلة، اعتقلت السلطات التركية 15 شخصًا بتهمة التجسس لصالح الموساد. وقال مسؤولون أتراك للصحافة المحلية إن الموساد قام بتجنيد عملاء على منصات التواصل الاجتماعي، ودفع لهم بالعملة المشفرة، وكلّفهم بتحديد هوية المواطنين الأجانب في تركيا ومراقبتهم واختطافهم في نهاية المطاف – في إشارة على الأرجح إلى الفلسطينيين الذين يُفترض أنهم مرتبطون بحماس.
حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – الذي اتهم نتنياهو مؤخرا بالتصرف مثل أدولف هتلر، في إشارة إلى ارتفاع عدد القتلى لأكثر من 20 ألف شخص في غزة منذ بدء الحرب – إسرائيل من “عواقب وخيمة” إذا قُتل أي من أعضاء حماس في تركيا.
على الرغم من الحرب الكلامية العامة بين أردوغان ونتنياهو، فإن كلا البلدين يدركان حساسيات بعضهما البعض
منذ وصول أردوغان إلى السلطة في سنة 2003، قدّمت تركيا دعمًا دبلوماسيًا ثابتًا لحماس، وبينما لا تذهب إلى حد تقديم شقة لكبار القادة للعيش فيها، فإنها تقدم لهم الدعم الدبلوماسي وأماكن لعقد الاجتماعات. ويشترك أردوغان وحماس وأتباعهم في النظرة العالمية لجماعة الإخوان المسلمين، وهي أن السياسة في الدول ذات الأغلبية المسلمة يجب أن تكون متجذرة في الإسلام.
هناك أيضًا دعم داخلي كبير للفلسطينيين في المجتمع التركي. وبالعودة إلى سنة 2010، عندما أرسلت تركيا أسطولاً من القوارب التي تحمل مساعدات إلى قطاع غزة لاختراق الحصار البحري الإسرائيلي، قُتل 10 مواطنين أتراك على يد القوات الإسرائيلية. وردا على ذلك، قلّصت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وعندما بدأت تلك العلاقات في التعافي اندلعت الحرب الحالية.
يدرك الإسرائيليون الحساسيات التركية. وقال مسؤولون سابقون إنه ما لم يبدأ أردوغان استضافة قادة حماس بشكل جماعي، فإن إسرائيل لن تنفذ اغتيالات داخل تركيا. وقالوا إن إسرائيل ستنتظر بدلاً من ذلك خروجهم من تركيا بينما يدعون الولايات المتحدة إلى تشجيع تركيا على منع حماس من دخول أراضيها.
قال عيران ليرمان، النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، لمجلة “فورين بوليسي” عبر الهاتف إن “تركيا قوة عسكرية هائلة، وعضو في حلف الناتو، ويمكن أن تسبب لنا صداعًا خطيرًا. في الماضي، ساعدنا في إحباط المحاولات الإيرانية لقتل إسرائيليين على الأراضي التركية، وهناك قنوات اتصال بين أجهزتنا الاستخباراتية وأجهزتهم”. وأضاف “بدلاً من ذلك، سنمارس ضغوطًا شديدة على تركيا من خلال أصدقائنا. تركيا دولة كبيرة. إنها دولة تجارية كبيرة”، في إشارة إلى مختلف الأدوات التي يمكن استخدامها لممارسة الضغط.
توافق هيلين ساري إرتيم، الأستاذة المشاركة في العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول المدنية، على أن العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وتركيا مهمة وقد تحدّت الاضطرابات السابقة. وأضافت أن تعليقات أردوغان مخصصة في الغالب للاستهلاك المحلي لتهدئة المشاعر العامة المؤيدة للفلسطينيين. وقالت إن “تركيا تتبع سياسة متوازنة” عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي مع حماس، وفي النهاية، تعطي الأولوية لمخاوفها الخاصة. وأضافت إرتيم “لدينا قضايا يتعين علينا حلها مع الولايات المتحدة، واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة قوي للغاية”.
وأكدت: “لدينا مناقشات بشأن مقاتلات إف-16، والملف المتعلق بعضوية السويد في حلف الناتو لا يزال مطروحا على الطاولة”، في إشارة إلى رغبة تركيا في شراء طائرات مقاتلة أمريكية الصنع واعتراضها على انضمام السويد إلى الناتو. وتساءلت إرتيم “كيف يمكنك تدمير كل هذا لدعم حماس؟ هذا يعني قطع العلاقات مع الغرب بسبب حماس. ولن تجر تركيا نفسها إلى هذا المستنقع. وعليها حماية علاقاتها مع الولايات المتحدة”.
يشير المسؤولون والخبراء إلى أنه على الرغم من الحرب الكلامية العامة بين أردوغان ونتنياهو، فإن كلا البلدين يدركان حساسيات بعضهما البعض. وبينما يُريد أردوغان إرسال رسالة واضحة مفادها أنه لن يتسامح مع انتهاك سيادة تركيا، قالت إرتيم إن السلطات التركية لن تتجاهل المخاوف الإسرائيلية بشأن حماس أيضًا. ومن ناحية أخرى، قد يعلن الإسرائيليون أنهم سوف يعثرون على زعماء حماس ويقتلونهم أينما كانوا، ولكن في النهاية قد يضطرون إلى ضبط النفس.
ذكر ليرمان أن “وضع القطريين مختلف. لقد كانوا يموّلون حماس، ولدينا سبب للاعتقاد بأنهم أرسلوا أموالاً أكثر مما كنا نعلم”. هناك المزيد من الانفتاح على فكرة مهاجمة أهداف تابعة لحماس في قطر، التي تستضيف قادة حماس منذ سنة 2012 وترسل ملايين الدولارات من المساعدات سنويًا لقطاع غزة. ويعتقد الإسرائيليون أن هذه الأموال لم تساعد المحرومين في غزة فحسب، بل موّلت أيضًا بيروقراطية حماس.
في تصريح لمجلة “فورين بوليسي”، قال مسؤول إسرائيلي سابق في وضع يسمح له بإجراء تقييم مستنير شريطة عدم الكشف عن هويته: “إذا كان احتمال اغتيال قادة حماس في لبنان وإيران يبلغ 90 بالمئة، فهي 50 بالمئة أو أقل في تركيا، بسبب عدة اعتبارات جيوسياسية. لكن في قطر، يرتفع هذا الاحتمال بشكل كبير عندما تصبح كيانًا معاديًا يؤوي أهدافًا مشروعة”. وأضاف المسؤول: “علاقاتنا معهم يمكن أن تتغير بشكل كبير – بدءا من ممارسة المزيد من الضغط كما نفعل الآن، وصولا إلى القضاء على أهداف داخل قطر، وهذا هو الطرف الآخر من الطيف”.
قررت إسرائيل استخدام علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة لممارسة الضغط على كل من تركيا وقطر للإطاحة بقادة حماس وتجنب وقوع حادث دبلوماسي مع إسرائيل
لعبت قطر دورا أساسيا في إطلاق سراح أكثر من مائة رهينة إسرائيلية حتى الآن. لكن المسؤولين في إسرائيل والولايات المتحدة يشتبهون في أن الدوحة تلعب لعبة مزدوجة – تدعم حماس بينما تلعب دور صانع السلام. ودعا المشرعون الأمريكيون قطر إلى استخدام نفوذها على الجماعة لضمان إطلاق سراح الرهائن المتبقين. وحسب ما ورد، قال السيناتور الأمريكي جوني إيرنست، لرئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال زيارة قام بها مؤخرا إلى الدوحة: “الأمريكيون غاضبون”.
كانت هناك اقتراحات أخرى في واشنطن، بما في ذلك تجريد قطر من مكانتها كحليف رئيسي من خارج الناتو إذا لم تقم بطرد أو تسليم قادة حماس. ووفقا لتقرير في صحيفة “بوليتيكو” نقلا عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين لم تُذكر أسماءهم، تخطط واشنطن لمطالبة قطر بطرد حماس بمجرد انتهاء أزمة الرهائن.
ترى قطر على أن هناك مزايا لوجود قناة اتصال مفتوحة مع حماس، وتعتقد أن لديها بعض النفوذ باعتبارها الدولة التي تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة وتملك ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم. لكن من المتوقع أن تتصاعد الضغوط على الدوحة.
وحتى الآن، نفت قطر التقارير التي تفيد بأنها اقترحت ترحيل اثنين من كبار قادة حماس من غزة الذين دبروا هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، مقابل وقف دائم لإطلاق النار. وفي الوقت الحالي، قررت إسرائيل استخدام علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة لممارسة الضغط على كل من تركيا وقطر للإطاحة بقادة حماس وتجنب وقوع حادث دبلوماسي مع إسرائيل، بينما تسمح للموساد في الواقع بالتخلص من القادة في أماكن أخرى. وتعتمد الدوحة وأنقرة أيضًا على علاقاتهما مع الولايات المتحدة لإبقاء الموساد بعيدًا.
قال شموئيل بار، الخبير المخضرم في مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، إنه إذا تبنّت الحكومة الإسرائيلية التفضيلات الأمريكية لغزة ما بعد الحرب – أي سحب جميع القوات الإسرائيلية من المنطقة ونقل السلطة إلى السلطة الفلسطينية “المعاد تنشيطها” – يمكن حينها أن تحصل على حيّز أكبر للعمل ضد حماس. وأضاف أن “أفضل مسار للعمل بالنسبة لإسرائيل اليوم يقوم على تبني النموذج الأمريكي بالكامل لليوم التالي. وهذه هي الطريقة التي يمكننا من خلالها محاصرتهم، وهذا من شأنه أن يمنحنا مساحة أكبر لتنفيذ عمليات ضد حماس وضد حزب الله”.
المصدر: فورين بوليسي